مقالات في الدستور

 

النخب السياسية وتحديات صياغة دستور عصري جديد

 

الدكتور وجيه العلي

Amirelali@aol.com

 

التجاذب على ما يبدو محتدم ما بين النخب السياسية داخل وخارج أروقة البرلمان العراقي لحل المشاكل العالقة والتوصل إلى صيغة توافقية لمسودة الدستور الجديد قبيل انقضاء الموعد النهائي والذي تحدد في يوم الاثنين المصادف 22 أغسطس 2005. ولا ضرار إطلاقا من وجود مثل هذا التجاذب ما بين التكتلات السياسية المختلفة لا بل على العكس هو ظاهرة صحية ومطلوبة مادمت العملية تتم في جو ديمقراطي ومتحضر وما دامت الأطراف المناورة تتعامل مع المسائل المطروحة وفقاً لمصلحة العراق والعراقيين وليس وفقاً لمصالحها الفئوية الضيقة أو الآنية. ذلك إن العبرة هي في التوصل إلى صياغة متأنية لدستور ثابت يتماشى وروح العصر ويجسد تطلعات العراقيين كافة في إقامة مجتمعهم المدني المتحضر ويؤسس لقيام دولة اتحادية ديمقراطية تستند إلى مبادئ المواطنة والعدالة والتعددية السياسية واحترام الحقوق الإنسانية وفقاً للمواثيق والعهود الدولية.

 ولعل التحدي الكبير هو هل تستطيع النخب السياسية الفاعلة على الساحة العراقية أن تطرح مسودة الدستور الجديد في موعدها المحدد؟ العديد من المتابعين للشأن العراقي يشيرون إلى وجود خلافات جوهرية ما بين التكتلات السياسية الرئيسية. فالكورد يريدون توسيعاً للصلاحيات ولنطاق الحكم الذاتي في إقليم كوردستان ويطالب الشيعة بفدرالية الجنوب والفرات الأوسط ويصر العرب السنة على وجود حكومة مركزية قوية. كذلك يرى المراقبون استنادا إلى المفاوضات والمماحكات الجارية ما بين الأطراف السياسية المشاركة في لجنة صياغة الدستور أن هناك قدر لا يستهان به من الحساسيات لدى أطراف معينة من مفردات سياسية مثل: الفدرالية، دور الدين في الدولة، حق تقرير المصير، تقاسم الثروات، حقوق المرآة، وحدود الأقاليم. لذلك ثمة تخوف حقيقي من أن تحول هذه المواقف والحساسيات دون التوصل إلى توافق نهائي بحلول يوم الاثنين المقبل وعندها ستؤول كل العملية الدستورية إلى الهزيمة والفشل، إذ سيتوجب حل الجمعية الوطنية والتوجه ثانية نحو الناخب العراقي لاختيار ممثليه في جمعية وطنية جديدة. وقد حذر نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية آدم أرلي من مغبة هذا المصير بقوله "إن القادة العراقيين يعرفون جيدا ما هو البديل إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق وان إدراكهم لهذا البديل يدفعهم إلى خوض اجتماعات مكثفة طول الليل والانخراط في مفاوضات صعبة".

 إن ما يتطلع إليه العراقيون بشغف وما ينتظره المجتمع الدولي هو ولادة دستور عراقي يؤسس لقيام دولة علمانية ديمقراطية واتحادية قادرة على النمو واللحاق بركب البلدان المتحضرة والمتقدمة في مجالات العلم والتكنولوجيا وحقوق الإنسان وليغدو العراق أنموذجا سياسيا واقتصاديا يُقتدى به في منطقة الشرق الأوسط. فالمؤمل أن يأتي الدستور الجديد متماشيا مع طموحات وآمال العراقيين العريضة في الحرية والانفتاح والمساواة وفي التحرر من كل أشكال التخلف وفي الاستقرار وإعادة البناء والعيش الآمن الرغيد. وبالمقابل، إن آخر ما يتوقعه العراقيون والدول الصديقة هو أن يشهدوا يوم الاثنين القادم ولادة قيصرية لدستور هزيل يؤخر العراق ويحد من انطلاقته نحو الغد الأفضل ويدخله من جديد في متاهات الاستقطاب والمنازعات السياسية وحالة عدم الاستقرار.

