مقالات في الدستور

 

مسودة الدستور لايجوز التعديل عليها

 

بقلم: د. لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 قبل البدء في مناقشة مسودة الدستور فوجئت بتصريح للشيخ منصور كنعان، عضو الجمعية الوطنية، في قناة الفيحاء الفضائية، يؤكد فيه، بأن ما نشر في الصحافة هو ليس مسودة الدستور وإنما هو مشروع من المشاريع المقدمة لمسودة الدستور. والمسودة في الصيغة النهائية ستعرض على الجمعية وستناقش وستقر في يوم 15/ 9 وستُعرض على الشعب العراقي للاستفتاء فقط. أي أن أعضاء الجمعية هم فقط من سيناقش ويعدل على تلك المسودة. وكما هو معروف للجميع فأن أي تعديل خارج عن أفكار كتلة الأئتلاف والقائمة الكردستانية سيرفض ديمقراطيا وبلغة الاكثرية.

 لقد حذرت كما حذر الكثير من الكتاب الوطنيين سابقا بأن الدستور سيسجن بقضان طائفية وقومية ضيقة. فالتأخير في أصدار الصيغة النهائية لمسودة الدستور يدخل ضمن التخطيط الزمني المدروس لأصحاب القرار لتمرير هذه المسودة بصيغة المحاصصة التي أتفق عليها بين الكتلتيين الفائزتين. أننا أمام سطوة ديمقراطية، منسقة، مبرمجة بعناية فائقة ومخطط لها بجدول زمني محدد سيتم فيها تجاهل الكثير من حقوق الوطن والمواطن في صفقة ثنائية على حساب الجميع.

المادة( 2 )

 

ورد في الباب الاول من المسودة النص الأتي:

أ- لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.

ب- لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

لقد صيغت الفقرتين اعلاة بشكل متناقضتين، متحاربتين، وكل واحدة تحاول أن تلغي وجود الثانية. إذ لايمكن أن تجتمع تلك الفقرتين لتحقيق نفس الهدف.

فمبادئ الديمقراطية تعطي حق الفرد في ممارسة حريته الشخصية والفكرية والمدنية والأجتماعية بشكل كامل. بينما مبادئ الاسلام لا تسمح بممارسة الحرية المدنية والاجتماعية بشكل كامل. كما تمنع مبادئ الاسلام المرأة من دخول كل ابوب سوق العمل وتعتمد المبادئ على المفاضلة في العلم والجنس والتقوى. بالوقت الذي لاتمييز المبادئ الديمقراطية بين المواطنين في الحقوق والواجبات. فكيف سيوفق الدستور في تقريب هذا التناقض بين الفقرتين (أ ) و (ب) من هذه المادة. ومَن من الفقرتين له الاستحقاق الاولي؟ هل هو طبيعة الترتيب أم ان الفقرة(أ )ستسجن الفقرة (ب ) كون الفقرة (أ ) هي تابعة للعموم النقطة الاولى.

بالمناسبة أعلن، قبل أيام، حزب الفضيلة إعتراضة على وجود الفقرة ( ب) في المسودة واعلن عدم موافقته مع قائمة الأئتلاف حول درج هذه الفقرة على أعتبار ان مبادئ الديمقراطية تتعارض مع الثوابت الاسلامية. وانا اتفق بالكامل مع حزب الفضيلة بأن مبادئ الديمقراطية تتخطى الثوابت الاسلامية ولذا يجب الغاء احد الفقرتين. أما إبقاء الفقرتين فهذا سيعطي الحق للأسلامين والعلمانين في ممارسة حقوقهما وبالتالي سينشأ نزاعات وخلافات يتعذر على الدستور حلها وهذا ما يبغيه الاخرين .

 

المادة (3)

 

العراق بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الاسلامي، والشعب العربي فيه جزء من الامة العربية.

لم تحدد المادة الثالثة تركيب الشعب العراقي. هل هو متكون من شعب واحد وفيه قوميات.. أم من شعبين عربي وكردي. فأن كان العراق متكون من شعبين فيجب أن ندعو للكونفيدرالية وليس للفيدرالية وبالتالي سيكون للشعب الكردي حق الانفصال والأستقلال التام عن العراق. أما أن كنا شعب واحد فيجب أن تكون هناك خصائص وثوابت مشتركة. أما بهذا التعريف العام والخائف والعائم على صراعات مستقلبية ،مخفية، سيفتح المجال للاجتهاد والتأويل والتفضيل. فهذه المفاهيم الجديدة سيكون نتائجها خطيرة على ثقافة المواطن العراقي وستبعد أبناء العراق عن اختلاطهم فيما بينهم وستلغي الأندماج الثقافي وبالتالي تعمق المدن الطائفية والحكومات القومية المحددة.

