واحات

رفقاً بالقوارير

بقلم / مريم المدحوب

marayem2@hotmail.com

هل انتهت كل مجموعة من عملها يا بنات ؟؟

نعم يا أستاذة

إذا سنرى الآن، عمل كل مجموعة منكن،ترى من أين نبدأ ؟

تعالت أصوات الفتيات في أرجاء الفصل، كل مجموعة تريد أن تكون هي السباقة في عرض نتائج تجربتها. فأخذت المدرسة تنقر بيدها على طاولتها العريضة محاولة منها لإخماد الفوضى المشتعلة في أرجاء المختبر، وقالت المجموعة الهادئة هي من سأسمح لها بعرض نتائجها أولاً، فجعلت تحملق بعينيها يميناً وشمالاً باحثة عن المجموعة الأكثر هدوءاً، فشاهدت النظرات الساهمة_ في عمق قارورة التجربة _لصاحبة الوجنات الذابلة والشفايف المطبقة، ثم قالت حسناً .. فلنبدأ مع هاديه.. هيا يا هاديه اعرضي لنا نتائج تجربتكم .. ولكن هادية لم تكن لتنتبه إليها، فكررت المدرسة كلامها بصوت ارفع هذه المرة، هادية، هادية، فانتبهت هادية إلى مدرستها واهتزت يدها وانزلقت القارورة من يدها لتنزل وترتطم بقاع الأرض، احمرت وجنتيها خجلاً، وانفتحت الشفتين لتنطلق منها كلمات الاعتذار، عذرا أستاذة، لم أكن لأقصد ذلك، فأسرعت المدرسة فزعة إليها، هل نزل جزء من المحاليل على جلدك أو ملابسكِ ؟ اندهشت هادية لتصرف أستاذتها، فصمتت ولم تنطق ببنت شفه، فقالت لها، دعيني أرى، هل أصبتي بمكروه ؟؟ فهذه المواد الكيميائية المستخدمة في تجربتكم حارقة وان نزلت قطره منها على ثيابكِ لأصبت بالأذى .. كانت تقول كلماتها هذه وهي تتفحص يدي طالبتها، ولما رأت سلامتها، ربتت على كتفيها وقالت الحمد لله انكِ لم تصابي بمكروه.

في هذه الأثناء، ارتفعت بعض الأصوات منددة بموقف المدرسة الذي اتخذته بحق هادية، فوقفت هند وقالت: هذا بدل من أن تعاقبيها على فعلتها تقفين إلى جانبها وتربتين على كتفها لا بل ويرتعب قلبكِ خوفا عليها ؟

وبعضهن اتخذ من السخرية منطلقاً لتفريغ غيرته، كعبير وشلتها، فعندما تفوهت عبير قائلة : هيا .. يا فتاتي الرقيقة.. التقطي الأجزاء المتناثرة وأعيدي لصقها لتعود القارورة كما كانت .. تعالت ضحكات وقهقهت التابعات لها في فضاء المختبر. أما صاحبتنا هادية فما كان منها إلا أن تبكي خجلاً وحزناً ..

تدخلت المدرسة حينما رأت دموع الألم تنهمر من عيناي هادية، آمرة عبير بالقيام بالأمر الذي طلبته من زميلتها، مما آثار غضبها، فأخذت ترعد وتبرق، ماذا !! أنا عبير الملم بقايا قارورة محطمة ! فمن تكون هادية لأصنع أنا عبير هذا الصنيع بدلاً منها ؟؟

أنتِ وهادية سواسية لدي، فأنتي طالبة عندي وهي كذلك، فلا هادية بأفضل منكِ ولست بأفضل منها، وما طلبت منكِ هذا إلا لأنه كان اقتراح مقدم من عقلكِ يا عزيزتي، أفهمتني ! هكذا أجابتها المدرسة، مما سبب لها إحراجاً شديداً أمام فتيات فصلها، فصمتت ولم تحرك ساكناً، فواصلت المدرسة حديثها، لتقول لها، ولكنني لن ادعكِ يا عبير أن تلملمي هذه الأجزاء ذاتها، ليس لأنه لست أنتِ التي قذفتي بها، بل لأنها تحتوي على مواد كيميائية ضارة بالصحة، ولست أود إيذائك ولا إيذاء أية واحدة منكن، فأنتن رياحين قلوبنا، وثمار جهودنا نحصده فيكن، فهيا تناولي قارورة فارغة ولتكن من تلك القوارير الفخارية لا الزجاجية، لئلا تجُرح يداكِ فتتألمين، ولتعيدي لصقها أمامنا جميعاً، هيا يا غاليتي ماذا تنتظرين ؟؟ فتناولت بيدها إحدى القوارير الفخارية التي وضعت في المختبر، وألقت بها على قاع الأرض وهي مقطبة حاجبيها، ولما تحطمت _القارورة_ مدت لها المدرسة الشمع اللاصق، فأخذت تلصق الأجزاء وتركبها .. والفتيات يحدقن وينتظرن النهاية ! إلى أن انتهت أعادت تركيبها من جديد .. جاءت المدرسة ورفعتها أمام أعين الجميع لينظرن إليها وهي تقول.. أحسنتِ صنعاً يا غاليتي عبير، فليصفق الجميع لها، صفقت الطالبات وملامح الاستغراب ارتسمت على الوجوه.. اعلم أنكن مندهشات من تصرفي هذا، ولكن الشمس بدأت يا أحبتي بنسج خيوطها الذهبية فما قامت به عبير من إعادة تشكيل هل سيرجع القارورة كما كانت ؟ أم إن بصمات التحطم بدت واضحة على القارورة ؟ لاشك أنكن ترون هذه الآثار، وان القارورة الآن لم تعد إلى سابق عهدها على رغم الجهد الكبير الذي بذلته زميلتكن في محاولة تجميع الأجزاء وتركيبها .. وهكذا هو حال قلوبكن يا عزيزاتِ .. عندما يقوم احدنا بخدشها وكسرها من الصعب إعادة جبرها، فلا تتعلمن جرح مشاعر بعضكن البعض، لأنه وان حاولتن تصحيح خطأكن بعد ذلك لن تستطعن، تأثر الجميع بكلام الأستاذة إلا أن الأكثر تأثراً كانت هي عبير فذرفت دمعة الندم وذهبت لتعتذر من زميلتها هادية.


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com