النقاط المهمة
في الدستور العراقي القادم
(الحلقة الأولى)
زهير
كاظم عبود
zouher_abbod@hotmail.com
قضية
الدستور تعد من بين أهم القضايا التي تواجه العراق الجديد، وهي
مهمة أساسية من مهمات السلطة الأنتقالية والتي سيناط أنجازها بالمختصين
في الشأن القانوني والدستوري والسياسي بشكل خاص لتحقيق متطلبات
القرار الدولي والوصول بالعراق الى الحرية والأستقلال وبداية
العهد القانوني الأنساني والديمقراطي المدني الجديد.
وعلى هذا الأساس ينتظر أهل العراق تشكيل اللـجان التي ستختص بكتابة
مسودة مشروع الدستور العراقي. وعملية مناقشة مسودة مشروع الدستور والتي
ستكون متشكلة من نخب القضاة والحقوقيين والمتخصصين في المجال الدستوري
ورجال الفقة والشريعة وحقوق الأنسان وممثلي الاحزاب السياسية في
العراق، ستؤدي
بالنتيجة الى أيجاد معالم واضحة لمسودة للدستور متناسبة مع الوضع
العراقي و قابلة للتطوير والمناقشة والتعديل، حتى يصار الى طرح
المسودة على الشعب العراقي للتصويت عليها بموجب أستفتاء حر وواسع
يشمل كل العراقيين داخل أو خارج العراق ممن يحق لهم التصويت على
هذه الوثيقة الأساسية التي ترسم معالم الحياة المستقبلية للعراق.
أن عملية أيجاد الأسس التشريعية في مسودة الدستور العراقي مثل القيام
بأنشاء أساس في عملية بناء البيت، فالدستور حقاً يشكل الأساس
القانوني الذي يرسم معالم الحياة السياسية في العراق وفق مايحلم
به المواطن العراقي والذي سيشارك لاول مرة في بناء النصوص.
وكان قد قدم عدد من الحقوقيين والمواطنين العراقيين مشاريع دستورية
متواضعة، بالأضافة الى تشكيل لجنة من خيرة المختصين في كافة
التخصصات المتعلقة بكتابة الدستورمن اجل أعداد مسودة للدستور من
قبل المنظمة الوطنية للمجتمع المدني وحقوق العراقيين التي قدمت
مشروعها المتواضع في الشأن العراقي، و تستطيع اللجان المتخصصة أن
تستفاد منها، وأن يتم مناقشتها و فحص نصوصها، مثلما يمكن
الأستفادة من القانون الأساسي العراقي الذي قدمته اللجنة المتخصصة
للقانون الاساسي لعام 1925، بالأضافة الى الدستور المؤقت الذي
اقر بعد قيام الجمهورية في 14 تموز 1958 وهو من الدساتير المشار
اليها بالمتانة والوضوح والشمول والأيجاز.
ومن بين أهم المسائل والأمور التي لن تغيب عن بال اللجان التي ترسم
النصوص الدستورية المقترحة، مسألة فصل السلطات الثلاث التشريعية
و القضائية و التنفيذية والتي أقدم النظام البائد على الغاء
عملية الفصل بين السلطات في الدستور المؤقت السابق لحصرها في
سلطة واحدة هي سلطة الدكتاتور، وقد ثبت عملياً في الحياة
العراقية أن الفصل بين هذه السلطات يشكل الضمانة الأكيدة ذات
الجدوى العملية في الحياة العراقية بدلاً من الغاء الفصل بين السلطات
الذي يكرس حصر السلطة بيد واحدة، وخاصة أن العراق مقدم على حياة
ديمقراطية حقيقية وضمانات لحقوق الأنسان.
ومن أجل أيجاد مؤسسة قضائية فاعلة ومستقلة، ينبغي النص على أن يصار
العمل بالنصوص السابــقة التي تفصل مجلس القضاء عن سلطة وزير العدل،
بالنظر لكون الأخير ممثلاً عن السلطة التنفيذية ولايمكن القبول
بقيادته لسلطة قضائية تتمتع بالأستقلال.
كما أن أيجاد تشريع يحكم وجود المحكمة الدستورية العليا وكيفية تشكيلها
وسلطاتها وقراراتها وأستقلاليتها، يشكل ضمانة دستورية أخرى وأكيدة تعمل
على ترسيخ المعالم الديمقراطية للحياة في العراق.
أن مايميز العراق تلك التجربة السياسية التي مر بها منذ تأسيس الدولة
العراقية بعد ثورة العشرين ولحد اليوم، وهذه التجربة ولدت لدى العراقي
من خلال تجربته السياسية ومحنته الوطنية، تراكم السلبيات التي
توارثها الناس جراء سياسات السلطات القمعية المتعاقبة، وعرف
العراقي حقوق كانت غائبة ومغيبة، مثلما عرف العراقي أشكال
الأنظمة السياسية للسلطة والحكم وعرف أيضاً التجارب التي مرت بها
الأمم.
والمطالبة الكردية بالفيدرالية لاتمثل حقاً مشروعاً من حقوق الكرد في
العراق فقط بعد نضالهم وتضحياتهم ومعاناتهم الطويلة طيلة فترة تاريخ
العراق الحديث و الذي طالما قدموا بالأشتراك مع باقي القوميات في
العراق التضحيات الجسام وخاضوا من أجله معارك طاحــنة أكلت
العديد من شبابهم على مذبح الشهادة، وأجلت مستقبلهم ومسحت قراهم
وبيوتهم، ولهذا فأن المطالبة بالفيدرالية أصبحت هاجساً عراقياً
وطنياً يقتنع به العراقي بضميره ومن خلال مامر به الوطن من تجارب
سياسية وبأعتبار الفيدرالية صيغة من صيغ العمل السياسي ضمن وحدة الوطن
العراقي.
أن مسألة الحقوق للقوميات التركمان والأثوريين والكلدان والأقليات
الأخرى مسالة تمثل مطلباً وطنياً عراقياً، فنحن بحاجة الى أقرار وطني
بحقوق الجميع بما فيها الأديان التي تناساها الدستور السابق من
الأيزيدية والصابئة المندائية واليهود الى أقل شريحة أجتماعـية
موجودة في العراق، مثلما نحن بحاجة أن نبحث عن الحقوق التي
ضيعتها الأنظمة السابقة بقصد أو أستخفافاً بالأنسان وحقه في
الحياة العراقية، وهذه الفرصة التاريخية التي تشير الى معالم
حياة جديدة للعراق في المنطقة، ستزيد بالتأكيد من قوة التلاحم والتكاتف
الوطني، مثلما تزيد الوطن منعة وتلاحماً ووحدة وأملاً بالمستقبل.
ومن بين أهم الأمور التي أستجدت بعد زوال السلطة البائدة، هي مسألة
أزدواجية الجنسية والتي صارت أمراً واقعاً، وأصبح العديد من العراقيين
ونتيجة غربتهم الطويلة وهجرتهم تخلصاً من سلطة الطاغية لشتى
الاسباب قد أكتسبوا جنسيات البلدان الغربية التي يقيمون بها
بالنظر لأنطباق الشروط عليهم، ولطول مدة بقائهم في غربتهم، ومع
أن مجلس الحكم الأنتقالي أصدر قراراً بجواز أزدواجية الجنسية الا
أن الأمر بحاجة الى تنظيم ونصوص دستورية ترتب ذلك وتحمي الحقوق،
ومن يشملهم الأمر كانوا من المضحين في سبيل معارضة وأسقاط النظام
البائد وفي سبيل ذلك كانت هجرتهم، لذا يتحتم على اللجان المشرفة أن
ترسم لهم
النصوص التي تضمن مواطنتهم وتبيح لهم الحق في الأحتفاظ بجنسيتهم
العراقية، والعمل على دراسة مبدأ أزدواجية الجنسية ليحل العديد
من المشاكل الآنية، أضافة الى ضرورة ليس فقط أستعادة الجنسية
العراقية للعراقيين المسفرين والمهجرين والمبعدين وأنما ضرورة
أعادة الأعتبار الأنساني لهم بموجب نصوص دستورية ولايكفي قرار
مجلس الحكم الأنتقالي مع تقديري وأحترامي له، فالمسألة تتعلق بشرائح
طيبة وكبيرة من العراقيين مما يقتضي معالجتها دستوريا وبتأني
ودقة.
كما أن معالجة مسألة التعويضات عن مصادرة الأموال وألأستحواذ عليها
من قبل السلطة البائدة دون وجه حق وأستغلالها طيلة هذه السنوات، مما
يقتضي أن يمنح الدستور للقضاء العراقي واللجان البرلمانية
الصلاحية الواسعة من خلال قوانين تعيد لهذه الناس بعضاً من
حقوقــها وبشكل سريع ويتناسب مع ضرورة عودة الحياة الطبيعية
للناس في العراق، بالنظر للتضحيات الجسام التي قدمتها هذه
الشرائح العراقية الأصيلة أن مشروع الدستور الجديد سيكون شاملاً
لماتريده جميع شرائح الشعب العراقي متمثلة بالمستقلين والأحزاب
العراقية الوطنية وبما يتناسب مع الواقع العراقي، وبالنتيجة
ماستتقبله الجماهير العراقية، وهي الذي ستقرر مصلحتها في أقرار
النصوص التي سترد في هذه المسودة لتصبح تشريعاً ملزماً، تستند عليه
التشريعات والقوانين في عراق المستقبل.
بالتأكيد أن المهمة التي ستقع على عاتق هذه اللجان ليست بالسهلة
ولابالبسيطة، أنها ستأخذ مبادرة جمع ماتبعثر من الحقوق، وما أرتكبته
السلطات من أخطاء دستورية وماغفلته النصوص المؤقتة للدساتير التي شرعت
قبل هذا.
كما ستكون المهمة صعبة أيضاً من خلال تعدد الأراء والمطالب وتعدد
الأفكار والأتجاهات وقصر الفترة التي ينبغي ان تتم المناقشة والمداولة
والاقرار في المسودة، ويقينا أن اللجنة ستمزج كل هذا في بوتقة
واحدة للتوصل الى نصوص دستورية تختزل المحنة العراقية ومصلحة
الأنسان ووحدة العراق.
وحين تضع اللجان التي ستتشكل لأعداد مسودة الدستور أمام أنظارها مصلحة
الشعب العراقي والوضع الأنساني الحرج للعراق، فانها ستضع أفكار وتصورات
مشتركة وتمتاز بواقعية وتتناسب مع ظروف المجتمع العراقي وتطوره
المستقبلي بأتجاه الحياة المدنية الديمقراطية، أضافة الى مايشكله
مشروع الدستور من اهمية بالغة في رسم أسس ومعالم الدولة العراقية
الديمقراطية المدنية المؤسسة على الحقوق المدنية يحلم بها
المواطن العراقي أيا كانت أفكاره ورؤاه وألتزاماته.