مقالات في الدستور

 

التهديد والتفجير يتقاطعا مع ديمقراطية الدستور

 

بقلم: د. لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

( 13 )

  قُدمت مسودة الدستور الى الجمعية الوطنية بعد مناقشات ماروثونية طويلة. لم يتوصل الفرقاء الى حلول توافقية لبعض العقد الدستورية. ومازالت أبواب المسودة قابلة للنقاش. فهي بشكلها الحالي لاتمثل طموح الكل والجزء وتحفظ عليها الكثير من الاحزاب والشخصيات والكتاب وأنا واحد منهم. فلقد كتبت الكثير من المقالات عن المسودة وسأكتب المزيد وسأضل اكتب عن الأيجابيات والثغرات ونواقص المسودة. ليس الغرض منها هو لإفشال المسودة، كما يحلو للبعض، بالعكس تماما، وأنما لتطوير فقرات ومواد الدستور ولزيادة تبادل الوعي الدستوري ولنؤسس لثقافة دستورية مستقبلية.

  لكن من أولويات مهمتنا الوطنية هي تثبيت هذا الدستور الدائم وندعوا لإقراره لا لرفضه ليكون صمام الأمان الذي سيثبت حقي وحق كل العراقيين ويفتح باب الحياة البرلمانية المستقرة. وستكون الخطوة القادمة هي الالتفات الى النواقص والثغرات وممكن أن تضاف لاحقا كملحقات الى الدستور في الدورات الانتخابية القادمة. هكذا تجري ممارسة الحياة الدستورية في كل البلدان التواقة للحرية.

  بالمناسبة تلك المناقشات الماروثونية كان باطنها هي تصيفة حسابات صنمية، طائفية، سياسية، أما في ظاهرها فهو تعبير وبصوت عالي من اجل الحفاظ على ثروة وعروبة ووحدة العراق وهذه المفردات لو تفحص المفترقين فقرات الدستور لوجدوا الكثير منها مصاغة وبشكل واضح للعيان. لكن جوهر الموضوع هو ليس تلك المطاليب الوطنية أم الطائفية، بل هو الخوف من الدستور ، الذي سينقل السلطة من أورقة الأبراج العالية والكراسي الأنيقة والأسماء الطنانة والأرصدة الخيالية الى شوارع وأزقة البيوت العراقية الفقيرة وسيمنح المواطن المعدم حق التمتع بثروات بلده ويمتلك نفس الحقوق والواجبات مع تلك الشخصيات والأسماء التي أعتادت أن تسكن في الابراج العالية وأن تشفق على المواطن وتلسب قوته. هذه السلطة التي ستلغي كل من يحاول أن يصعد على اكتاف البسطاء والفقراء والمواطنين ويخدرهم بوعود عسلية. لقد كُتب هذا الدستور ليحقق المساوات الاجتماعية بين كل العراقيين ويلبي طموح ملايين الجياع والمشردين العراقيين.

  أن مايجري في الوقت الحاضر فهو فيه الكثير من المبدء السابق الذي كان يؤسس لقاعدة * لو العب لو افجر الملعب بما فيه* هذا المبدء الموروث من مخلفات براثن الصنم لكن للأسف لازال الكثير متمسك بقواعده واساليب عمله.وهم يتناسون بأي لغة ديمقراطية يتحاورون وبأي وسائل ضعط يفرضون مقترحاتهم.

 أننا قد نختلف ونتقاطع سياسيا وفكريا لكن لن نصل لدرجة الالغاء والتفجير والتفخيخ فهذه الممارسات لن تجد جمهور عراقي وطني يقبل أن يلعب بشروطها علنا ولا حتى يشجعها . فمن يريد ان يلعب بشروط الديمقراطية الجديده، بات عليه ان يلتزم بقواعد اللعب السلمي والديمقراطي والتحاوري الذي يفرض رأيه بقوة المحاججة والمنطق والعقل لا بقوة المواد المتفجرة وكثرة عدد القتلى. فلايجوز أن تفاوض وتمسك القلم ومسودة الدستور في يد وفي اليد الثانية تضع ابهامك على ساعق متفجر تضغطه متى تشاء ويكون ثمنه جسد المواطن البريئ ومن ثم تقلب الطاولة على وجوه المفاوضين. فمن العدل أن يقبل المفاوض بالحد الادنى وليتذكر الامس القريب، ذلك الأمس البغيض الذي حرم السواد الاعظم من العرافيين من كل حقوقهم.

  فالدستور بصيغته الحالية يعتبر الأساس لكيان الوطن والدولة ويلبي الكثير من حقوق المواطن. هذا الاساس الذي سيبنى عليه، وبمرور الحياة البرلمانية، أعمدة وقواعد دستورية أخرى لإستكمال تشيد البيت العراقي الجديد. فلايوجد بلد في العالم كُتب دستوره في أول طبعة أو في مثل هذه الفترة الزمنية وفي مثل هذا الظرف الأمني المعقد. لكن من خلال استمرار العملية الديمقراطية وتثبيت مرتكزات الدستور وسيادة دولة القانون ستضاف أبواب ومواد وفقرات تقوي من أساسات الدستور وتحمي الدولة والوطن من الأفتراس والنهب.

