|
العنف والتمييز
يزيدان الامراض النفسية لدى المرأة .. تجربة سعودية
سمر المقرن
أكدت منظمة الصحة العالمية، تعرض 16-50% من نساء العالم إلى نوع من أنواع العنف أثناء حياتهن، كما أكدت في تقاريرها إلى أن تحمل المرأة لعدة مسؤوليات أو تعرضها للعنف المنزلي أو التمييز العنصري بسبب الجنس عوامل تؤدي إلى سوء الصحة النفسية لدى النساء أكثر منها لدى الرجال. وكانت منظمة الصحة العالمية خصصت يوم السابع من أبريل يوماً عالمياً للصحة وجعلت للصحة النفسية مجالاً أوسع للاهتمام. وفي نفس السياق، أكدت مختصصات وعاملات في الأقسام النسائية بمجمع الأمل للطب النفسي بالرياض، على أن مرض الاكتئاب داخل الأوساط النسائية السعودية تشترك مسبباته في عدة عوامل وظروف اجتماعية واقتصادية، حاصرات هذه الظروف في مشاكل الطلاق وحرمان المطلقة من أطفالها، وتزويج الفتاة مبكراً، وحرمانها من التعليم، وكذلك الصدمة التي لا تتحملها بعض النساء بسبب زواج زوجها من أخرى، مضيفات أن هناك أنواعا من الاكتئاب العارض، نتيجة لصدمة تتعرض لها المرأة بسبب فقدان عزيز، فيما يكثر اكتئاب ما بعد الولادة الذي يوصل المرأة إلى رفض طفلها الوليد وعزوفها عن الطعام والشراب، مؤكدات في نفس الوقت، إدعاء بعض النساء المرض النفسي كطريقة للتحايل لحل مشكلة اجتماعية أو اقتصادية تمر بها، أو تحقيق أهداف معينة.
الطلاق.. والسلطة الأبوية وتروي الأخصائية الاجتماعية بالقسم النسائي في مجمع الأمل للطب النفسي، هدى العمر، قصة فتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، تحكمت فيها سلطة والدها حيث أجبرها على خوض 3 تجارب زواج فاشلة، أثمرت كل تجربة عن طفل مصيره أن يبقى لدى والده وحرم من والدته وحرمت منه. وتكمل العمر "في كل مرة يتم تطليق هذه الفتاة يرفض والدها بقاءها لديه في المنزل بحجة أنها مطلقة وقد تجلب له العار، فيبحث لها عن زوج جديد بأقصى سرعة ممكنة، وكانت هذه الفتاه تعيش حياة مليئة بالقهر نتيجة هذه الزيجات الفاشلة من جهة، وحرمانها من أطفالها من جهة ثانية، إضافة إلى سوء معاملة والدها، وحاول المختصصون بالمستشفى التحدث إلى أشقاء الفتاة ليؤثروا على والدهم، ولكنهم رفضوا التدخل. وإلى جانب العلاج السريري قمنا بإقناعها بفكرة عودة أبنائها لها بعد نضوجهم حتى تتأقلم مع الوضع". وتريد العمر أن توضح، من خلال هذه القصة، أن الطلاق يدخل بشكل مباشر في الأمراض النفسية للمرأة، خاصة عندما يرفض الأهل ابنتهم لأنها مطلقة، ويوصلها ذلك إلى الحالة المرضية.
اكتئاب الصغيرات ويعد الزواج المبكر للفتاة دون تفاهم أحد مسببات الإصابة بالاكتئاب. وتوضيحاً لذلك تروي رئيسة قسم الدخول والملاحظة النسائية بـ"الأمل"، مالكة إدريس، حكاية فتاة تم تنويمها بالمستشفى عدة مرات، بعد أن قرر والدها تزويجها وإخراجها من المدرسة، مفسداً بذلك حلمها في دخول الجامعة. وترى إدريس من خلالها معاشرتها للمريضات أن الفتيات صغار السن يصبن بمرض الاكتئاب إذا تم تزويجهن مبكراً، إضافة إلى انقطاعهن عن الدراسة، مضيفةً أن من أهم أسباب المرض النفسي بين الصغيرات، ألا يوجد تفاهم بينها وبين أسرتها، إضافة إلى رغبتها بالحرية وسط أسرة متشددة، مؤكدة أن أغلب الأمراض النفسية ناتجة عن مشكلات اجتماعية.
