زوجيات

 

مشهد من مشاهد حياة أم صاحب (1)

بقلم / مريم المدحوب

marayem2@hotmail.com

 

كانت مكومة أطراف  جسدها النحيل في إحدى زوايا صحن الدار وشعرها المتلون بلون الدخان قد انسدلت بعض خصلاته الناعمة على جبهتها المتعرجة بفعل حوادث الأيام ونائبات الزمان ، وبخنگها الذائب ذو الخيوط الذهبية المتقطعة كان قد تهرأ لكثرة ما مكث على ظهر رأسها المشحون بالمصائب والويلات فلم يعد يظهر للناظر لونه الأسود القاني ولا اللمعان والبريق كان قد بان على تلك الخيوط المطرز بها .

تكاد تنسى الكلام ولغة البشر فهي لا تسمع إلا أناتها وزفراتها المتتابعة ! وان سمعت شيئا آخر فلا يكون إلا طقطقة متغطرسة لحذاء آلات قدم صاحبها إلا أن تتكبر على أذن هذه العجوز الجالسة على الحصير المتشقق، فحتى عينها ضعف بصرها وكاد العمى يحل بها لكثرة بكائها على من تسبب لها بسماع هذا الصوت المتجبر !

وفي تلك اللحظة كانت قد استمعت أذنها لهذا التعجرف، فلاحت ابتسامة يشوبها حزن دفين وألم عميق فنادت بصوتها الخفيف الذي بالكاد كان يخرج من حنجرتها فكل كلمة كانت تخرج كانت تألم أحبالها الصوتية وتكلفها  الكثير من الجهد ، هــ .. ي .. ف.. هيفاء، أ..أ .. أبنتي ..  هلاّ أوقفتم س ..  سيارتكما خارج ص.. ص..صحني هذا !

لم يتركها صدرها تتابع كلماتها وتوسلها فالسعال هجم عليها بغتةً ! وكالعادة لم يكن من هيفاء إلا أن تدفع قوامها الممشوق بداخل سيارتها وتصفق ببابها لتدير محرك السيارة وتوليّ إلى حيث عملها يكون .

والفائدة تحصدها هذه العجوز المقعدة، أم صاحب،  ففي كل قدوم ومغادرة لهما _ هيفاء وزوجها صاحب_ يكون الغاز السام المتخلف من جراء تحريك السيارة سلامهما وتوديعهما لها !

كان هذا مشهد واحد من مشاهد حياة أم صاحب الحافل بالألم والمآسي الذي عمد إلى تجريعها إياها ابنها العاق صاحب ، هذا الابن الذي حملته في بطنها تسعة أشهر كاملات ولم تبخل عليه بلبن صدرها سنتين كاملتين ثم ربته إلى أن كبر واشتد عوده وأينع فكان جزاؤها الإهمال والتجريح من قبله ومن قبل حرمه المصون هيفاء .

امرأة عجوز لا تقوى على الحركة وان تحركت فلا تنفل يدها عن الجدار، ذهبت صحتها أدراج الرياح .. ويأتي صاحب وهيفاء ليذهبا بما تبقي لها منها !

وإلا ما تفسيرك أيها القارئ الكريم إلى تصرفاتهم وسلوكياتهم اللاانسانية؟؟

ألا يعلما أن عوادم السيارات ضارة بالرئة والجهاز التنفسي؟؟

ثم وان كان صحن الدار كبير يتسع لهذه السيارة الفارهه امن الرحمة القلبية إدخال السيارة إلى جانبها ؟

ألا يفترض أنهما يخجلان قليلاً من نفسيهما ، فالبيت بيتها وهما من استولى على الغرف الداخلية والقيا بها في هذا الصحن !

عزيزتي ..

الدنيا طاحونة تدور باستمرار لا تفتأ عن الحركة .. فاليوم أنتِ صبية وفي ريعان شبابك وبكامل قوتك الجسدية فتحلي بالقوة الروحية الإيمانية التي تصدكِ عن العمل القبيح. ثم انه أنتِ أنثى والأنثى تشتهر بقلبها الكبير ورحمتها الواسعة فلا تكوني نسخة مكررة من هيفاء وان كان زوجكِ صاحب مكرر.

فقط ضعي نفسكِ مكان أم صاحب، وانظري إلى تصرفات هيفاء..واختاري لنفسك.. أتكونين هيفاء أخرى؟؟

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com