أنا اتصور بأن أحد مهام التي كانت مرسومة للنظام الصنمي المهدوم، هو أفراغ الشعب العراقي من خزينة الفكري والسياسي والثقافة الوطنية وقد نحج بذلك. واليوم يستعد قادة الحرية لتأسيس مشروع جديد يعبأ ويغسل فكر المواطن العراقي بمفاهيم ليبرالية، شفافة، مطاطية، يبفذها قسم مثقفي وأنتلجينسا العراق المأجورين لتسويق ثقافات جديدة، وغريبة عن سليقة تأريخ العراق السياسي. واهم تلك البرامج هو تأسيس ثقافات ووعي فكري مختلف عن طبيعة تراث الشعب العراقي مهمة الأولى هو طمس مفهوم الوطنية المقدسة وأبراز الثقافات الطائفية والقومية والانفصالية. لقد كان المواطن بزمن الصنم يعلن ولائه القصري لعبادة القائد الاوحد لكن اليوم تؤسس ثقافات لعبادة الطائفة والقومية والشعوبية والعولمة وكلها تهدف الى طمس ثقافة الوطن تحت تلك الثقافات الانفصالية.

لنسلم جدلا أن الشعب العربي هو الذي جزء من الامة العربية( كما هو مذكور في النص) ولكن لم يشر الى الشعب الكردي في المسودة وماهو تعريفه ولاي أمة ينتمي وماهي مقومات تلك الامة في الوقت الحاضر فهل سيكون جزء من الامة الكردية المغيبة حقوقها بين دول الجوار أم يبقى جزء خاص منغلق على نفسه.

كما ان هذه الصيغة ستطرح اشكالية كبيرة في تمثيل الدولة العراقية في الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي. فمن سيمثل العراق في الجامعة العربية؟ هل العرب لوحدهم أم كل الأقاليم العربية؟ ومن هي الاقاليم التي ستمثل في الجامعة العربية؟ هل الاقاليم الشيعية أم السنية؟ وهل ستطبق قوانين وقرارات الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي على كل العراق أم فقط على الأقاليم العربية. وهناك اشكالية قانونية قائمة حاليا. لنفرض جدلا نجحت المسودة في الاستفتاء وهذا ما سيكون على الاكثر. فسيكون ملزم الأعتراف بأن الشعب العربي هو جزء من تلك الأمة العربية الخربة لكن اليوم رئيس الدولة العراقية وزير الخارجية العراقي هما كرديان فكيف سيمثلا العراق في الجامعة العربية وهما ليسا منتمين للأمة العربية. أم يحق للكرد تمثيل العرب في المحافل العربية وهم لاينتمون الى الأمة العربية. ألا يتعبر هذا تناقض صارخ؟ وأن سلمنا بهذا التناقص سيكون لزاما على الدستور الجديد ان يختار الرئيس العراقي ووزير الخارجية هم من العراقيين العرب وليس الكرد فالجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي سيعترضان على هذا التمثيل الا عربي. وهنا ينطق المثل القائل * وجنت على أهلها براقش*. ألن يكون هناك تناقض بين الصياغة في المسودة والحياة العملية والمواقع الرئاسية. وهناك سؤال اخر هو هل سيحق للشعب الكردي اقامة علاقات خارجية مع الأمة الكردية؟

هذه الصياغات القومية المحدودة،هي ضرب من المبالغة في نيل المطاليب القومية والطائفية. وهي ستؤسس لثقافات طائفية قومية ضيقة ستترك اثاره على يوميات المواطن العراقي و وسيتحمل المواطن العراقي العبأ الأكبر منها.

 

المادة (4)

نقرء النص

اولاً- اللغة العربية واللغة الكوردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم ابنائهم بلغة الام كالتركمانية او السريانية في المؤسسات التعليمية الحكومية على وفق الضوابط التربوية، او بأية لغة اخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة.

عذرا لكل من هو يغطي العراق بقوميته لكن هذه الصياغة في هذا الباب لا تؤسس إلا لعراق منعزل بين مدنه وشعبه في أختلاطه وتجانسة. عند صياغة الدستور نتوخى أن نجد صياغات مرنة توحد وتنمي الوطنية بين ابناء العراق فيما بينهم وتساعد على أندماجهم الثقافي والسياسي والأجتماعي والتجربة السابقة التي مر بها لها الشعب الكردي بعد تحرير الكويت تركت أثار واضحة على المواطن الكردي. إذ دُرست اللغة الكردية فقط في المدن الكردستانية مما ولد جيل كامل من الشباب الكرد لايجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية وهي لغة القران. هذا لايعني أني ضد تعليم لغة الأم.بالعكس فالشعب الكردي وبقية القوميات لهم الحق الكامل بالتعليم والتحدث والمخاطبة والتثقيف بلغتهم وممارسة تقاليدهم وعاداتهم الثقافية لكن هذا النص سيعطي الحق لتطبيق احد اللغتين في الاقاليم ونحن نطمح لان تكون هناك لغة الزامية مشتركة تمثل الغالبية العظمى للشعب العراقي وكون اللغة العربية الرسمية ولغة الدولة الرسمية ولغة القران والادب والثقافة فيجب أن تكون هي اللغة الرسمية في كل مدن العراق كاملة ويحق للغة الكردية وبقية اللغات الممارسة والوجود والحرية في التعليم والانتشار. وهذا سيعزز التطور الثقافي فيما بيننا كعراقيين ويقوي المراسلة الثقافية والأجتماعية.

 أركز على الجملة الأخيرة من المادة والتي تقول (او بأية لغة اخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة)

 هذه المرونة ستفتح ثغرات كبيرة وتشجع نحو تأسيس مؤسسات تعليمة بلغات أجنبية. أننا نعرف بأن هناك الكثير من الناطقين باللغة الفارسية من العراقيين وذوي الاصول الأيرانية والذين عاشوا في اضرحة القمم الأيرانية ورجعوا الى العراق أيرانيين أكثر من الفرس . سيسمح لهم هذا النص بممارسة تطبيق اللغة الفارسية في المؤسسات التعليمة الخاصة سيما وان هناك من يطالب بأن تكون اللغة الفارسية هي اللغة الرابعة في البلد. وبالتالي سيستفيدون قاطني وسكنة المدن العراقية المقدسة من الاصول الايرانية لتأسيس مدارس وجامعات ومراكز دينية وتعليمية تُدّرس اللغة الفارسية بدل العربية وتدريجيا سيجبرون سكان المدن المقدسة بأقرار اللغة الفارسية كواحدة من اللغات الرسمية في كربلاء والنجف ضمن استفتاء تعبوي يقودة أزلام وتوابع وعُباد النظام الأيراني. فهل يعقل أن يتم التداول باللغة الفارسية رسيميا في بلد عربي. وهل سمح لأكثر من مليون عراقي هجر لأيران في الثماينات من القرن النصرم من ممارسة اللغة العربية في المؤسسسات التعليمية الأيرانية طيلة بقائهم هناك حوالي ربع قرن من الزمن.

 أن اشاعة ثقافة المحاصصة في اللغة ستعزل المدن العراقية فيما بينها و سيحرم ابناء العراق من التبادل الثقافي وستضع حواجز ثقافية بين ابناء المدن العراقية. فنحن نفتخر بشعراء ومثقي وأدباء وعلماء العراق كعراقيين كالجواهري والنواب والسياب وكوران وجاويد ولميعة عباس وعبد الجبار عبد الله والبياتي وسعدي يوسف والحكيم والخوئي والصدر، على سبيل المثل لا الحصر، وعذرا من البقية. ويحتفل أبناء الشعب العراقي كل حسب تقاليده بكل المناسبات الوطنية والدينية من ثورة العشرين وتموز وعاشوراء ومولد النبي محمد ( ص) وعيد نوروز وعيد الفطر والاضحى والكرسمس والكرصة.

 أن الدستور هو عقد اجتماعي بين كل أبناء العراق وفية يجب ان تتوفر العدالة الأجتماعية للجميع بدون أستثناء لكن ما يجري حاليا هو المحاصصة للاقوى على حساب الضعيف. أننا انتهينا من قانون الصنم الذي حول الشعب العراقي الى رعية منتهكة، مستلبة ، ضحية، خالية من الحقوق ومكلبة بالواجبات القسرية، المهينة وسلب حق المواطن من انتماءه للوطن. لكن وقعنا في ثقافات تحاصص ممتلكات الوطن وتسجن حريتة المواطن بأسم الديمقراطية. نحن نكتب دستور يحقق المساواة بين كل ابناء العراق ضمن القانون الدستوري الذي سيكون سيد القرار وتاج فوق رؤوس كل العراقيين بكل مكوناته وهو سيحقق العدالة للعراقيين. لكن مايجري حاليا هو ليس كتابة دستور وطني عراقي يشمل توزيع الثروات بشكل عادل على الجميع بل هو دستور محاصصة أثنية وقومية وطائفية تؤسس لمحاصصة اقتصادية ونفطية وزراعية ومائية وسياحية وكل ثروات البلد.

 أني أناشد كل المثقفين والكتاب والصحفيين العراقيين الوطنين، الذين يؤرقهم ضمير الوطن المجروح وحدوده وثرواته المستلبة، أن لا تأخذهم سكينة الطائفية والقومية وهم يناقشون مسودة دستور العراق ويتجه قلمهم نحو رسم حدود وحواجز لتقسيم ثقافة، وثروات، وخيرات، العراق ومحاصصته ثقافيا وسياسيا وأجتماعيا، بل ان تناقش مسودة الدستور بنفس عراقي وطني يحقق العدالة للجميع ويرفع الحيف عن الجميع.

 لننتبه جميعا فهناك الكثير من يراهن لتأسيس ثقاقة المحاصصة بحجج مختلفة لكن ما هو مطلوب هو أن نؤسس لثقافة الوطن التي غيبت ديمقراطيا وأن يكون المثقف منحاز للوطن اولا للمواطن ثانيا وفوق كل الميول والاتجاهات وعندئذ سننجح في كتابة دستور وطني.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com