|
انفعالات التفكير .. ألم في الاحشاء!!
د.اسعد الامارة - السويد
يقول علماء النفس المعرفي ان من خصائص التفكير هو المعالجة العقلية للمدخلات الحسية بهدف تشكيل الافكار، وقالوا عنه ايضا انه سلوك تطوري يتغير كماً ونوعاً تبعا لنمو وتراكم الخبرة ولكن يمكن ان نضيف لما تقدم بإن ما يجري في التفكير بدون مثيرات خارجية هو المؤلم، ما ينتجه العقل من افكار هو الاكثر ألماً، فإذا لم يجد منصرفا يفرغ فيه تلك الشحنات ارتدت نحو الاحشاء فتصرخ اريد ان افعل ما اشاء ولكن الصوت يجد صداه في يجب ان افعل ما تشاء وهنا تكون كتلة الشحنات غير قادرة على التفريغ .هذا الصراع هو الذي يعبر عن مبدأ الثبات لكي يعيد الاتزان في حالة التفريغ ولكن نقيضه هو انعدام الصراع تماما هو ما يتمثل في مبدا النيرفانا الذي عده فرويد تعبيرا عن السكينة التامة حيث لا توجد حياة في الدنيا، فالوجود كما هو معروف على قيد الحياة مرتبط بالألم والوجود يسعى الى التغلب على الالم والتغلب النهائي على الألم يساوي الموت، وهذا لا يمزق الاحشاء بل هو ينهي النفس ولا يوجد ابداع، فألم التفكير ينتج الابداع، وإلا لما وجدنا بعض من غادر الواقع الى عالم ارحب من اعز اصدقاءنا لانهم وجدوا كما يقول د. يحيى الرخاوي هؤلاء الذين تسمونهم "المجانين"، يتحَدون الجميع يتحدونى بها، ويخفون ألمهم العميق يحافظون عليه من احتمال ان يجدوا الشفقة، نحن نتألم لاننا نريد ان ننتج وإلا تمزقت احشائنا حينما لا نفرغ افكارنا وكم من فان قبلنا قتله ألم التفكير فأنتحر وكم من حمل ألم التفكير ولم يستطع من تفريغه وتمزقت احشاءه . يعتقد عامة الناس ان السلاح يمزق الانسان ولكننا وجدنا ان التفكير اكثر فتكا بصاحبه ان لم يجد له منصرفا مقبولا فهو مصدر الانفعالات الشديدة وهو كالمادة القابلة للاشتغال بصاحبها لذا فالشعراء والادباء والكتاب خبروا هذا النوع من الألم وتعاملوا معه بكثير من الرفق والحذر، ومن يشك منكم بذلك فاسألوا من عاش مرارة الكتابة والالام القصيدة وهي تعسر. معظم الالام التفكير تصيب الاشخاص ممن يميلون للاعمال التي تحتاج للعزلة والتفكير كالفلاسفة والعلماء في معاملهم والمشرعين والمخططين وبعض الفنانيين والكتاب كما يقول د. احمد عكاشة فهؤلاء في بعض الاحيان تتميز شخصياتهم بالحساسية المفرطة مع عزوفهم عن الاختلاط وصعوبة التعبير عن انفعالاتهم لفظيا مع الجنوح الدائم للخيال والتفكير. ان من يكبت انفعالاته سيجد صدى هذا الكبت في احشاءه وهي تتمزق وكثيرا من عانى هذه الاعراض راجع الطبيب فنصحه ان يجد لنفسه مخرجا نفسيا يدع لهذيانه غير المسموع منفذا، واخبره الطبيب ان هذا الهذيان يحمل معنى ودلالة وهو محاولة لاستعادة البناء النفسي وكما قال "مصطفى زيور" ان الهذيان محاولة لاستعادة ديالكتيك الوجود . دعونا لا نجعل احشائنا تصرخ ولكن ندع لافكارنا ان تنتج فعلا يترك الاثر في هذا الوجود من العالم، فإذا قلنا ان النفس هي هي سواء أكان ما يصدر عنها هذيان أم إبداع فني،وإنها هي هي في اعماقها .فنحن نعلم ان الطاقة الانفعالية التي اغلقت دونها سبل التنفيس الطبيعي على هذا النحو لابد لها من اصطناع مصارف اخرى، فالاحشاء تتمزق اذا لم تجد التفريغ وينتابها القلق والتهيج العصبي وخصوصا اذا كان وجود كمية القلق هائمة تطوف بنفس الشاعر او الاديب او الكاتب او المسرحي او من امتلك حسا ووعيا تميز به عن عامة الناس سيجد نوباته مصحوبة باضطراب في التفكير تعادل ضربات القلب في سرعتها والالام شتى تطول كل اعضاء الجسم وكأن إنزال العقاب بالنفس قام به صاحبنا .. فنقول له رفقا بها، انها تستغيث انك تعاقب النفس ابعد من الحدود وإسالوا في ذلك من يعاني قرحة المعدة او تهيج القولون العصبي او ..الخ كيف يعاقب النفس ويعتقد البعض ان هذه الاصابات تبدو وكانها محض الصدفة . ألم تمر ساعات غم في النفس، ألم تكن لديه احزانه من نوع خاص، ألم يتكاثر لديه الانقباض في لحظة بدون سابق انذار؟ كيف يكون ألم التفكير اذن؟ انه الالم الذي يجعل صاحبه يصرخ من احشائه ؟ ويبدو ان خلجات النفس التي لا تجد لها منصرفاً ملائما موفقاً مصيرها إلى الانحباس في تغيرات عضوية ربما تكون على درجة عظيمة من الخطورة .. انه الاضطراب النفسجسمي .
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |