زوجيات

 

معنى الحب

 

إعداد: لقاء الربيعي

يحتاج الانسان إلى لحظة دفء صافية تنعش وجدانه، وتذيب ثلوج حياته المتجمدة في العروق، الإحساس بالحب حاجة فطرية يتلهف إليها الصغير والكبير، لأنها تضفي عليه هالة من المرونة والمودة في السلوك، وأحاسيس تبعث على الارتياح والاسترخاء (فالسعادة في الحب معناها أن ذلك الإحساس العميق العظيم قادر على جعل الجسد يتأثر بشكل ايجابي، فالخلايا تتجدد، والدم يضخ بفعل انتظام ضربات القلب، والرئتان تتسعان لمقدار أكبر من الهواء، وبالتالي فكل هذه الحيوية والانتظام ومعها الإحساس بالراحة يجعلان الانسان السعيد في الحب أصح).

ويقول الباحث (كابلن): إذا كان الانسان سعيداً في الحب قام هذا الجزء باعطاء اشارة للبدن ليفرز كماً من الهرمونات الأنثوية والذكرية أكثر ويفرز هرمونات معينة مسؤولة عن هذه النضارة.

ويقول الباحث (ليبواتيز) حيث درس كيميائية الحب بعد حدوث التحريض الدماغي: إن الحب الجيّاش يجلب ثورة وانتعاشاً عاطفياً يشبه التصاعد الحادث من مفعول مادة (أمفيتاماين)، وهذه المادة ضمن مجموعة مادة (Phenylethy lamire) هذه المادة المسؤولة عن انتعاش المزاج وخلق طاقة الحب.

ويرى (كابلن) أن الدماغ مسؤول عن تحريك كيميائية الجسم، ففي حالة الحب والشهوة يعطي الدماغ اشارة للجسم يحرّض فيها الخلايا لافراز مادة الأندروفين، وهي مادة تشبه في تأثيرها مادة المورفين على الدم. كذلك يؤكد (كابلن) أن مراكز الشهوة الجنسية مرتبطة بمراكز الألم واللذة، وفي حالة الحب تفرز هذه المادة لتجعل الانسان يعيش نشوة الحب والسعادة.

هذا هو مفعول الحب في الانسان، في حين يعمل الجفاف العاطفي على ذبول الانسان وفتوره وبرودته، وفي خضم التطور المادي والتكنولوجي يخسر الجانب العاطفي من حياتنا، وتنكمش الملامح الجميلة للحياة وتطالعنا بوجه ذابل، شاحب، لأننا ننسى أن نبعث في أوصالها الهامدة دماء متجددة تزيدها اشتعالاً وحيوية، والحب هنا سأتناوله في حدود العلاقة الزوجية، حينما يقبل الانسان على الزواج يكون مدفوعاً بالرغبة والحاجة النفسية الملحة لينصهر في شريك آخر، حتى يكونا معاً تكويناً موحداً مستقراً متكاملاً نفسياً وروحياً وجسدياً.

تبدأ المرحلة الأولى من الزواج حيث يكتشف أحدهما اآخر ويتعرف على ملامحه الجوهرية من خلال التعامل اليومي والتجاوب السلوكي، قد يكونا على مستوى ثقافي واحد أو من بيئة واحدة، ربما هناك ثمة روابط مشتركة تشد هذه العلاقة وتوثق قدسية الزواج والحب هنا في بداية اشتعاله وفورته، ما زالت عيون المحب كليلة كما يقال عن عيون الحبيب الجديد لسنوات قليلة، ليقف الزواج عند منعطف جديد، حيث حالة الاستقرار والتشبع، لتبدأ حالة أخرى تحدد مسيرة الزواج والعلاقة العاطفية تهدأ بعض الشيء وتتلون بلون جديد أقل صرخه وحدة، حيث تتكشف المعاني وردود أفعال كلا الزوجين أمام بعضهما، فالرجل هنا يلعب دوراً حيوياً وكبيراً في إثراء المحبة وتوطيدها، لتكتمل المحبة الجسدية بوهج عاطفي متدفق دائماً بالروعة، حينما تقتنع المرأة ومن خ لال المعاشرة اليومية والمعاملة على مر الأيام أن زوجها هو ذلك الرجل الحلم الذي رسمته في خيالها، يجسد القوة والحنان والتسامح، يحتوي ضعفها وأنوثتها، صبور أمام انفعالاتها في المنعطفات الصحية الطارئة (كالحيض والحمل والنفاس) يقدّر اضطراباتها الهرمونية وحالاتها المزاجية المتقلبة يتعامل مع ظروفها النفسية بصبر وجلد، يمتص آلامها وأحزانها، يقف في أزماتها موقف السند القوي الذي يحميها من عوز الحاجة وقسوة الأيام، كل هذه الصور لن تنمحي من الذاكرة، هناك كاميرا خفية في عقل المرأة تسجل وتصور بالصوت والصورة، كلماته الحانية، تصرفاته النبيلة التي تدل على الرجولة والشهامة، أقواله الصائبة وأحكامه السديدة سوف ترسم مواقفه في قلبها ملامحاً جميلة تزدهر وتتألق مع الأيام حتى آخر لحظة من حياتها، ستحبه، ستعشقه، ستعطيه دون حدود، ستتحول الحياة معه إلى جنة وارفة الظلال، ستتغاضى عن قصوره في الجوانب الأخرى، لأنه بالنسبة لها الوطن، الحنان، القوة، الثبات، ستحسه أباً وزوجاً وحبيباً وصديقاً، وعندما يتذكر الزوج تلك المناسبات العزيزة، والتي تروي دائماً إحساسها بالجمال والسعادة، كلمات الشكر والاحترام والغزل، كلها أساليب تغذي الحب وتشعل جذوته على مر السنين، ما أغرب الرجال وهم يشتكون برود زوجاتهم، وإهمالهن لجمالهن، قساوتهن، جفاءهن، المعاني الجميلة تختفي من قلب المرأة حينما تكفر بالرجل، حينما يتحول أمامها إلى طفل ضعيف تهزه الرياح يميناً ويساراً، مندفعاً متهوراً لا يبعث في نفسها أدنى إحساس بالهيبة والتقدير. شعور مؤلم ينتابها، حينما ترى أن الذي أمامها شبه رجل، جسد مفتول العضلات وشارب كثيف، لكن جوهره خالٍ من الصفات النبيلة، أو كيان مهزوز في المواقف التي تتطلب الثبات، سلبي وقت حاجتها إليه، بخيل، شحيح العاطفة، زاهد في التضحية وإنكار الذات، هذا الرجل لن يطبع في كيانها أية بصمة جميلة، بل مجرد شخص مفروض عليها بحكم العقد الشرعي والعشرة اليومية، لن تكون هناك مشاعر فوذارة تضطرم في حناياها ناحية ذلك الرجل، بل تعود وروتين، حينما تكتشف بالعشرة اليومية أخلاقياته وشخصيته ستستسلم إلى حياتها الباردة وينكفئ قلبها المسكين وتشعر بالنقص.

