زوجيات

 

المراة ودبلوماسية التعامل مع الزوج

 

لقاء الربيعي (بنت الرافدين) / بابل

تخشى المرأة عادة من رفض زوجها أو إهماله لها، لأنها تحمل في أعماق نفسها وفي لاشعورها معتقداً مغلوطاً، وهو أنها غير جديرة بالاهتمام والرعاية، وقد تكون عُلمت منذ صغرها أن تكبت رغباتها وحاجاتها ومشاعرها. وتنشأ هذه المشاعر السلبية خاصة إذا تعرضت الفتاة إلى سوء المعاملة في حياتها، فيكون من الصعب عليها حينها أن تشعر بأنها تستحق الاهتمام والتقدير. ويرتبط شعورها بقلة قيمتها مع شعور آخر هو خوفها من احتياجها للآخرين، لأنها تتوقع منهم الرفض وعدم الاستجابة. ولذلك فهي تظهر للرجل أنها في غير حاجة إليه، وهذا بالذات الأمر الذي يجعل الرجل يعرض عنها. مما يجعل الرجل يقبل ويقدم ما لديه هو شعوره بأن زوجته تحتاجه، ويزداد الأمر تعقيداً عندما ترى المرأة إعراض الرجل فتظن أن هذا يؤكد مخاوفها بأن الرجل لن يستجيب لها ولن يحقق لها حاجاتها!

وتتألم المرأة كثيراً حتى لمجرد الرفض البسيط لطلباتها، لأن هذا يؤكد عندها معتقدها المغلوط بأنها غير جديرة باهتمام الرجل وتضحياته.

ولأن عند المرأة هذا الشعور العميق بقلة القيمة، فقد تكيفت معه بأن أصبحت شديدة الاهتمام والاستجابة لحاجات الآخرين، ولذلك فهي تقدم الكثير إلا أنها لا تشعر بأنها تستحق أن يقدم لها الآخرون، ولكنها تتأمل أنها إن قدمت وضحت فستصبح عندها جديرة بتضحيات الآخرين. وهي لا تدري في كثير من الحالات أنها جديرة كل الجدارة في اهتمام الآخرين ورعايتهم، وحتى لو لم تقدم كل هذه التضحيات.

وإذا تربت البنت وهي تشعر باطمئنان إلى تقدير الآخرين لها، وخاصة والديها، أو من خلال رؤية والدها يقدر أمها، فستنشأ وعندها شعور عميق بقيمتها واحترام الآخرين لها، وبأنها لا تحتاج إلى التضحيات الكثيرة لتقنع نفسها والآخرين بقيمتها كفتاة أو امرأة.

وعندما تشعر المرأة حقيقة بأنها جديرة بمحبة الرجل واهتمامه، فستجد من حولها ذلك الرجل الذي يحبها ويهتم بها، إلا أن الشيء المؤلم في العلاقات الزوجية، أن المرأة قد يستغرق معها الأمر عشر سنوات بعد الزواج، حتى تشعر بأنها تستحق كل الحب والاهتمام، وبعد أن تكون قد قدّمت الكثير طوال هذه السنوات، حتى وصلت إلى حالة تقول فيها لزوجها (لقد قدّمت إليك كل شيء ولم يعد لدي ما أقدمه!).

والأمر المهم في معالجة مثل هذه الحالة، أن تقتنع المرأة بأنها لا تحتاج لتقديم المزيد من أجل الحفاظ على علاقتها بزوجها، وإنما تحتاج أن ترتاح من التقديم، لأن زوجها سيقدم لها أكثر إن هي قللت مما تقدمه له. لقد نسيت هذه الزوجة حاجاتها لسنوات، وبالتالي نسي هو أن قدم لها ما تحتاجه. والآن بعد أن انتبهت إلى حاجاتها، فسينتبه زوجها أيضاً إلى هذه الحاجات، وسيسعى لتلبيتها عندما يشعر بأنها تحتاج لرعايته ومحبته. وقد يأخذ الرجل بعض الوقت حتى يتعلم كيف يلبي حاجات زوجته، إلا أن المهم أنه انتبه إلى مدى إهماله لحاجاتها، وأنه يرغب بالتغيير والإصلاح.

ونفس الأمر بالنسبة للرجل الذي ينتبه فجأة إلى أنه غير سعيد، وأنه بحاجة إلى المزيد من محبة وعاطفة ورعاية زوجته، فعندها ستفتح له زوجته ذراعيها وتقدم له من جديد المحبة والرعاية التي يطلب. وقد يأخذ الأمر أيضاً بعض الوقت، وبحسب طول مدة الإهمال وعدم الانتباه إلى حاجات الزوج العاطفية، المهم أنه إن بدأ أحد الطرفين بالتغير الإيجابي، فإن الآخر سيتغير أيضاً في نفس الاتجاه، وهكذا الحياة بشكل عام.

