|
مقالات في الدستور
دستور بلا ثقافة وفنون وأدب... كجسد جاف بلا روح
بقلم: د. لميس كاظم ( 12 ) لقد تصفحت مسودة الدستور لأكثر من مرة باحثا عن مفردات الأدب والثقافة والفنون. تلك المعاني التي تعطي عبقا جميلا وتزهر روح الدستور. وبعد عناء البحث ومرارة التمحيص وجدت ثلاث كلمات مبعثرة، مهمشة، خالية من محتواها ولا تدل على وجود أي نوع من الادب والفن والثقافة في مسودة الدستور. وأنما حشرت تلك المفردات بين السطور بشكل مدروس ودقيق بحيث تفقد قيمتها المعنوية. فوجدت في السطر الرابع من الديباجة النص التالي: وفوقَ ترابنا صلى الصحابةُ والاولياء، ونظَّرَ الفلاسفةُ والعلماء، وأبدعَ الأدباءُ والشعراءْ.عرفاناً منّا بحقِ الله علينا. أنتهى النص. فهذا السجع التعبيري أفرد للمفردتين، الأدباء والشعراء، صياغة خجولة، وضعيفة في معناها ومفزوعة من وجودها بين الصحابة والأولياء وخاشعة تحت حقوق الله. كما وجدت كلمة واحدة فقط في كل المسودة لمفردة الثقافة في الفصل الأول في النص التالي: ثانياً:- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أنتهى النص. ترى كم يقدر دستورنا ويحترم الثقافة. وافقت على وجود تلك الكلمة الفقيرة و استرسلت في البحث عن حقوق تلك الثقافة في الفصل نفسه وفي الفصول الأخرى لكني وللاسف الشديد لم أجد أي حق يذكر للثقافة وأنما كتبت هذه الكلمة كعنوان وتزين لبقية الحقوق ويمكن أعتبارها ضمن استكمال لديكور العنوان كما استكمل البعض من اعضاء اللجنة المنتخبة لكتابة مسودة الدستور تملثيهم الوطني. اما كلمة الفنون فهي اساسا ملغية من دستورنا الجديد وعلى مايبدو حكم عليها بأنزال القصاص العادل بحقها بأعتبارها تتناقض مع روح الدستور المتحشمة. وهنا بدء علي الحزن والكابة وبدئت ابحث عن سبب اقصاء حقوق الشعب الروحية من مسودة الدستور. فالثقافة الفنون والادب هم الماء الذي يروي عطش حقول الوطن ويشبع رغبات المواطن لروحية. أما الموسيقى فهي الغذاء الروحي اليومي الذي لايمكن أن يستغني عنه المواطن. ولمَ التخوف من تلك المفردات وكأنها تعابير منبوذة بالوقت الذي تعبر الثقافة والأدب عن ضمير الشعب وعاداته ويطرب الفن أمزجة الناس ويزيح عنهم الهموم وينعش الحس الابداعي. لمَ هذا الألغاء وكأننا لسنا شعب مبدع في الفنون. ألم يكن العراقيون أول من أبتدع القيثارة السومرية وقدمها للعالم كأنجاز وطني بقي عمقه وأصالته التأريخية راسخا ليومنا هذا وتغنت به كل الحضارات في العالم بما فيها الحضارات الاسلامية. وهنا استشهد بمقولة الأديب الأنكليزي العظيم * الرجل الذي لا يملك موسيقى بروحة، ولا يتأثر بتناغم الاصوات الحلوة، ملائم للخيانات ولأعمال النهب ، ودوافع روحه معتمة كالليل، وعواطفة مظلمة مثل اريبوس. لكن بالمقابل نرى في المسودة، شرح مفصل لحقوق العادات والتقاليد الدينية لا وبل زادت المسودة من أطرائها في المقدمة والمادة العاشرة والمادة 40، لتحمي حقوق الحسينيات والعتبات المقدسة ودور العبادة ودور الاوقاف والمذاهب الدينية من المقدمة. بل وحتى العشائر اخدت حصتها من الدستور. اللهم لا حسد ولا أعتراض لكني ابحث عن حقوقي الثقافية والأدبية، كمواطن عراقي، كما بحث الاخرين عن حقوقهم. لذا كان يتوجب على مسودة الدستور أن تعطي كل شأن ومكونة حقه الطبيعي وتكون منصفه مع حقوق الوطن والشعب. وكما هو معروف فالثقافة الفن والأدب هم حقوق مصانة لعموم الشعب العراقي وتاريخ يخلد حضارة الوطن أيضا. أذ لايجوز أن يفرد الدستور حقوق العادات والتقاليد لطوائف محددة وينسى حقوق الثقافة والفنون والأدب والثقافة. هذه مثلبة كبيرة يرتكبها الدستور ولجنته الموقرة بحق الوطن والشعب. انا أستغرب من وجود ليبراليين وعلمانين في لجنة صياغة الدستور. أين بصماتهم وأفكارهم في تثبيت حقوقهم في الثقافة والأدب والفن. ولمَ اقروا صدور مسودة تنحر الثقافة وتلغي الفن وتصادر حقوق الأدب العراق. فهذه الصياغة المجحفة في المسودة سيدفع ثمنها الشعب العراقي وستقر القوانين القادمة التي ستصادر الكثير من الحقوق الثقافية والفنية بقوة القانون وديمقراطية الدستور. كان من واجبهم أن يصروا على تثبيت اساليب توعية المواطن وتحديد طرق تثقيفه. لكن ترك المجال للثقافة الطائفية أن تبتلع ثقافة الوطن الأمر الذي سيجعل من عادات، اللطم والسبايات ومواكب العزاء وضرب الزناجيل والتطبير والدروشة هي أهم اعمدة الثقافة العراقية المستقبلية. أنا لست ضد ممارسة تلك العادات، فالدستور يسمح بحرية ممارسة المعتقدات، لكن ليس من نمط واحد ويفترض أن لا تبتلع تلك الممارسات تراث العراق المستقبلي . كان على الدستور أن يحدد الخطوط العامة للثقافة والادب والفن ويرسم حدود تفعيلهم بما ينسجم مع الدين وتقاليد وتراث ومزاج الشعب العراقي. أما الغائها من الدستور فهي اشارة واضحة لوجه العراق المستقبلي وأنذار شديد اللهجة لكل العلمانين العراقيين بان منطلقاتهم الأدبية وفنونهم الثقافية سيكونان مقيدان بفقرات الدستور الجديد. مسك الختام: الدستور الذي لايكتب بلغة ادبية رفيعة المستوى والذي لا يدخل الثقافة في ضميره والذي لا يمتلك نصوص ذات نغمة موسيقيه لن يكون دستورا حضاريا يلبي طموح الشعب العراقي. كما ان الدستور الذي لا يثبت حقوق الوطن الثقافية والفنية والأدبية سوف لن يتغنى به الشعب. والشعب العراقي يمتلك ما يفتخر به، من أدباء وشعراء وكتاب وفنانين وعلماء ومبدعين، هؤلاء الذين عَرّفوا العالم بعظمة شعب العراق المبدع وجعلنا نفتخر على مر التأريخ بأن الشعب العراقي انجب للأمة فطاحل خلدها التأريخ.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |