واحات

و أنا خلوٌ من ذلك كله

بقلم / مريم المدحوب

marayem2@hotmail.com

ها هي قدماي تقف على عتبة البناء الشامخ .. والذرات الكيميائية بأشكالها الهندسية المختلفة تتسابق لتتوغل في شعيرات انفي .. فاحتدم الصراع بين المعقم وباقات الزهور الندية .. حتى أن انفي خشي أن يؤثر شم رائحة دون أخرى .. هذا ما كان بشأن شمي .. ولكن عيني أذهلها المنظر ..

 علب كارتونية ملئت بباقات زهور الأمل .. رجال الدين يقفون بعمائمهم السوداء والبيضاء في وسط الجناح.. نساء اتشحن بعباءة الطهر والعفاف يركنون جانبا..

 وهاهي إحداهن تخرج من الغرفة ذات الرقم 18 !

 إنها الغرفة التي ترقد فيها جدتي! .. نعم إنها هي .. اندفعت بسرعة نحو الغرفة .. ألقيت التحية والسلام على جدتي بعد إن طبعت قبلة على جبينها المتعرج ..

 أماه .. من أين هذه الباقة الجميلة ؟

 ( جاءت بها امرأة قبل مجيئك بثوانٍ .. وقالت إنها هدية المولد النبوي الشريف ) ..

 مددت يدي لأتناولها .. ففاجئني وجود وردة أجمل من هذه الورود .. وردة حمراء أصفر لونها نتيجة المرض .. فتركها مسجاة على ذلك السرير القابع قبالة جدتي ..

 كانت تأن أنين يفطر القلوب.. وتحن حنين يذوب الصخر الأصم.. الدموع تتساقط من سحب عينيها النجلاوين .. لتسقي بها حقول خذيها التي حل عليها الخريف في فصل الربيع ..

 كم تتألم ؟؟ كم تتعذب !!

 ليت بيدي راحتها .. آخ .. كم يؤلمني أن أجدها تتعذب من عزف هذه السيمفونية المؤلمة ؟

 صرخت فيها السيدة التي تجلس بجوارها .. اطرقي الجرس لتأتي لكِ إحداهن فتريحك ..

 فأتى جوابها بصوت يشوبه الألم ويعتريه البكاء .. لقد طرقت .. طرقت .. طرقت .. آه .. جسمي يؤلمني .. جسمي يؤلمني .. لم يعد بإمكاني المقاومة .. لم يعد ..

 انتفضت قدماي مصوبة خطاها نحو الممرضات .. ما لبثت حتى توقفت .. فها هي إحدى الممرضات هندية الجنسية كانت قد أقبلت وقد حملت بيدها ابره..

 وبحركة سريعة خاطفة سحبت يدها الستارة البيضاء ، لتحقن ذلك الغصن الطري .. ذو البراءة .. فيسكن أنينه ووجعه ..

  وما هي إلا لحظات حتى خيم السكون الغرفة ..

 تقدمتُ نحو _الممرضة_..

 ماذا عملت ؟ (what did you do? )

 قالت حقنة (injection ) ..

 حقنة ماذا ؟ (what is the type of this injection? )

 لقتل الألم .. (to kill the pain ) ..

 ثم أدارت بوجهها عني وانصرفت ..

 أطبقت شفتي على مضض .. خاشية أن تخرج الكلمات من بحر فمي إلى ساحل شفتي ..

 لماذا هذا التكتم على الحقيقة يلاحقنا حيثما ندير وجوهنا ؟ لماذا لا تقول خدرتها لتنام ؟ لماذا تقول أعطيتها حقنة لقتل الألم ! لماذا هذه المغالطات !

عدت أصوب نظراتي ناحية الوردة الذابلة المسجاة على السرير .. ترى هل ستنعشها تلك الباقة المهداة ؟ هل تعيد لها الأمل في الحياة ؟

 هل سيحل مولد الإنسانية .. مولد القيم والمبادئ.. مولد الحضارة .._إن قدر الله لها العيش_ وهي بصحة وعافية ؟؟

 ليت ذلك يكون .. فمرض السكلر مرضٌ مزمن .. ينخر في خلاياها .. فيدمي قلبها .. فتتضوع ألما ..

 شأنه كشأن الظلم الذي نفث الرعب .. الذعر .. الألم .. الخوف .. في القلوب العراقية النابضة بالإيمان .. حتى طرد القهر الدم ليسري في الشرايين العراقية ..  

فها هن الفتيات العراقيات مروعات خائفات.. المشاهد المرعبة تمثل أمامهن كل حين ..

 وان وجدت وردتنا عناية ورقدت بألمها في المستشفى .. فألمها عضوي لا روحي .. لا تتوقع تفجيرها في أي لحظة ..

ولكن كيف بالفتاة العراقية ؟؟

 ألا تستحق هذه النعمتان الشكر والحمد من الرب الرحيم ؟

 فنحن نخلو من هذا كله ..

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com