|
مقالات في المجتمع المدني
العراق في متاهة المجتمع المدني والمجتمع الأخلاقي
د. بُرهان شاوي
الإنسان العراقي الباحث عن المعنى في وطنه، والباحث عن معنى لوطنه، يجد
نفسه في متاهة معقدة، مليئة بالمطبات السياسية وسوء النية الحزبية،
والعمى السياسي،وشراسة الحقد العنصري والطائفي، والهوس المذهبي،
والإرهاب البعثي - الإصولي الأعمى، والانتظارات المريبة الحبلى
بالمفاجأت غير السعيدة، ومن جهة أخرى يرنو بشوق وأفتخار الى الأمل
المتألق في عيون العراقيين الحالمين بالعراق الجديد. ورغم هذا الغسق المريب، فان الإرادة الحاسمة، والنبرة العالية التي يطلقها الضمير العراقي تؤكد بأن العراق يعيد بناء نفسه ويلملم جراحاته رغم بشاعة المشهد السياسي في العراق.
المجتمع السياسي والمجتمع الأخلاقي
في
كتابه ( الدين داخل حدود العقل) يتحدث (ايمونويل كانت) عن حالتين هما:
حالة المجتمع المدني السياسي وحالة المجتمع الأخلاقي، قائلا:( حالة
المجتمع السياسي القانوني المدني هي القائمة على العلاقة بين الناس
بعضهم ببعض من حيث هم يخضعون معا لقوانين النظام العام، وكلها قوانين
قهرية مفروضة، أما حالة المجتمع الأخلاقي فهي حالة يوجد فيها الناس
مجتمعين تحت قوانين غير قهرية، أي تحت قوانين الفضيلة فحسب).، لكنه في
موضع آخر يستدرك
إجتثاث الفكر العنصري، والأصولي، والقومي المتطرف مسألة أخلاقية
إن
القانون الأخلاقي الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الأخلاقي هو إن يكون
تحقيقنا لواجبنا في إنسجام واتفاق مع إرادة الخير فينا، فالأخلاق تقوم
على أساس مفهوم الانسان من حيث هو كائن حر يلزم نفسه عن طريق عقله
وبإرادته الحرة بالالتزام بواجبه، أي أن الحرية الفردية والاجتماعية في
فعل الخير هي أساس الأخلاق، وبهذا الصدد فأن معالجة أصل الشر، وأصل
الرذيلة هو الشرط الضروري لقيام المجتمع المدني ومن ثم الأخلاقي، وفي
حالة
المجتمع المدني في العراق
المجتمع المدني في العراق يجب أن يكون مجتمعا حرا، مسالما، خاليا من
الايديولوجيات الشمولية المتطرفة، خاليا من أي فكر قومي إصولي متطرف،
لأية قومية كانت، مهما تغنت بأمجادها الغابرة، وأن يكون خاليا من اي
فكر ديني شمولي، بل يجب التأكيد على مبدأ ( الدين لله والعراق للجميع
).
مسودة الدستور العراقي بين الدنيوي والديني من يقرأ مسودة الدستور العراقي المطروحة للتصويت، ويتفحصها، سيجد أنها تحاول أن تمسك بالمعادلة المتناقضة والصعبة، ألا وهي وضع الدنيوي والديني في نسيج قانوني واحد. فمن الإقرار المطلق بحقوق الإنسان كما أعلنتها المواثيق الدولية، حيث الكل سواسية أمام القانون، ولا فرق بينهم من الناحية الدينية، والقومية، والعقائدية، والاجتماعية، والسياسية ،والأثنية، والفكرية، والجنسية، إلى الإقرار بتطبيق الشريعة، باعتبار الاسلام مصدرا للتشريع لاسيما فيما يخص شؤون الميراث، وتعدد الزوجات، والآداب العامة، والتأكيد على دور المرجعية الدينية والطقوس الدينية وما شابه ذلك. أي أن الدستور يسعى لتأكيد المرجعية الفكرية للمجتمع المدني، من خلال التأكيد على حقوق الإنسان، لكنه من جهة أخرى يسعى لتاسيس المجتمع الأخلاقي، المبني على المرجعية الدينية، رغم ان هذا لا يعني أبدا بان المجتمع المدني بلا أخلاق، لا ولا يعني ايضا بأن المجتمع الأخلاقي الديني مجتمع لا يعترف بسيادة القانون الوضعي وبالمجتمع السياسي. إلا ان غياب الثقافة الدستورية، الديموقراطية، عن الوعي الجمعي للمجتمع العراقي، وتصاعد نبرة الغلواء السياسية والدينية المتطرفة التي تتلبس التاريخ الاجتماعي والتراث الديني، وتتمسح بالأخلاق وبالآداب العامة(وهذه عبارة غامضة وحمالة أوجه عند التأويل) تجعل مسارات المجتمع العراقي المستقبلية غامضة ومريبة.
إشكالية التنوير الإجتماعي إنه من الواضح جدا في أن الوضع في العراق معقد، ومثير للتأويلات والمخاوف، من حيث أن إنهماك السلطة السياسية في العراق بتثبيت قدمها، وتأكيد قوتها، والإرتقاء بهيبتها، وبناء مؤسسات الدولة المدنية من جهة، وسعي الأحزاب المهيمنة على هذه السلطة في الترويج لمشرعها السياسي والآيديولوجي الخاص بها، وليس الأهتمام بالتنوير الاجتماعي، ونشر الثقافة العلمية، والإنفتاح على الفكر الإنساني والحضارة الإنسانية، من جهة أخرى، والتعامل مع الاخر من زاوية الشك، والريبة والأحكام المسبقة يجعل كل البرنامج السياسي للدولة العراقية يبنى على قاعدة رخوة، تهدد بالانهيار مستقبلا، مهما طالت أو قصرت المدة. إن دستورا كاملا ومتكاملا، بلا نواقص، وبدون التي واللتيا، لا يعني شيئا، وسيكون بلا قيمة تذكر،بدون ثقافة دستورية إجتماعية، وبدون وعي يموقراطي شعبي، وبدون تنوير إجتماعي حقيقي. تنوير إجتماعي يؤكد على إن الأخلاق هي تسجيد لإرادة الخير فينا، بغض النظر عن مرجعيتها الدينية أو الدنيوية. وإن الأخلاق الطبيعية والإنسانية تقوم على فعل الخير بعيدا عن فكرة الجزاء والثواب، وهي فيض ينبع من الفطرة الإنسانية. إن تنويرا إجتماعيا حقيقيا تساهم فيه كل مؤسسات الدولة وكل وسائل الإعلام المقروءة والسمعية البصرية، وتربية الانسان العراقي بثقافة التسامح وقبول الآخر ودنما أحكام مسبقة، هو الضمان الحقيقي لسلام العراق، وليس الضخ الإعلامي، ليل نهار، في خلق وعي إجتماعي وسياسي مزيف، وتأجيج مشاعر الانسان العراقي، دنما أية محاولة جادة وحقيقية ومخلصة للتطهير الإجتماعي. إن السلام الحقيق للعراق يكمن في بناء المجتمع المدني المبني على إرادة الخير في أفعال وضمائر أبنائه، بغض النظر عن الدين والطائفة أوالملة والمذهب.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |