معاداة العلاج النفسي على الطريقة العربية

 

 

الدكتور محمد أحمد النابلسي

أستاذ الطب النفسي، أمين عام الاتحاد العربي للعلوم النفسية / طرابلس لبنان

ceps50@hotmail.com

 

يمتاز المجتمع العربي بنظراته الخاصة ومفاهيمه المميزة للعلاج النفسي. ولا يمكن لأي شخص (أو مدرسة أو مجموعة) أن يتنكر لخصائص مجتمع ما حتى ولو كانت هذه الخصائص وليدة تفسير خاطئ وغير منطقي للحقائق. ولكن المجتمعات الراغبة في التطور لابد أن تتخلص من شوائب الإشاعات وأن تقضي على غابات الجهل الكثيفة التي تحول دون التعامل مع الواقع بالموضوعية اللازمة. هذا إذا كانت هذه المجتمعات راغبة فعلاً في التطور. فإذا رفضته أو خافت منه فإنها تلجأ إلى الحيل لإيجاد تبريرات " منطقية " للواقع تمهيداً لقبوله دون أي تغيير. والواقع الذي نود مناقشته هو واقع عجز الفرد (العربي) عن الإفادة من العلاجات النفسية المتوافرة، ويتضح لنا حجم الخسارة الناجمة عن هذا العجز، من خلال مراجعتنا لتعريف أهداف الطب النفسي المعاصر.

فهو " يهدف إلى مساعدة الشخص على بلوغ المستوى الذي يؤهله لأن يعيش المستوى الأفضل لسعادته ولأن يكون في المستوى الأفضل الذي يتيح للمجتمع الإفادة من قدراته ومساهماته ". فمن خلال هذا التعريف تتضح أمامنا الخسائر التي تلحق بالمجتمع عندما يتخلف أفراده عن العلاج. فالمضطرب نفسياً هو في الواقع إنسان مشلول من الناحية الاجتماعية. إنه من ناحية يعيش حياته بعيداً عن السعادة ومن ناحية أخرى يفقد فعاليته الاجتماعية وحتى الأسرية. ولعلنا ندرك، بصورة أكثر جلاء، حجم هذه الخسائر إذا ما عرفنا أن 10% من السكان يحتاجون إلى زيارة العيادة النفسية، وذلك وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية التي تؤكد أن المشكلة أكبر حجماً في الدول النامية منها في الدول المتقدمة ولكن ما هي الأسباب المؤدية إلى هذه الخسائر ؟..

تتداخل الأجوبة المبررة لهذه الأوضاع وتلامس مواضيع غاية في الدقة والحساسية حتى يتفجر من خلالها نقاش يختلف فيه المحاورون عما إذا كانت هذه النقاط أسباباً أم نتائج ! وفيما يلي سنحاول استعراض هذه الأسباب:

أ- الشائعات الكاذبة: تطول قائمة هذه الشائعات بحيث يصعب مجرد تعدادها، حتى إن بعضها بات متداولا وكأنها حقائق ثابتة لا تقبل الجدل. وفيما يلي عينة منها:

- يمكن شفاء حالات الجنون دون دواء.

- الأدوية النفسية تسبب الجنون.

- يمكن للعلاج النفسي (دوائي أو غير دوائي) أن يلحق الضرر بالمريض.

- الأدوية النفسية سموم يجب الابتعاد عنها.

- كل زوار العيادة النفسية هم من المجانين.

- تستطيع العلاجات التقليدية أن تحل الأزمات والأمراض النفسية كافة.

- المرض النفسي ينجم عن السحر أو الكتابة أو هو من أعمال الشياطين.

ونكتفي بهذا القدر لننتقل إلى السبب التالي..

ب- القساوة النفسية: لطالما أشدنا، ولا نزال، بترابط الأسرة العربية وبالأدوار النفسية والاجتماعية الخاصة التي يلعبها النظام الأسري العربي. ولكن هذا النظام، مثله مثل سائر الأنظمة، لا يخلو من ثغرات يمكنها أن تتحول إلى مآزق ومشاكل جدية في حال تجاهلها وعدم الحيطة لها. ولنأخذ مثلاً موقف العائلة العربية في حال إصابة أحد أفرادها بالمرض النفسي، ولنقارن بين هذا الموقف وموقفها في حال إصابة أحد أفرادها بالمرض الجسدي.

