عالمٌ من الصفاء .. أنوارٌ قدسية .. أضاءت الفؤاد بالنور المبين .. حتى غذى مبصراً للطريق الإلهي العظيم ، فَعُبِدت شوارعه العضلية .. وأبت إلا أن تضخ حباً ملكوتياً _من غرفها الأربع _ نحو أبدانها فتنعش أرواحها المحلقة في العلياء . هذا هو حالُ نقاء .. ذات الثامنة عشر ربيعاً .. الذي كشفته صديقتها فضة عندما أقبلت عليها في بداية الفسحة المدرسية فرأتها واقفة .. شاخصة ببصرها .. ترمق الفضاء المترامي بمقلة ملؤها الشوق والرجاء .. كلمتها .. نقاء ، هيا فلنذهب إلى الصالة الرياضية ، الفتيات بانتظارنا .. المبارة على وشك الابتداء .. هيا يا نقاء .

نقاء ساهمة ... بهدوء وصوت رقيق تقول : حسنا أذهبي أنتِ .. سأكون معكنّ بعد قليل !

عقدت فضة حاجبيها وبلغة يشوبها غضب فتاتي ( ماذا! أنا أبيت إلا أن أذهب إلا معكِ وأنتِ لستِ مكترفه للأمر ألبته ! ) ألوت جسدها وولت مسرعه .. شعرت نقاء بضيق وألم تركها تلحق بصديقتها المقربة ( فضة) حتى أمسكت بعضدها .. ( فضة اعذريني.. لقد كنت أتأمل موقفاً ما .. تركني أرحل بعيداً .. إلى هناك .. حيث السماء صافية .. القلوب نقية .. ضحكت فضة ساخرة ( وأي سماء تلك التي تتحدثين عنها ! لا أرى سماء صافية ! _ أشارت إلى طير يطير في الفضاء بيدها _  انظري فها هو الطير يطير في الفضاء الرمادي ! الرمادي يا نقاء .. فلو سألتِ رئته لقالت لكِ لقد جفاني الأكسجين النقي .. منذ أعوام .. كم أحنّ إليه ! فأنا منذ زمن وأنا استنشق الملوثات الكيميائية ومخلفات المصانع ليتكِ ترحميني !)

حزنت نقاء .. تأثرت .. ( يا فضة أثرتِ أشجاني بكلامكِ هذا !) مسكت فضة نقاء من يدها ( قلتُ لكِ هذا لتنظري بعين الحقيقة .. لا عين الأوهام الزائفة !هيا .. دعينا نذهب فالفتيات ينتظرننا..)

أبدت نقاء تملقاً ( أنا أنظر بعين المعنويات .. وأنتِ يا صاحبتي تنظرين بالعين العلمية ..عندما قلتُ سماء الصفاء .. سماء النقاء .. أقصدُ تلك التي يتربع فيها حب الله قلوب المخلوقات.. وهل تعلمين يا عزيزتي أن الذي تركني أفكر في هذا الأمر هو هذا الطير ذاته الذي أشرتِ إليه قبل قليل! ) استغربت فضة حديثها وباندهاش واضح بدا على محيا وجهه البريء ( كيف !) فقالت نقاء : قرأتُ رواية في بحار الأنوار عن عصفورا وعصفورة ، وتأثرت لها كثيراً .. وما أن رأيت هذا الطير حتى استرجعت شريطها في مخي ) فضة بتفاعل ( وما هي ؟) نقاء تجيب ( روي أن سليمان رأى عصفوراً يقول لعصفورة، لم تمنعين نفسك  مني ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر !، فتبسم سليمان عليه السلام من كلامه ثم دعاهما وقال للعصفور: أتطيق أن تفعل ذلك ؟ فقال: لا يا رسول الله ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته والمحب لا يلام على ما يقول ، فقال سليمان للعصفورة: لم تمنعينه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت يا نبي الله: انه ليس محباً ولكنه مدّع لأنه يحب معي غيري، فأثّر كلام العصفورة في قلب سليمان وبكى بكاءً شديداً واحتجب عن الناس أربعين يوماً يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبته وأن لا يخالطها بمحبة غيره . ( بحار الأنوار). )

وأنا يا فضة أطمح أن تكون صداقة نقاء الفضة هي نقطة الانطلاق لحب الله العظيم .. أتعاهدينني؟