صحة نفسية

وساوسنا .. هل تعيق سلوكنا؟

د.اسعد الامارة - السويد
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

elemara_32@hotmail.com

يعد السلوك مؤشر رئيس في التعامل بين الناس سلبا اوايجابا ً  بالقبول والرضا او التنافر والتباعد، فبعض الناس يكون سلوكهم خشن او يفتقد للمرونة او ذو سمات واضحة للتعصب وما شاكل ذلك من انواع السلوك، هذا السلوك الذي يمارسه كل الناس بلا استثناء وان اختلفت مناصبهم او قومياتهم او اعراقهم او انتماءاتهم الدينية او المذهبية فهو يصدر من ذات الشخص الذي تكونت لديه هذه السمات حتى عرف السلوك بأنه تفاعل الفرد ونشاطه مع بيئته التي يعيش فيها لكي يحقق لنفسه أكبر قدر من التوافق معها. والسلوك يتضمن الجانب  الظاهر والجانب المخفي او غير الظاهر ولكن يدركه صاحبه  ومنه التفكير الذي يتضمن ما نقصده وهو الوساوس بانواعها  ويوجد ايضا السلوك الذي لا يدركه حتى صاحبه وهو ما يعتمل في النفس من دوافع ورغبات وآمال ومخاوف لايشعر بها فهو لا يعرف كنهها الحقيقي كما يحدث في النوم لدى معظم الناس وهي الاحلام وسمي سلوك النائم ويتضمن احيانا المشي او التحدث بصوت مسموع وهو نائم او التنفس بشكل سريع مع ضربات القلب السريعة وكأن شيئا ما يحدث للنائم دون ان يدري.

اما الوسواس كما ترى موسوعة علم النفس والتحليل النفسي  فهي أفكار شاذة تراود المريض وتعاوده وتلازمه دون ان يستطيع طردها من ذهنه او التخلص منها رغم  شعوره وادراكه لغرابتها وعدم واقعيتها او جدواها .

في احيان كثيرة يكون نمط شخصية الفرد بأنها شخصية وسواسية ومن ملامح هذه الشخصية وساوس الخوف الزائد على الصحة او توهم المرض او سرعة اللجوء للطبيب لمجرد ظهور عرض بسيط عابر، ومن ملامح الشخصية الوسواسية هو القلق الزائد والمفرط في كثير من الاحيان وكذلك الشك الزائد ويقول (د.وائل ابو هندي) الشخصية القسرية هي واحدة من الشخصيات الطبيعية التي تعيش بين الناس وكثيرا ما تتمتع باحترامهم واعجابهم في العديد من صفاتها كالانضباط والدقة والالتزام والتفاني في العمل والشعور بالمسؤولية والواجب فاصحاب الشخصية العادية التي لا تصل الى الاضطراب هم اشخاص يتميزون ببعض السمات السلوكية التي يمكن ان تعد صفات مرغوبة او خصال حميدة او خصائص يوسم بها الدقة وبعض هذه الصفات النظافة المفرطة والدقة والنظام والمراجعة خصوصا لمن يعمل في مجال البحث العلمي، وتتميز هذه الشخصية ايضا بيقظة  الضمير والوفاء بالعهد ولكن هذه الصفات اذا وصلت الى حد الشدة او القوة الزائدة عن اللزوم سوف تأخذ مسارا اخرا في الشخص ذاته وخصوصا في  تعاملاته مع الاخرين حيث يفقد السلاسة والمرونة وتتسبب في اعاقة حياته بدلا من تيسرها وتؤثر سلبا في اداءه وتزيد من خلافاته مع الاخرين المحيطين به وتصل الى بعض الاحيان خلاف الزوجة مع زوجها اذا كانت هي ذات شخصية وسواسية والزوج مع زوجته اذا كان هو يتميز بشخصية وسواسية فتمل منه وتكره دقته المفرطة .

اما التدين الوسواسي لدى اصحاب هذه الشخصيات فيأخذ طريقا شائكا مليئا بالتأزم مع نفسه ومع الاخرين حتى يصل الى التشدد او التعصب الديني ويقول (د. محمد شعلان) قد تأخذ طابعا في صورة المبالغة في التدين كمحاولة لرد الفعل او تغطية الرغبة المعاكسة، ولم تعد هذه الظاهرة منتشرة لدى المسلمين فحسب بل عند الاديان الاخرى وخصوصا السماوية مثل المسيحية او اليهودية وكذلك عند اصحاب – الديانات غير السماوية كالهندوسية .. الخ من الفلسفات .