ويأتي دور الزوجة، الزهرة الفواحة دائماً بعطر الجمال والرقة والعذوبة، هناك صفات جوهرية ومظهرية تلعب دوراً حيوياً في إشعال فتيل الحب في قلب الزوج، ففي البداية كانت هذه المرأة طيفاً من الجمال وسحراً من الخيال، بهمس صوتها الناعم، ووداعتها، وحنانها، وعاطفتها الجياشة تحول قسوة الرجل إلى لين وعناءه إلى راحة وهدوء، تشبع بأنوثتها حواسه ومشاعره وكيانه، فيتجدد دائماً بالعطاء، ويبدع في فنون المعاملة لإرضائها، بيد أنها عندما تعتاد عليه على مر السنين، تخبو في نفسها رغبة التزين، وتفتر اهتماماتها به، بعد أن كان لها حبيباً يتحول مع العشرة إلى شخص بارد، جامد الإحساس، لأن لغة التواصل قد خبت بينهما، فلا حديث سوى هم الأولاد ومسؤوليات البيت، العلاقة الحميمة بينهما قد خبت، والحب ودفء كلماته يتحولان إلى معانٍ ليست لها ضرورة بعد كل هذه السنين، كل شيء مع السنين يتآكل، يتراجع إلى الوراء، فتهمل المرأة جمال جسدها، وتتكوم هذه الأكوام من الشحوم، وتتحول لهجتها إلى سمفونية مشروحة مزعجة، ليس لها طعم أو رائحة، اللهم إلا روائح المطبخ، تهمل هذه الزوجة تجديد نفسها، تكوينها، رونقها، عذوبتها، إنها تتحول مع الأيام من الأنثى الحبيبة إلى أم سمينة تفوح منها رائحة المطبخ، وهذا ليس إجحافاً بحق الأم، وإنما للرجل احتياجات خاصة بتكوينه النفسي والجسدي والسيكولوجي تختلف عن احتياجات الطفل، ليس بالضرورة أن تكون المرأة تحفة جميلة، بل كيان حيوي متدفق بالحيوية والنشاط والدلال والروعة، مخلوقة تضفي أحاسيس ملتهبة من الحب والحنان والعطاء، الاستضعاف المحبب للرجل، التذلل من أجل إرضائه، حرصها على راحته، وامتصاصها لآلامه النفسية استمالة قلبه بكل الأساليب المحبة، التودد إليه في حالة غضبه لاحتواء المشاكل والمنغصات، كل هذا تقدير جميل لرجولته، لإنسانيته، هذه الصورة الجميلة المتناسقة من السلوك والأخلاق والمحاسن سوف تزرع في قلب الزوج محبة أبدية ثابتة لن تخبو، تثير اشتياقه وإحساسه دوماً بالرضى والسعادة فمهما أخطأت أو أذنبت ستجد في أعماقه صورتها الجميلة وابتسامتها الوديعة نوراً يبدد قسوة سلوكها أو ظلمة موقفها، سيغفر، سيحتوي هذا الضعف الجميل بقلب رحيم وعقل حكيم، لأنها تملأ كيانه ووجدانه بحبها، بحنانها، بلامحها الجميلة، بروحها الطيبة، لن يجد في داخله ثغرات تسمح لنفسه وأهوائه أن تتسلل خارج الدار ستسبح عيناه في فلكها الخاص وفي دائرتها المتجددة بالعطاء لهذا سيبقى الحب مشتعلاً لن يخبو، لن يذبل، ربما يهدأ، لكنه سيثور ويشتعل عندما يفتقد أحدهما الآخر، لكنهما لن يرضيا لأحدهما بديلاً عن الآخر.

حالة إشباع وتكامل، إنه ميزان من الأخذ والعطاء ما يراه الزوج في زوجته يحدد مسار العاطفة واشتعالها فالضمانات الأساسية لمسار الحياة الزوجية يعتمد على شخصية الزوجين وصبرهما وفهم كل منهما لاحتياجات الطرف الآخر، ليصبر ويتحمل، ليشبعها فيه ويغذيها ويؤججها، ومن هنا نستطيع أن نحكم ما إذا كان الحب يفتر بعد الزواج أو يبقى ملتهباً متجدداً؟!!

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com