|
واحات من اغتال احلام الصبا يا هبة؟ بقلم / مريم المدحوب دموعٌ تتهادى في مشيتها على شارع الوجنات الصفراء، تخشى التصادم المؤلم الذي ستتركه بصماتها في جدار العضلة النابضة في الجزء الأيسر. آهات محرقه تذيب قلب الصبورِ.. همهمات لا تُفهم.. هلوسات لا تُترجم، تركت غِصنٌ طري مسجّى على سرير المرض! مقلةٌ عبرا ترمق بنظرات الحسرة والندامة السماء الرمادية الملبدة بالغيوم من خلف أسوار النافذة الزجاجية، دفعت بحروف الكلمات تخرج من أقصى مآقيها، توجه ملامتها، دارئة صاحبها الفحل من الموضوع ( أنتِ يا صاحبة الفخر والكبرياء، أيتها الأم العطوف الرءوم، من قادها لهذا المصير). أدار ببصره ناحيتها، مسك بيديها كتفها وراح يهزها بعد أن تقدم بخطواته الواهنة ناحيتها، ( لن أسامحكِ يا هيفاء، أضعتي الفتاة من بين يدينا، اغربي عن وجهي أيتها الحمقاء الشمطاء !) فزت مسرعه وولت خارجه. جلست منفردة بنفسها في القاعة، تحاول أن تبرر نفسها، تختلق الأعذار.. ولكن عبثاً فمواقفها الاستهزائية.. كلماتها الجارحة منعتها من التسلل خارج هالة الحقيقة التي رسمتها بقطعة اللحم الحمراء المتحركة وسط سجن من العظام الصغيرة ! مرّ يُوسف أمامها ولم يعرها انتباها، جلست على ركبتيها فتفرقعتا، مسكت يديها المرتعشتين يديه الساكنتين،، تتوسل له أن يأخذها معه لتزور فتاتها ( باللهِ عليك إلا ما أخذتني معك.. أتحتسبني امرأة بلا شعور ؟ بلا عواطف ؟ ) نظر إليها بنظرة حادة مؤنبة وسحب يديه من بين يديها الخاويتين. حاول الخروج، ولكنها تشبثت بقدميه ( أرحم قلبي الضعيف، فهاهو يكاد يخرج من بين أضلعي، والله اشتقت لرؤيتها ) نهرها قائلا ( بل اشتقتِ لجرح مشاعرها، فلتنعمي وتقري عينا، بعد تدميركِ مستقبلها بمواقفك وكلامك الجارح لها، أنا لا أعلم ما سر هذا الإعجاب بابنة أختكِ، ثم أنه هناك شيئا يسمى قدرات، أسمعتي به أم على أذنكِ وقرا فلم تسمعي به ؟ تركتها فتاة معقدة بعقدة الحقارة تنظر إلى نفسها نظرة هوان وذل، انعدمت ثقتها بنفسها وكل ذلك بسبب مقارنتك لها بميس، ثم أنه ماذا لو كانت ابنتك ذات ميول أدبية، فهذا حقها وميولها ولها الحق في شق طريقها الدراسي بما يملي عليها عقلها، نحن يجب أن نكون مرشدين فقط، نهيأ لها أسلوب الوصول إلى ما تطمح إليه ! ثم إنه إذا كانت ميس وأخوها منذر أصحاب ميول علمية هذا لا يعني أن هبة أقل شأناً منهما ! أنا صرت لا أسترُ برؤيتك، فكيف هي ؟ ثم أنكِ بأي وجهٍ ستقابلينها ؟ ابنتي الآن تعاني من أزمة نفسية حادة، غدت تكرها نفسها بسبب ما قمتي به من مقارنه بينها وبين ميس، أصبحت ِتقولين ليها ميس أذكى، ميس أفهم، ميس ستحظى بزوج ذو مكانة مرموقة لعلمها وذكائها وجمالها ! وأنتِ لن يتقدم شاب لخطبتكِ فلا أحد يتمنى الارتباط بفتاة غبية خوفاً على مستقبل أبنائه، حتى أصبحت تعاني من ألم عضال نسج خيوطه داخل غصن جسدها اليافع.. ذهب بنضارتها ورونق صبابتها، وهاهي الآن في مستشفى الطب النفسي تصارع أفكاركِ السوداء التي تغلغلت إلى عقلها الباطن فنمت وربت. و الآن من مرضها من ينقذها إن لم تشملها الرحمة الإلهية ؟ فستبقى هكذا إلى الأبد إلى أن تموت. كل ما أريده أن تدعي فتاتي وشأنها. صفق الباب، صعد سيارته، وحينما أراد أن يدير الفرامل، رن هاتفه. - الو، السلامُ عليكم - وعليكم السلام - سيد يُوسف، معك الدكتور أسامة من مستشفى الطب النفسي، أرجو أن تحضر حالاً فابنتك هبة قد حاولت الانتحار ! - ماذا!!! لا لا لا !! غير معقول! أدار محرك السيارة متجها للمستشفى.. وفي المستشفى وصل المستشفى وهو يكاد أن تخرج روحه من شدة الخوف، وجهه مصفر شاحب كقطعة قماش صفراء فاقع لونها ! - دكتور، طمئني على حالها! تلبك أسامة ولم يعرف ماذا يقول له !!؟ - في الحقيقة لم أكن أتمنى أن أخبرك أنا، ولكن.. فز يُوسف من مكانه، - ولكن ماذا يا دكتور؟؟ - هبة استغلت فرصة تنظيف الجناح بواسطة عمال النظافة، فسحبت أحد المنظفات الكيمائية وشربتها، مما أدى إلى فقدانها الوعي، وهي الآن نقلت إلى العناية المركزة. نأمل من الله أن يمن عليها بشفائه فهو القادر على كل شيء. - أريد أن أرى ابنتي. - لمدة خمس دقائق فقط. - حاضر. أخذ ينظر إليها، حدث نفسه بحديث ذو شجون ( ما خلتُ أني سأراكِ هكذا.. فتاة نائمة على فراشها بعد أن أخذ المرض مأخذه منها، كم طمحت لأن تكون فتاة إعلامية ناجحة ؟ آهٌ عليك يا ابنتي، اسأل الله أن يمن عليك بلباس العافية يا الله ) قطعت رنات الهاتف عليه حديث النفس ( من هذه أنتِ؟ ) - يُوسف استمع لي للحظة، الآن فقط تيقنت من كلامكِ بأن ابنتنا ليست فاشلة، بعد إن جاء الدكتور مُنذر أبن أختي وأخته ميس لخطبتها، أنا لم أخبرهم بمرضها، قلت لهم أنها خارجة في زيارة لأحدى صديقاتها، لأنني على يقين ما أن تسمع هبة هذا الخبر حتى ستشفى تماما وتستعيد ثقتها بنفسها، أليس كذلك يا يُوسف؟ - ومازال عقلكِ يفكر بهذه الطريقة ؟ ابنتكِ الآن في غيبوبة ! - ماذا غيبوبة !! فتناهت هذه الكلمة إلى مسامع ميس ومُنذر.. وتمكنا من معرفة القضية الحقيقة بعد أن انهارت هيفاء فأصبحت تلوم نفسها وتندب حضها. فصرخ منذر من اغتال أحلام الصبا يا هبة ؟
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |