نفس تئن وجسد يصرخ

 

د.اسعد الامارة - السويد
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

elemara_32@hotmail.com

كان قديماً ينظر الطب الى الاوجاع الصادرة من الجسد فقط نظرة تقليدية يتجاهل تماماً ما يدور في النفس وتاثيراته على اعضاء الجسد ويقول د. علي كمال هنالك مجموعة واسعة من الاعراض والحالات المرضية الجسمية التي لا  يرتبط  وجودها بأي مرض في الجسم او تعتمد في ظهورها على اسباب وعوامل نفسية آنية او سابقة او التي اذا توفر لها اساس عضوي كانت الاعراض المرضية اكثر وضوحا مما تبرره هذه الاسباب .

ان الاضطرابات النفسية – الجسمية هي اضطرابات عضوية ذات منشأ نفسي بمعنى ادق انها امراض عضوية صريحة سببتها الحالة النفسية للفرد وهذه الفكرة تتأكد مع الرؤية النفسية القائلة بأن الفرد هو عبارة عن كائن ديناميكي معقد وانه دوما في حالة توازن غير ثابت او مستقر وهو يتفاعل مع التغيرات في المحيط وفي داخل الكيان نفسه وهو ما يعبر عنه بالمحيط الداخلي للفرد وعليه فان الاضطراب الذي يصيب هذا الكيان يؤثر على اختلال هذا التوازن وتتأثر اوجه متعددة من هذا الكيان لذا فالمشاعر النفسية القوية الجامحة او الانفعلات غير المسيطر عليها تضرب الانسان في صميمه ومن داخله وتهز كيانه حتى تكاد ان تقطع احشاءه الداخلية كما تقطع السكاكين الحادة اللحم الرقيق او ارق الاشياء فلذا ينصح علماء النفس والطب النفسي ان يجد الفرد الذي يتعرق الى مواقف الضغط النفسي العالي او الازمات النفسية الحادة او المشكلات المستعصية الى تفريغ مناسب يحاول به التنفيس عما يحتقن في داخله وازاء ذلك يقول "هنري مودزلي" ان الحزن الذي لايجد منفذاً له في الدموع قد يجعل احشاء الجسم تبكي .

ان طبيعة نمط شخصية الفرد الذي يتألم من احشاءه وشدة آلامها يتميز بأنه شخصية عصامية قاسية جداً على نفسها وعلى الاخرين وبها ميل عال الى اعراض الشخصية الاكتئابية والعزلة فهو يُحَمل نفسه اكثر من قدرتها على المسؤولية وبه من الخصائص الانفعالية السريعة الحساسية الزائدة مع سمة واضحة في التكوين النفسي لا يحيد عنها او يتقبل المرونة في بعض المواقف ، ربما تصل الحالة الانفعالية لديه الى حالة الهياج  فيوجه اللوم الى نفسه بقسوة لا توصف  ويمزق احشاءه دون ان يعي بما يجري في داخله ، هذا النمط من الشخصية يبدأ توجيه العنف الى داخل النفس ويضرب اضعف مناطق الجسم واكثرها وهناً وهي المعدة وخصوصا "فم المعدة" اي  الجزء الاعلى من المعدة وهو ما يسمى بقرحة المعدة والذي يزداد انتشاره بين مختلف الناس ذكورا واناثاً ويذكر (د. محمد شعلان) ان مصدر الاضطراب هنا هو تراكم آثار الاثارة المستمرة لهذا الجهاز ويفسر ذلك بقوله ان الافراد الذين لا يميليون الى التعبير اللفظي او الحركي عن انفعالاتهم بل يستخدمون لغة الجسد البدائية علاوة على ميلهم لتحويل الانفعال الى الداخل بدلا من البيئة الخارجية .

ان في الاضطرابات النفسية – الجسمية درجة من العدوانية هذه العدوانية  بدلا ان توجه  الى  الخارج فانها توجه الى داخل  النفس فتحدث تغييرات فسيولوجية داخلية ربما لا يتحملها الجسم وهي تشبه الى حد  كبيرمواقف الانفعالات والخوف إزاء مواقف بيئية مثيرة تؤدي الى تفاعل شبه تدميري لذا يستخدم فيها الجهاز العصبي السمبثاوي هرمون الادرينالين في حالة الخوف وهرمون النوادرنالين في حالة الغضب ولعل هذا المتصل من الانفعالات يعبر عن النزعات العدوانية او التدميرية .

 يقول علماء النفس ان الذي يحدث في المرض النفسي – الجسمي هو تراكم للانفعال على المستوى الجسدي دون ان يصعد الى الوعي ويتبلور في مفاهيم والفاظ فضلا عن انه لم يكتمل من جانب آخر وهو جانب الفعل التكيفي . فالشخص الذي يمزق احشاءه بشدة انفعالاته وتفكيره يستجيب الى تلك الانفعالات وشدتها من خلال عدم قدرته على  تفريغ تلك الطاقة فتضرب اضعف جزء في جسده فينشا الصراع دون ان يحله او يعمل له تسوية موفقة ، فهو بذلك استجاب على مستوى جسده ولكن دون ان يفرغ هذه الطاقة في صراع ( عدوان) او لقاء ( جنسي) مع آخر وتكون النتيجة حتماً حالة من الانفعال الجسدي المزمن الذي لا يؤدي وظيفة تكيفية ولا يفرغ في فعل او تفاعل مع آخر او موضوع يجد به المتعة وهكذا يستمر الجسد في حالة استعداد مزمن دون تفريغ فلا هو يفعل ولا هو يستريح انما يستمر مشدودا كما يقول محمد شعلان .

 

من هو الذي  يمزق جسده بانفعالاته :

 انه الشخص ذو الطبيعة الصارمة التي تتميز بالنظام والدقة المتناهية . وما يميز هذه الشخصية ايضا ان صاحبها يسعى دائما لضمان حاضره ومستقبله فضلا عن انه دائم الرجوع الى نفسه ومحاسبتها ، ويسعى نحو الكمال في كل شئ وهو عنيد جداً في الرأي وكأنه ملزم على العناد ، اما اذا خطرت له فكرة فانه  لم يستقر او يهدأ حتى ينفذ ما اوحت له .

يميل هذا الشخص الى الانطواء ولديه الكثير من التشاؤم والمثالية والتواضع وكذلك الاهتمام بالتفاصيل مع عدم التساهل مع النفس او الغير "الاخرين" ويرى علماء النفس ان احد والدي صاحب هذه الشخصية له عادة بعض هذه الصفات ويذكر لنا (د. مصطفى زيور) بقوله يبدو ان خلجات النفس التي لا تجد لها منصرفا ملائما موفقاً مصيرها الى الانحباس في تغيرات عضوية قد تكون على درجة عظيمة من الخطورة لذا فان من امثال هؤلاء الناس تكون استجاباتهم الانفعالية موحدة لكل المثيرات ، فهو يستجيب مثلا للاحباط بشكل كبير ويمتنع عن مواجهتها او التصدي لها .

يقول علماء النفس ان الانسان الذي يضحك او يبكي يستطيع عادة ان يعين السبب النفسي الذي دعاه الى الضحك او البكاء ولكن الامر يختلف عند  ذلك الشخص الذي يشكو من الام المعدة ولا يعرف سبب الآمه لان مثل هذا الشخص لا يستطيع وصف الانفعالات التي كانت سببا في اعراضه المعدية (في المعدة) بل هو لا يدري ان الاصل في دائه نفسي وسينكر ذلك ويحاول ان يجد اصولا جسمية لعلته .

ان من يمزق احشاءه لا يحقق تنفيساً كاملا للتوتر الانفعالي كما يفعل الضحك او البكاء ونتيجة هذا استمرار في  التوتر ينشأ عن اضطراب مزمن يمزق احشاء الجسد .

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com