صدمة من التعدد وقد لا تحتمل بعض النساء صدمة زواج زوجها من أخرى، فتصل بها هذه الصدمة إلى حالة نفسية مرضية. ويؤكد ذلك عدد من المختصصات بالمجمع، فتقول إدريس "كثير من المريضات جئن إلى المستشفى نتيجة صدمة زواج زوجها بأخرى أو بسبب طلاقها من زوجها، وفصلها عن أبنائها أو منعها من رؤيتهم"، فيما ترى رئيسة قسم النقاهة حصة عبدالعزيز أن المرأة التي تتعرض لمثل هذه الصدمة، قد تتحسن مع العلاج في أغلب الأحيان خاصة مع رؤيتها أوضاع الأخريات، وإدراكها أنها أفضل منهن حالاً، كما تؤكد أن المرأة المصدومة في زوجها، إما بسبب زواجه أو بسبب العنف الذي تتعرض له منه، دائماً ما ترفض زوجها وترفض زيارته لها إلى أن تعود إلى طبيعتها.
اكتئاب ما بعد الولادة وتتراوح نسبة إصابة النساء السعوديات باكتئاب ما بعد الولادة ما بين 20-40%، ويؤكد الأخصائي النفسي بمجمع الأمل موسى محمد الزمام أن نسبة كبيرة من النساء تتراوح ما بين 50-80 % لديهن مشاعر خفيفة من التقلبات بعد أيام الوضع الأولى، مضيفاً "في الحالات الشديدة، وهذه قليلة الحدوث، 0.1% تقريباً، يصل هذا الاكتئاب بالمرأة إلى مستويات من الاضطراب الوجداني والاكتئاب الذهني مع هلوسات وهذاءات وأفكار بالتخلص من الطفل. والشائع بين النساء المصابات بهذا الاكتئاب أنه لا يستمر طويلاً مع العلاج، ويختفي في أغلب الأحيان بمدة تتراوح ما بين 10-12 يوماً. وتتمثل أعراضه بالميل إلى البكاء والحزن وتجد المرأة صعوبة في النوم، ولا تحتاج في تلك الفترة لأكثر من الدعم النفسي، وهذا لا يعد اكتئاباً مرضياً، إلا في حالة تطوره فإنه يتحول إلى حالة مرضية وتظهر أعراضه ما بين الأسبوع الثاني إلى الثامن عقب الولادة. وتؤكد على ذلك مالكة إدريس، مستدلة على هذا النوع بقصة إحدى السيدات التي تم علاجها داخل مجمع الأمل، وكانت أنجبت طفلاً بعد 8 سنوات من الزواج، ورفضت حتى رؤية طفلها وإرضاعه"، موضحة أن ذلك يحدث لبعض النساء بشكل مفاجئ، على الرغم من عدم معاناتها من أي مشاكل اجتماعية أو نفسية، وتعيش في جو من التفاهم مع زوجها، مشيرة إلى أنه قد يصل بالمرأة إلى وضع ترفض فيه الطعام، وترفض الحديث مع الآخرين.
نساء يفتعلن المرض تلجأ بعض النساء إلى إدعاء المرض النفسي، هذا ما أكدته الأخصائية النفسية بمستشفى الأمل، سبيكة الوهيّد، التي تقول "من خلال الحالات التي مرت عليَّ وجدت أن الأمراض النفسية التي تعيشها هؤلاء النسوة هي أمراض افتعالية وليست حقيقية، ويكون إدعاء المرض لتحقيق الأغراض. وتستشهد الوهيّد على ذلك بقصة لإحدى السيدات التي راجعت عيادتها مؤخراً، مضيفةً "كانت السيدة تدعي إصابتها باكتئاب واكتشفت بأنها ليست مصابة، إنما مفتعلة للمرض وادعته، لتجبر زوجها أن يجعل لها مسكناً مستقلاً عن أهله. واستغلت أيضاً المرض بعد أن حققت الهدف الأول بتمثيل أعراض المرض، ليوفر لها زوجها خادمة. تقول لم أجد لديها أي عوامل للمرض النفسي، وعند فحصها من خلال الاختبارات النفسية البسيطة تبين أنها متمارضة وليست مريضة. وترى الوهيّد أن النساء اللاتي يفتعلن الأمراض النفسية يقمن بذلك نتيجة للشعور بالنقص، خاصة ما تشعر به بعض النساء من نقص إن لم يصلن إلى درجة تعليم عالية، وهذا الشعور بالدونية يجعلها تحاول بطرق أخرى أن تلفت إليها الأنظار، موضحةً "كلما شعرت المرأة بالضعف، فإن هذا يجعلها تستسلم للأمراض النفسية بسهولة وتفتعلها".
اضطهاد المرأة والمرض النفسي وترفض الوهيّد مفهوم اضطهاد المرأة وسلبها لحقوقها، الذي تعيشه كثير من النساء السعوديات. وتتحدث في هذا السياق عن المريضات فعلياً، ذاكرةً أن كثيرا منهن ينسجن قصصاً خيالية ويصدقنها، وتحتوي هذه القصص على أفكار غير منطقية، ومن ثم تطلق العنان لهذه الأفكار تقول "أشعر بالراحة عندما أتعامل مع مريضة نفسية أوروبية أو أمريكية عن مريضة سعودية"، مشيرة إلى أن السبب في ذلك هو أن المريضة السعودية لديها تعنّت وتسلط، وتصل إلى المرض بأسباب غير منطقية، كأن تكون باحثةً عن السيطرة مثلا على الزوج أو الأهل، وترى الفرق في علاج الغربية عن السعودية، هو أن الغربية تنتهي معاناتها ومعاناة أهلها بعد العلاج، أما السعودية، على حد قولها، فإنها تصر على إيذاء من حولها حتى بعد نهاية المدة المحددة للعلاج.
الأهل يرفضون ابنتهم المريضة بلغ عدد السيدات المرفوضات من قِبل أهاليهن 12 سيدة تعيش في قسم النقاهة، وتتدخل إدارة مجمع الأمل في حال تم رفض المريضة من قِبل أسرتها لأسباب غير منطقية، حيث قامت إدارة المستشفى بإقناع أهالي 10 مريضات لاستلامهن خلال هذا العام، وبذلك تقلص العدد من 22 إلى 12. وهذا القسم مخصص للنساء اللاتي تجاوزن مرحلة العلاج، وتؤكد رئيسة القسم حصة عبد العزيز على وجود مريضات تجاوزت فترة بقائهن أكثر من 10 سنوات، مشيرة إلى أن أسباب بقاء هؤلاء النسوة لهذه الفترة يعود غالباً للانتكاسة التي تحصل عند خروجهن إلى المنزل، مضيفة "لذا يقرر الطبيب بقاءهن في القسم، مشيرة إلى حالات يكون من الصعب على ذويهم رعايتهن، إما بسبب الانشغال أو بسبب رفض أهلها للمريضة عندما يكون لدى المريضة ميول عدوانية مثلاً أو عندما تكون ذات تصرفات متهورة كالخروج بالشارع دون ملابس مما يسبب للأهل كثيراً من الحرج فيرى الأهل في هذه الحالة أن بقاء المريضة في المستشفى أفضل.
الأديبة المكتئبة أثناء زيارة "الوطن" للقسم النسائي في مجمع الأمل كان محظوراً دخول الغرباء إلى الأقسام، حسب أنظمة وقوانين المجمع، ومع ذلك سمحت مسؤولة قسم النقاهة أخيراً بدخول محررة "الوطن" إلى هذا القسم، وأثناء الجولة كان في وجه كل سيدة حكاية، حيث تتجول المريضات داخل القسم وتقف في مساحات متقاربة عدد من المستخدمات اللاتي يراقبن التصرفات بشكل مستمر. وفي الحديقة الداخلية يجلس ويتمدد عدد من المريضات تحت أشعة الشمس الدافئة. وفي زاوية الحديقة كانت تجلس سيدة لا يبدو عليها أي أثر من آثار المرض النفسي، تبدو مختلفة عن الأخريات، فهي الوحيدة التي لم ترفع رأسها لرؤية الضيفة الغريبة وكانت منهمكة في الكتابة ويحيط بها عدد من الكتب والدفاتر وفي سؤال لرئيسة القسم عن هذه السيدة أكدت بأنها فعلاً مختلفة عن الأخريات فهي تحمل الشهادة الجامعية، وأصيبت أخيراً باكتئاب نفسي بسبب وفاة طفلتها ومن ثم بفترة قصيرة توفي زوجها ولم تحتمل الصدمة. وتؤكد حصة عبد العزيز أن هذه السيدة منذ دخولها إلى قسم النقاهة، وهي منطوية على عكس الأخريات اللاتي يتحدثن ولديهن صداقات وعلاقات متينة داخل القسم، تقول " تقضي كل يوم ما يقارب الـ 7 ساعات يومياً ما بين القراءة والكتابة، فهي قاصة بارعة، إضافة إلى أن حوارها مع مسؤولات القسم لا يتعدى طلبها لبعض الكتب، مؤكدة أن فترة بقائها لن تطول وبأنها ستخرج قريباً.