 

المرض النفسي:

1- يتردد الأهل كثيرا قبل اللجوء إلى الطبيب.

2- يحاولون التهرب من تنفيذ التعليمات.

3- يفضلون مراجعة أكثر من طبيب

4- يحيطون التشخيص بالشك.

5- يحاولون إخفاء نبأ المرض حتى عن المقربين.

6- عدائية غير ظاهرة أمام المعالج

7- محاولة إنهاء العلاج بأقصى سرعة ممكنة (حتى قبل أوانه).

8- الميل إلى اعتباره موضوع سيىء (لدرجة محاولة التخلص منه معنوياً)

9- الشعور بالجروح النرجسية.

10- توجيه انتقادات مكثفة إلى المريض.

11- مشاعر خوف.

12- مشاعر قابيلية تجاه المريض.

13- يحاولون إخفاء أو إغفال بعض العوارض.

 

المرض الجسدي:

1- يستدعى الطبيب بشكل فوري.

2- تنفذ تعليمات الطبيب بدقة.

3- يثقون بالطبيب.

4- يقبلون التشخيص.

5- يكون المرض  مناسبة اجتماعية للزيارات

6- الامتنان للمعالج.

7- الرغبة في متابعة العلاج لغاية الشفاء التام.

8- الميل إلى التماهي بالمريض (لدرجة ظهور علائم انهيارية).

9- التعاطف مع مظاهر المرض.

10- معايشة مع مظاهر المرض

11- مشاعر عطف

12- مشاعر هابيلية تجاه المريض.

13- يسردون أعراض المرض بدقة

ج- انخفاض مستوى  الوعي الصحي: لسنا في مجال تعداد الآثار السلبية لواقع انخفاض هذا المستوى إذ يكفينا أن نذكر بمحاولات التهرب من حملات التلقيح. وفي هذا المجال يهمنا انخفاض مستوى الثقافة النفسية بحيث نلاحظ زيادة في نسبة ولادات الأطفال المشوهين، إضافة إلى المواقف السلبية الأخرى المؤدية إلى رفض العلاج النفسي عامة والطبي النفسي خصوصاً.

د- المرض النفسي والخيال الشعبي: إستناداً إلى العوامل المذكورة أعلاه يحاط المريض النفسي العربي (ومعه المرض) بهالة من الغموض، فتنسج حوله الحكايات ومنها ما هو في غاية الطرافة بحيث يمكنها أن تتحول إلى نكات ناجحة لولا اللهجة فائقة الجدية التي تروى بها هذه الحكايات. ويتجسد هذا التصور في أدبنا القصصي (خاصة عند نجيب محفوظ) بشخصية الشحاذ – المجنون الذي يلازم مقهى الحي في الغالب.

هـ العجز الطبي: في هذا المجال، علينا أن نقرر حقيقة واقعة ومفادها أن العجز الطبي يلعب الدور الأهم في نشوء هذه الإشكالات، فلو راجعنا قائمة الأمراض التي يدعي المشعوذون معالجتها، والتي تنسج حولها الحكايات، لرأينا أن هذه القائمة تضم إلى جانب الأمراض النفسية جميع الأمراض التي لا يزال الطب عاجزاً أمامها. هذا في حين تغيب عن هذه القائمة كامل الأمراض التي يملك الطب علاجاتها الشافية. ومما تقدم يجب ألا نفهم هذا العجز على أنه عجز مطلق، إنما مجرد ثغرات يدخل منها المشعوذون إلى ميدان الشفاء. فعلى صعيد الطب النفسي تحديداً، فإنه بات اليوم قادراً على التحكم بمختلف المظاهر المرضية كما بات قادراً على شفاء القسم الأكبر من الأمراض النفسية المعروفة.

و- الخطأ الطبي: مناقشة هذا الموضوع بحساسية كبيرة. لذلك نكتفي بالتذكير بتلك الفوارق في تشخيص الفصام واختلاف نسبه باختلاف المدارس. فالمريض نفسه يمكن أن يكون فصامياً لدى أحد الأطباء وغير فصامي لدى غيره. أضف  إلى ذلك مساهمة بعض الأطباء في تدعيم " رهاب العيادة النفسية " لدى مرضاهم، فنرى بعض أطباء الاختصاصات الأخرى يصفون المهدئات لمرضاهم ويحذرون من تلقيها من الاختصاصي !.

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com