ـ لماذا على الرجل أن يتعلم كيف يقدم خدماته لزوجته؟ إن مما يخاف منه الرجل عادة هو شعوره بعجزه أو عدم قدرته على أمر ما. وهو يعوض هذا الخوف برغبته المستمرة في زيادة قدرته وإمكاناته على القيام بالأعمال، وأمام رغبة الرجل الدائمة في رفع قدراته، فإنه لا يعود يهتم بأحد آخر أكثر من اهتمامه في زيادة قدراته، ولذلك يبدو شديد الأنانية عندما يكون خائفاً أو أمام تحد كبير يواجهه.

وكما تخشى المرأة من تلقي الرعاية، فإن الرجل يجد صعوبة في تقديم الرعاية، لأن هذا التقديم يترافق عادة مع الخوف من الفشل أو الانتقاد أو اللون أو الرفض. وكل هذه الاحتمالات تسبب عند الرجل ألماً شديداً، لأنها تؤكد عنده المعتقد المغلوط الذي يحمله، وهو أنه ضعيف وعاجز وغير مقتدر. وقد تكوّن هذا المعتقد المغلوط عند الرجل في صغره عندما كان يشعر بأن الآخرين يتوقعون منه دوماً أن يقوم بالأعمال بشكل أفضل، وعندما كانت أعماله تقابل بعدم اهتمام الآخرين أو بعدم رضاهم عنها، فقد كان يتأكد في أعماق نفسه أو في لا شعوره هذا المعتقد المغلوط الذي يحمله عن نفسه. ولأن الرجل يخاف كثيراً من الفشل فقد لا يحاول أصلاً القيام بالعمل، ويحجم عن تقديم الرعاية للآخرين، ولا يخاطر في هذا الأمر.

ومن المتناقضات أن الرجل عندما يهتم كثيراً بأحد ما، فإن خوفه المضاعف من الفشل مع هذا الذي يحبه يجعله يقدم أقل مما يقدمه عادة، ولذلك فقد يبدو وكأنه غير محب أو غير مهتم.

وقد يأخذ الرجل بعض الوقت حتى يتعلم أن فشل بعض محاولاته كانت ضرورية من أجل نجاحه في المحاولات الأخرى، فلا يعود يخشى عندها المحاولة أو الفشل، ويدرك أن بعض الخطأ لابد منه من أجل الوصول إلى أهدافه. إنه ليس بالعاجز أو الضعيف، إلا أن عليه ن يحاول ويتخذ الأسباب، وهذه هي الخطوة الأولى في تعلم الرجل كيف يقدم الرعاية لزوجته.

عندما يربى الفتى وهو يرى والده يحسن تحقيق حاجات أمه، فسيتكون عنده شعور قوي بالثقة في نفسه، وبقدرته على تحقيق حاجات المرأة التي ستكون زوجته في المستقبل. ولن يكون خائفاً من التجريب والمحاولة في تلبية حاجاتها، ويدرك أن فشله في عمل أو محاولة ما لا يعني بأنه عاجز أو غير قادر في كل شيء، إنه يعلم بأنه ليس كاملاً،إلا أن هذا لا يمنعه من المحاولة وبذل الجهد، وإذا أخطأ، فإنه يعلم أنه يمكنه ن يعتذر عن هذا الخطأ، وهو يتوقع المسامحة والتقدير والمحبة من الطرف الآخر.

إن هذا الشاب أو الرجل يدرك أن (كل ابن آدم خطاء) فقد رأى والده يخطئ فيعتذر، وشاهد والدته تغفر له من دون أن يضعف هذا علاقتهما. إنه شاهد كيف أن أمه كانت تقدّر والده وتثق به رغم أنه كان أحياناً يخيب ظنها أو يخطئ في تلبية حاجاته.

ـ إذا غابت القدوة فلابد من التدريب وإلا:

والمشكلة التربوية الحقيقية أن معظم الرجال لم يشاهد في حياته أو صغره ذلك النموذج القدوة الذي يتعلم منه مثل هذه المواقف، فبالنسبة لهذا الشاب ـ وكذلك الحال بالنسبة للفتاة التي لم تجد في حياتها القدوة العملية في أمها ـ فإن موضوع الزواج والعلاقة الزوجية وتكوين أسرة، ليس بالأمر السهل تحقيقه، فهو لم يجرب ويرى بنفسه كيف يتم الأمر بشكل سليم. وهناك مَن شبّه هذا الأمر بمن طُلب منه قيادة طائرة من غير تدريب مناسب. فقد يعرف كيف يحرك بعض أدوات الطائرة، إلا أنه بالتأكيد يجهل كامل الخطوات من لحظة الإقلاع إلى لحظة الهبوط.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com