العلاج بالعمل.. نهاية المطاف ينتهج مجمع الأمل أسلوباً حديثاً في العلاج هو "العلاج بالعمل"، حيث يستقبل ما يقارب الـ 120 مريضة شهرياً، أغلبهن مصابات بمرض "الفصام"، الذي تلعب الوراثة دوراً كبيراً لحدوثه. وقد تكون الضغوط النفسية والاجتماعية أحد العوامل التي تثيره ويركز قسم العلاج بالعمل على إشغال المريضات نفسياً بأعمال مهنية متعددة على هيئة أركان، ويحتوي العلاج بالعمل على 6 أركان هي ركن الخياطة والتطريز اليدوي وركن الرسم والأعمال اليدوية والمجسمات، وركن المطبخ والتدبير المنزلي، وركن التجميل، بالإضافة إلى ركن الأنشطة الرياضية وركن الأنشطة الثقافية والترفيهية، والتي تشمل المكتبة ومشاهدة التلفزيون والفيديو، وكذلك تنظيم الرحلات للحدائق والأماكن الترفيهية، ويعد هذا القسم هو نهاية مطاف العلاج النفسي. وتؤكد بخيت أن هذا النوع من العلاج يساعد المريضة على التأهيل الاجتماعي لمواجهة الحياة وتحويل بؤرة اهتمامها من الحالة الصحية إلى حالة العمل والإنجاز لافتة إلى أنه ساعد الكثير من المريضات على تعجيل العلاج وتقليل فترة بقائها في المستشفى. ومن أكثر الفوائد التي تجنيها المريضة من هذا العلاج، تؤكد المشرفة على القسم للعلاج بالتأهيل لمجمع الأمل الطبي بالرياض، عائشة سالم بخيت، أنه يساعدها على التخلص من دوافع السلوك العدواني ويحول طاقتها من طاقة عنيفة إلى طاقة فعالة منتجة، موضحةً أن تحويل المريضة النفسية إلى هذا القسم يتم بعد أن تتحسن حالتها وتتخطى مرحلة الملاحظة، وتخرج إلى قسم النقاهة أو إلى المنزل، مشيرة إلى أن العلاج بالعمل ينقسم إلى قسمين: الأول خاص بمريضات الأقسام الداخلية، أما الثاني وهو الرعاية النهارية وهذا مخصص للنساء اللاتي أنهين فترة العلاج، ويأتين من خارج المستشفى. وتؤكد بخيت أن القسم يتعاون مع هذه الفئة في حال عدم تعاون الأهل، حيث يتكفل بالمواصلات لضمان حضور المريضة لجلسات العلاج بالعمل، موضحة أن إدخال المريضة للأركان يساعد كثيراً المريضة نفسياً على تخطي أزمتها خصوصاً إذا كانت تعاني من بعض المشاكل الاجتماعية كرفض الأهل لها مما أوصلها إلى حالة شديدة من الاكتئاب. وتتوافد المريضات على هذا القسم وفق خطة معينة يضعها الطبيب المعالج مع أخصائيات قسم العلاج بالعمل ويسير وفق جدول منظم، تقول بخيت "يرسل كل قسم من أقسام المستشفى يومياً 4 مريضات وتقوم أخصائيات قسم العلاج بالعمل بتوزيعهن حسب رغبتهن وحسب موهبة المريضة وحسب نوعية الحالة، مضيفة "إذا كانت المريضة تعاني من اكتئاب فإن الرسم والتلوين يعد متنفساً جيداً لهذا المرض". وتوضح بخيت أنه في حال عدم وجود أي موهبة لدى المريضة فإن أخصائية القسم لا يُمكن أن تجبرها على الدخول في أي ركن وفي هذه الحالة يتم تحويلها إلى قسم تنمية المهارات. ويعمل القسم على تحفيز المريضات بإقامة معارض خيرية يتم فيها عرض منتوجاتهن، كما تتم المشاركة بهذه المنتجات في مناسبات خارج المجمع مثل المهرجانات والأيام العالمية والأسواق الخيرية، موضحة أن ريع البيع يذهب لشراء خامات جديدة للأركان التي تعتمد على ريع المنتجات، بالإضافة إلى تمويل قسم الخدمة الاجتماعية بإدارة المستشفى.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |