زوجيات

 

ذكريات زوجين (2)

أعاصير الحياة

 

 

هند السعد

كانت الريح قد اشتدت واخذ صوتها يصفر كأن السماء تنشد اغنية الموت... وهي كانت تتجول في انحاء المنزل برتابة وهي تعد العشاء... وحين انتهت من اعداده فتحت التلفاز واخذت تنظر اليه بملل ... (لقد تاخر، لابد انه يقف الان مع احد اصدقائه في الطريق ... بعد ان راه مصادفة) تبتسم باستهزاء (كما هي عادته دوما، وكما هي اعذاره)، ينقطع تيار الكهرباء، تتجه صوب المطبخ ببط لتوقد الشمعة ... تعود بها وتضعها على المنضدة وتحدق في ضوء الشمعة المرتعش، يرتجف قلبها قليلا حين ينساب امام عينيها شريط من الذكريات..

كانت ليلة عاصفة كهذه ... مظلمة كهذه ... ليلة تشبه هذه الليلة، تشبهها تماما الا في شي واحد تلك اللهفة التي انطفأت والحب الذي ابعدته اعاصير الحياة ينقصها ذلك الشعور الممزوج بالخوف والقلق واللهفة حين كنت واقفة امام النافذة مضطربة تتقرب مني والدتي وتسالني (ماذا بك يا عزيزتي؟) اجيبها وعيناي لا يستقران على وضع (ان الرياح شديدة ... الجو مخيف، وانا قلقة عليه فمكان علمه بعيد وهو يقود السيارة بجنون). تتبسم الوالدة وتربت على كتفي:(لازلت في البداية سوف تعتادين الامر)، لم اعلم وقتها ما كانت تعنيه امي ... استدرت نحو النافذة وعدت الى قلقي متجاهلة ما قالته.

استفاقت من شرودها وقد انفتحت النافذة على مصراعيها واطفئت الريح الشمعة، احست ان الدمع انعقد في عينيها وهو يأبى النزول وان شيئا ما يصرخ ويحتج داخلها (لماذا؟ ما الذي حدث؟ اين ذهب ذلك القلق؟ تلك اللهفة؟ هل غلب الجمود على حياتنا؟ هل دخلنا في دوامة الحياة الرتيبة؟)

احست ان قلبها يعتصر ثم يأخذ بالنبض سريعا تسمع دقاته تدق في اذنها كناقوس من الخطر، تتجه صوب النافذة بصعوبة... اذ ان الريح تدفعها بقوة، تقف ... تحدق في الظلام ثم تنظر الى السماء وقد سالت دموعها (يارب اعده لي سالما)، تخفض رأسها، تحس بيد على كتفها ... تلتفت بذعر، تجده امامها ... ينظر اليها باستغراب (لماذا فتحت النافذة؟ ان الرياح شديدة؟) يمد يده ليغلقها، تمسك يده وتنظر اليه بحزن (دعها ... لعل هذه الريح تعيد ترتيب ما بعثرته السنين).

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com