ذكريات زوجين (3)

في ليلة ممطرة

 

 

هند السعد / العمارة

 

انقضت ساعات طويلة على جلستها هذه ...بين حطام الذكريات كان اللحن لا يزال  يصدح من المذياع .. الظلام لازال يلف المدينة .. تنهض من مقعدها وتتجه صوب النافذة .. تزيح الستارة .. تتأمل الحديقة وهي تفتح ذراعيها للمطر .. تحس ان الكرومة التي كانت متشابكة تفتح اغصانها الان .. وتتعرى للمطر .. وانزلق امام عينيها حطام لصورة اخرى من دفتر الذكريات .. تحت هذه الكرومة .. وفي ليلة في مثل هذا الوقت من السنة كنا نجلس هنا ..وغمرها شعور لذيذ .. ارادت ان تكون حيث كانت قبل عام واحد.

كانت الساعة العاشرة ليلاًًًًًًً حين عرج بسيارته نحو المنزل ..وصاحت به : "الى اين ؟ " واجاب بصوت هامس : " سأريك شيئا  جميلاً " .. ووصلوا الى المنزل .. وكانت الاضواء تنير الحديقة فتبدوا رائعة .. وقفت مبهورة الانفاس امام الباب فجذبها من يدها وادخلها الحديقة : ( هذا هو بيتنا .. وهذه هي الحديقة التي تحلمين بها ).. دارت حول نفسها وهي لا تصدق ما ترى : ( كل ما حلمنا به .. الكرومة .. الورد .. النخلة .. ومكان الارجوحة ..و ...) ولم تكمل حديثها فقد نظرت اليه بامتنان وشكر يعجز عنه اللسان ..وجلسا تحت الكرومة ..وكانت تعلو ضحكاتهما بين حين واخر.. لسبب او لغير سبب .. كانا سعيدين ... ورغم  برودة الجو بقيا جالسين هناك طويلا .. كانت يده التي تعبث بشعرها كافية لان تذيب اي برد .. وحتى عندما بدأ المطر بالهطول .. لم يثنيهما عن اكمال السهرة في الحديقة ويستدير نحوها ضاحكا : ( ماالذي سنجنيه من جلستنا هذه ؟ ) فتجيبه وابتسامة طفولية على شفتيها : (لاشئ سوى اننا سنصاب بالبرد)... ويعلو الضحك من جديد ...

يشتد المطر .. لا تبالي به تبللت ثيابها وهي على جلستها  هذه .. لم يعد يهمها شئ فهي لم تعد تراه سوى في الذكريات اذ انه يغيب عن المنزل دوما وتدخل سيارته من الباب .. يهبط منها ويفاجأ بها تحت المطر غارقة بالماء والدموع يقترب منها يلاحظ دموعها يسال ( لماذا الجلوس هنا ؟ مالذي ستجنيه من جلستك هذه ؟...) وتتلاقى نظراتهما بصمت نظرتها معاتبة من بين الدموع ... ونظرته يملؤها الاعتذار والاسف .. يتركها دون ان يلقى جوابا يستدير نحوها قبل ان يدخل المنزل .. كانت نظرتها جامدة عليه .. في يأس وحزن عميق تجيب :(ساصاب بالبرد .. ولوحدي هذه المرة ) .. تخفض رأسها وابتسامة مريرة على شفتيها...