  ومن نافلة القول التذكير بأن الدساتير الجيدة هي تلك التي طبخت على نار هادئة فلم هذا الاستعجال!!! لذلك، لا مسوغ للاستعجال في كتابة الدستور الكامل والخوض في كل التفاصيل والجزئيات؛ إذ يكفي أن يكون التركيز في الوقت الراهن على تثبيت وإعلان المبادئ الأساسية للدستور الجديد والتي يمكن اختزلها إلى (12) مبدأ عاما على أن تتم ترحيل مسألة التفاصيل إلى الدورة البرلمانية القادمة حيث سيتوفر للبرلمانيين الجدد المزيد من الوقت لدارستها ومناقشتها وصولا إلى الدستور الثابت والمفصل.

 

المبادئ الأساسية للدستور العراقي الجديد:

1. مبدأ فصل الدين عن السياسة: العراق دولة علمانية لا دينية والحكومة ملزمة بحماية واحترام كل الأديان والطوائف وعدم التدخل في شؤونها أو التحزب لدين أو طائفة معينة.

2. مبدأ المساواة: العراقيون متساوون أمام القضاء، وكذلك متساوون في الحقوق والواجبات ولا يجوز التمييز بينهم بسبب الجنس أو الدين أو اللون أو الطائفة أو القومية أو المنطقة الجغرافية.

3. مبدأ التكافل والتعايش السلمي: العراق وطن جامع تتعايش وتتآلف وتتسامح فيه مختلف الأعراق والثقافات والديانات.

4. مبدأ السيادة: العراق دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، اللغة الرسمية هي اللغة العربية وفي إقليم كوردستان تكون اللغة الكوردية لغة رسمية، والشعب هو مصدر السلطات، ونظام الحكم فيها جمهوري ديمقراطي فيدرالي، ولا يجوز التنازل عن سيادتها أو التخلي عن جزء من أراضيها.

5. مبدأ حسن الجوار: يراعي العراق مبادئ حسن الجوار ويتمسك بعدم التدخل عدوانيا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كذلك يسعى العراق لتوطيد السلم والأمن العالميين وعدم استخدام القوة لفض المنازعات الدولية، ودعم التعاون الدولي وتنمية العلاقات الودية بين الدول، والالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية.

6. مبدأ احترام الحقوق والحريات: الإنسان قيمة عليا، احترام حقوق الإنسان (لاسيما حقوق المرأة والطفل) وفقاً لما ورد في العهود والمواثيق الدولية.

7. مبدأ استقلال القضاء والتداول السلمي للسلطة ووضع حدودا فاصلة وواضحة لعمل السلطات الثلاث وواجباتها.

8. مبدأ تحريم وتجريم الأفكار والممارسات العنصرية والعمليات الإرهابية وكذلك نزعات القوة والإكراه والابتزاز وتخريب الاقتصاد واستلام الرشاوى وسرقة المال العام.

9. مبدأ صيانة وتطوير الموارد الاقتصادية والبشرية والثروات المعدنية والمواقع السياحية بهدف تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وزيادة الإنتاج والإنتاجية ورفع المستوى المعيشي للمواطنين كافة.

10. مبدأ المواطنة والجنسية:المواطنون اللذين يعيشون على ارض العراق هم متساوون في الحقوق والواجبات، الجنسية العراقية هي أساس المواطنة، لكل مولود من أب أو أم عراقية حق لا ينزع في التمتع بالجنسية العراقية ولا يجوز للسلطات الحكومية إسقاطها أو سحبها لأي سبب من الأسباب، لجميع العراقيين من المهجرين والمهاجرين والمسفرين ممن أسقطت عنهم الجنسية العراقية الحق في استردادها قانونا، يجوز تعدد الجنسية، الجنسية العراقية وأحكامها ينظمها القانون.

11. مبدأ مهنية القوات المسلحة وعدم السماح لها للتدخل في الشؤون السياسية.

12. وأخيرا وليس آخراً، مبدأ ديناميكية ومرونة الدستور بمعنى قابلية الدستور على التجدد واستيعاب التطورات الحديثة.


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com