ما هي ملامح الشخصية الوسواسية او الشخصية المفرطة بالوسواس ؟

شخصت  منظمة الصحة العالمية الشخصية الوسواسية ببعض الملامح التالية :

- مشاعر الحذر والشك الشديدين

- الانشغال بالتفاصيل والنظام والدقة المفرطة في اي عمل يقوم به الفرد

- الكمالية التي ينشدها الفرد في اكمال الواجبات .

- الشك الشديد والانشغال غير الضروري بالتفاصيل لدرجة استبعاد المتعة في الانجاز .

- الالتزام الشديد بالتقاليد والقيم الاجتماعية .

- التصلب الزائد والعناد دائما .

- الاصرار غير المقبول من قبله على ان يخضع الاخرون الى طريقته في عمل الاشياء .  

التساؤل الذي نطرحه في هذا الصدد هل وساوسنا تعيق سلوكنا ؟  

نعم .. حينما تصل في الشدة الى المرض حتى تربك سلوكه وتعامله فكثيرا ما نلاحظ بعض الاشخاص تأخذهم وساوسهم، انهم يحاسبون انفسهم على اتفه الاشياء، وهم كثيرا ما يلومون انفسهم في نهاية اليوم قبل ان يضعوا رؤوسهم على الوسادة ويبدأ شريط اليوم الذي مضى بكل تفاصيله مع اللوم في كل بادرة صدرت منهم .

لا بأس ان تكون الشخصية دقيقة ومرتبة وتتسم بالانتظام واحترام الوقت فضلا عن الدقة في الاداء وهذه صفات ايجابية تضاف الى الشخص ولكن تصبح مرضية اذا قام الشخص باداء بعض الافعال الوسواسية مثلا ان يتأكد بنفسه من اطفاء الانوار وان الابواب مغلقة قبل النوم مرتين او ثلاث مرات ولايشعر بالراحة إلا اذا قام بنفس الروتين يوميا .

 ومن الملاحظ ايضا ان صاحب هذه الشخصية عنيد ومتصلب في اراءه ولديه الرغبة دائما في اخضاع الاخرين لنظامه او نظافته .والنظافة هي الصفة السائدة لهذه الشخصية  كأن يصر الشخص على غسيل يديه بطريقة معينة وبعدد محدد من المرات وهو ما يسمى بهوس النظافة  وهو المبالغ فيها  مع الدقة والالتزام بالروتين .

ان نشوء وتكون هذه الشخصية في مرحلة سابقة من حياة الفرد وهي السنوات الاولى ما بين السنة الرابعة والسنة السادسة من عمر الفرد حينما تَكون لديه (انا اعلى) قوي وشديد تجاه الاشياء التي كان يعتقد انها محرمة ولم يستطع حل هذا الصراع وساعد ذلك التربية الاسرية الصارمة  السائدة في الاسرة آنذلك فكونت لديه ( أنا اعلى صارم) وضمير يقظ شديد جدا وهذا على نقيض التساهل الشديد ففقد الطفل الوسطيه في مثل هذه الاجواء الاسرية فلذا سيحتم على الطفل ان يعوض نقصا من التحكم من جانب والديه بأن يقوم هو بدور التحكم في غرائزه وهذا يؤدي الى نشوء أنا أعلى كثيرا ما يكون اكثر صرامة من مطالب الاب او المجتمع فينشأ الوسواس في الدقة او النظافة او التزمت او التعصب او الشك او التشاؤم مستقبلا وهو  كبير .

 نشاهد سلوك الوسواس في بعض التصرفات اليومية مثل ان تستهوي هؤلاء قراءة الابراج اوالاهتمام بقراءة الكف او يجد صاحب هذه الشخصية ان بعض الايام لديه هي ايام خير واخرى لا يجد فيها التفاؤل او بعض الالوان تنذره بالشؤم وبعضها تجلب له الراحة النفسية، كل تلك طقوس حوازية سيطرت على تفكيره بدأت لديه وهو طفل واصبحت جزءا كبيرا من شخصيته وهو بالغ وكبير .

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com