  قد يتبادر لنا سؤال مهم هو أيهما أفضل أن يكون للعراق الجريح دستور دائم فيه بعض الثغرات وسيساهم في أقرار الأمن والقانون ويصون حدود البلد ويحمي الثروات من النهب والسرقة، أم يبقى الوطن مستلب ولايحكمة قانون أو دستور وتستمر حالة الهرج والمرج ومبدء الشاطر هو اللي يأخذ أكثر.

  إن تثبيت الدستور بصيقة الحالية والمتضمن للكثير من الثغرات يعتبر نجاح لأستقرار الدولة العراقية القادمة وان لم يحقق هذا الدستور طموح جميع الاحزاب والكتل فعليها أن تمارس ضغطها عبر الحياة البرلمانية الأحتجاجية والنضال السلمي و سيكون الباب مفتوح أمام الجميع لاثبات كفائته ومظلوميته وسيحقق أهدافة، أجلا أم عاجلا أن كانت تخدم الوطن والمواطن. فهذا الدستور هو أول وثيقة مسقبلية ستثبت حقوق كل العراقين لعقود من الزمن وأن لم يتحقق مقترحي ومقترحك في هذه الدورة الانتخابية، فليس هو نهاية الأمر، لا بل سيعطيك الحق الدستوري لإعادة مقترحاتك وتطوريها بما ينسجم مع مزاج وطموح المواطن وسيتسنى للناخب أن يتحقق من صدق نواياك واهدافك. لقد انهى هذا الدستور عصر الطواويس والقطط السمان المنتفخة تلك التي أعتادت أن تفرض سلطتها وقراراتها قصرا على المواطن.

  أن هذا الدستور يمتلك المبادرة التأريخية التي ستحرر المواطن من كل اشكال الهيمنة والمصادرة والتبعية السياسية والفكرية والقومية والطائفية وسيكون المواطن حرا بأختياره بعد ان يوفر له الدستور كامل حقوقه. ولتثبيت هذا الدستور بات لزاما على الكل التسامح والتنازل والتصالح والغاء سياسة وضع العصا في عجلة الديمقراطية وأيقاف العملية الديمقراطية برمتها لمجرد عدم تحقيق بعض الشروط لهذا الحزب او تلك الكتلة. أن دستور لايمكن ان يكتب لحزب سياسي معين وأنما العكس هو الصحيح، فهو الوعاء الشامل لجميع الاحزاب والكتل العراقية ومن المفترض ان ينصهر فيه الكل بطوعية ونكران ذات. إذ لايجوز ان يكون اهداف أي حزب عراقي مهما كان حجمه اكبر من اهداف الدستور.

  أن هذا الدستور سيكون صمام الأمان الحقيقي الذي سيحمي الحقوق الأنسانية والحرية الشخصية للمواطن وهو أول دستور يكتب بصيغة ديمقراطية، جماعية، متحاوره، مختلفة، يعطي كثير من الحقوق والواجبات لعموم الشعب العراقي لكنه أن أغفل حقوق قسم منهم فممكن اضافته لاحقا فهو فقرات متطورة ، متغيره، وهذا سر ديمومته. أنا اتفق تماما أن الدستور لم يلبِ طموح كل الكتل السياسية المتفقة والمفترقة لكنه يلبي طموح أغلبية المواطنين وحقوق الاحزاب في العلنية وحرية الفكر ويمنع الاضطهاد بكل اشكاله والأعتقال التعسفي ومصادرة الحقوق والممتلكات تلك المفردات التي عانينا منها نحن الذين قلنا علنا كلا للصنم لن نسجد لك مهما كان جبروتك.فلو كان هناك دستور ديمقراطي دائم لما أعدم وسُجن الملايين من العرافيين وطرد وشرد وأسقطت الجنسية العراقية وصودرت حقوق و ممتلكات مئات الالأف من خيرة ابناء الوطن.

 يتسنى لبعض المفاوضين الذين لم يذق مرارة تلك المفردات بشكل حقيقي بأن بقاء العراق بلا دستور امر يسيرا. لكني أقول، هذا ضرب من الخيال، فبوجود الدستور سأنتزع حقي وحق كل مظلوم وسيتعاضد العراقيين جميعا ضد كل من يحاول أن يسلب حقهم.

 فهذا اول دستور يكتب بلغة الجماعة والتوافق والتناحر. فكل الدساتير الخمس السابقة كُتبت في أماكن مغلقة، سرية، سلطوية، فردية، وغير خاضعة للنقاش والتعديل والتصويت لكن هذا الدستور حذف منه وأضيف اليه وسيضاف اليه ويحذف منه الكثير مستقبلا. فقد كُتب هذا الدستور ليصون أسم العراق ومكانتة وأبنائه وحدوده وثرواته وخيراته.

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com