|
لقاءات
فينوس فائق: لست ثورية لكنني أميل الى التمرد * الشعر مساحة أوسع من الخيال وعبث من طراز فريد!
حاورها : نزار الجاف لم تكن نصيحة أرسطو للأسكندر المقدوني بقتل الشعراء حين يحتل أي بلاد، إلا تكيدا وإقرارا بأهمية وخطورة دور الشاعر في المجتمعات الانسانية منذ أقدم العصور. وقد لانغالي إذا قلنا أن الشاعر قد يكون مرآة وضمير وروح الامة حين يعكس في قصائده الإرهاصات والإختلاجات الانسانية بأنقى صورها ويبحث بمسبار خياله في فضاء الوجد عن حالات الفرح والحزن وعن معنى وكنه الموت والميلاد والكينونة والفناء. ولعل أسماءا عظيمة مثل اللورد بايرون ولانكستن هيوز وبابلو نيرودا وفردريكو كارسيا لوركا ومحمد مهدي الجواهري وأحمد شوقي وعبدالله كوران وناظم حكمت ونيما يوشيج، ليس بإمكان الانسانية أن تتجاهل مطلقا دورهم الكبير في إثراء التراث الانساني ورفده بعطاءات وجدانية ثرة سوف تتناقلها الاجيال عبر التأريخ. وقد يكون بإمكان الكثيرين كتابة الشعر ولكن ليس بالإمكان أن يكون لكل واحد منهم عامل"الموهبة" الشعرية، ذلك أن تكتب شعرا هو شئ، وأن تكون شاعرا بحق هو شئ آخر! وقد يقرأ ويستمع المرء الى الكثير من القصائد هنا وهنك، وقد تكون جلها"من حيث قواعد كتابة الشعر"، شعرا، إلا أن القليل منها هو الذي يثير كوامن الانسان ويدفعه للمضي بلهفة لقراءتها حتى النهاية. ولسنا نبالغ إذا قلنا أن إسم فينوس فائق، من الاسماء التي تغري القارئ وتجذبه بقوة لقراءة ترانيمها وتعاويذها الشعرية في محراب وجدها المتألق دوما بأقمار وشموس تتوالى في دياجير لياليها وفي عز أيامها بحثا عن الوجه الآخر للإنسان، وجه تكتشف فيه فينوس فائق ما يخفى على الاخرين،وإذا كان"وليم بلك" يقول تحديدا: "كل وجه فيه قسمات فيه ذل فيه حقد" فإن فينوس فائق تمارس مايشبه الفراسة في مطالعتها لهذا الوجه، وتحاول كتشاف جزر جديدة في هذا الكائن الذي لايزال مجهولا على الرغم من كل تلك البحوث العلمية التي تظهر على يمينه وشماله. أحينا تحاول أن تكون عرافة وكاهنة تفائل خيرا بزمان ما يزال في رحم الغيب، إنها لاترجم بالغيب لكنها تعشق أن ينبأها "شيطان" شعرها بإستشراقات وضاءة لمستقبل الانسان. وحاولنا اليوم من خلال هذه المحاورة أن نطالع وبصورة شفافة رؤية الشاعرة فينوس فائق للكثير من المفردات الانسانية وكيف تقرأ الجوانب الاخرى المعكسة لها، فكان هذا الحوار.
س: قصائدك تحفل بعالمين متناقضين هما خيالية حالمة تبحرين فيها صوب آفاق الفنطازيا، وواقعية مرة وتزيدين من مرارتها بالتكيد على بعدها الحقيقي المجرد من كل رتوش، هل أن مثل هذين العالمين هما اللذين يشكلان أساس الرؤية لدى فينوس الشاعرة أم أن هنك فضاءات معينة تتحررين فيها من كل الابعاد والحدود المألوفة وترسمين العالم كما تريدينه وتحلمين به؟ الواقع يشكل دائماً ثقلا على الشاعر وحتى على من يتعامل مع أبجديات الشعر، الشيء المقبول المرفوض في آن واحد، الواقع هو الحالة المرفوضة المعاشة، لأي مخلوق كان إنسان وحيوان، طريقته وأدواته التي يواجه بها هذا الواقع وحتى أسلحته التي يحارب بها هذا الواقع، فلو أخذنا بأن أهم ركيزة يرتكز عليها الشاعر لبناء عوالمه الخاصة هو الخيال، لذلك ترى أنني أمزج الواقع بالخيال لكن مقدار الخيال كثيراً ما يكون أكثر حتى أستطيع أن أتجرع الواقع، حتى أتقبله، فالشاعر وعلى إعتبار أنه مرهف الحس والمشاعر وهكذا يقال فهو أكثر الناس الذين يرفضون الواقع ويلجأون إلى الخيال في تمردهم على الواقع.. نعم أعترف أنني كثيراً ما أصل إلى حدود الفنطازيا حتى ابلغ المنطقة التي أنغمس فيها بداخلي مع نفسي ومع ما يختلج بصدري، لكل شاعر مساحته التي يتحرك فيها، وطابعه الخاص، الواقع يتراءى لي أحياناً كلوحة باهتة وأحياناً لوحة بألوان غامقة وكثرة التحديق في اللون الباهت والألوان الغامقة تتعب العين وتتعبني كثيراً، هذا ليس تشاؤم وإنما نوع من الرفض المسالم للواقع الذي لا يتقبله الشاعر، وهو ليس عبث على غرار ما يفعله الكثير من الشعراء، وإنما هو نوع آخر من التفنن في تجميل ما هو قبيح وتقبله، لذلك تراني أختلق لنفسي فضاءات أخرى أحلق فيها وو أتحرر من الأشكال والحدود والأبعاد المألوفة والعادية وأمسك ريشة الشعر وارسم العالم ولو لحظات بالشكل الذي أريد وداخل الإطار الذي يريحني، فكثيراً يفعل الشعر نفس مفعول المادة المخدرة، حيث يأخذ الشاعر إلى عوالم أخرى يراها هو فقط.. لا أدري إن كنت أمتلك فضاءاً خاصاً بي أتحرر فيه من الابعاد والحدود المألوفة، لكنني كحالة أشعر بها فعلاً، فحين يداهمني ويحتلني شيطان الشعر أسافر، إلى أين؟ لا أدري، لكنني أكون في رحلة لذيذة بين غيوم الكلمات وسماء التصاوير الشعرية وزخات مطر الشعر التي تقع على رأسي وأحتفل بها في غمرة أحزاني، وأحزن بها في غمرة فرحي، كثيراً ما أبحث عن الحدود لكي أكسرها، ولا أتركها تباغتني فأنكسر، وإنما أبحث عنها وأكسرها لكي أمنح نفسي مساحة أوسع من الخيال وأبدأ رحلةالحلم..
س: لكن الحدود والاطواق وزوايا الانزواء كلها حالات شبه مألوفة للمرأة الشرقية بشكل خاص، فكيف تبحثين عن مسألة تحاصرك كأنثى وتكتم على أنفاسك، هل تعتقد فينوس أن عوالمها كشاعرة هي غير عوالمها كأنثى؟ وهل أن هنك تعارض بين كونك أنثى وبين كونك شاعرة؟ المرأة ليست مسؤولة عن التشرذم الإجتماعي والأخلاقي الذي يعاني منه المجتمع، لكنها فريسة تلك الحالة المرضية الإجتماعية، وهذه الحالة هي التي تولد حالة الحدود والأطواق والزوايا في عالم المرأة الشرق أوسطية، أنا عن نفسي أتخلص وهكذا أدعي من هذه الأطواق بطرق أبتكرها لنفسي، كأن أبحث عن هذه الأطواق بنفسي حتى أكسرها وليس لكي أبجلها وأبروزها وأستعظمها، هذه عملية عكسية وقلما يقوم بها إنسان ويتوصل إليها ويقدر على أن يجسدها، ثم ما تقوله عن المرأة الشرقية هو بالفعل صحيح إلا في حالتي، فأنا أنزوي لأكون أنا، أنزوي حتى لا أضيع بين الكل الضعيف، وليس لكي أمارس الهروب، والحدود والأطواق أكسرها ولا أدعها تكسرني، لا أنكر أنني أتعرض أحياناً إلى الإنكسار، لكن الفرق أنني أقوم بردة فعل، لكن المرأة الشرقية التقليدية والعادية التي أنت بصددها قلما تقوى على ردة الفعل، وذلك ليس ذنبها وإنما ذنب النظام الإجتماعي والواقع المفروض عليها. تخيل أنك مطارد من قبل شخص، وحالة المطاردة هذه تسبب لك الرعب والخوف، وكردة فعل تقوم أنت بعملية عكسية حتى تتغلب على حالة ووضعية أنك (مطارد) فتتحول من حالة (مطارد) بفتح الراء إلى حالة (مطارد) بكسر الراء، تماما نفس الشيء، فلكي أتفادى المفاجأة التي قد تقتلني، أتحول إلى مطاردة بكسر الراء وأكسر وأقتل الذي يطاردني، التشبيه مجازي، لكن ما أعنيه أنني لا أنتظر حتى أقتل (بضم الهمزة) وإنما أتهرب من إحساسي بأنه سيتم قتلي إلى عكس ذلك.. من المؤكد أن عوالم الشاعرة تختلف تماماً عن عوالم الإنسانة العادية البسيطة، هذا السؤال يذكرني بملاحظة صديق زارنا، فعندما وجد عدد من أصناف الطعام على الطاولة قال وهل هذا كله من صنع يديك؟ قلت له طبعاً، فقال وكيف تكتبين الشعر ؟ فقلت : وهل يعني هذا أنني إذا كنت أطبخ يعني بالضرورة أن لا أعرف فن الطبخ، فكثيراً ما يزورني الإلهام وأنا مشغولة بإعداد الطعام، فحتى الطبخ عندي عبارة عن قصيدة، يجب أن أتعامل مع ما موجود حولي على هذا النحو وإلا لن أستطيع إكمال المشوار. المشكلة في عقلية المقابل أنه لا يفهم أن الشاعرة إنسانة عادية قد تحب المطبخ وتتصور الأواني والأطباق أيضاً قطع شعرية، فكتابة الشعر هي أجواء وطالما أنني في المطبخ أنقل الأجواء إلى المطبخ وأتعامل مع معدات المطبخ على أنها كلمات في قصيدة . في كلتا الحالتين أنا أنثى، الإنسانة الأنثى، والشاعرة الأنثى، وليستا ندين ولا حتى أنها حالة من الإزدواجية، لكن من غير الممكن أن تتوافق مواصفات ومزاجات الشاعرة مع مواصفات ومزاجات الأنثى، لكنني أحاول أن أتأقلم وهذا الشيء يتعبني كثيراً.. من السهل أن أكون أنثى، لكن ليس من السهل أن أكون شاعرة إلا بطقوس خاصة ومزاج خاص، ذلك هو الفرق. أحتاج لأن أحول المطبخ مثلاً قاعة أتلوا فيها الشعر، وهذا على صعوبته يرهقني لكنني أنجح في أحيان كثيرة. لا تنسى أنني ولدت في كوردستان، تلك المنطقة ذات الجغرافيا المفتوحة الحدود على كل ما يحيط بها، إضافة إلى أنني تلقيت تعليمي في المرحلة الإبتدائية في الجزائر، هذه كلها عوامل تركت آثارها على تكوين شخصيتي، وكانت بمثابة المشاكل التي أواجهها بإستمرار، فأن يكون الإنسان بداخله كل ذلك الكم الهائل من التعبير وعدم والإعتراف بالحدود بكل أنواعها وأن يحتوي كل ذلك البون الشاسع من التفتح وحب الإنفتاح على الآخر والتقرب منه، وأن يكون مشحوناً بكل أنواع الحب وأن تكون أنثى وأن تتعايش مع محيطين أدبيين كوردي وعربي، وأن تصطدم بإستمرار بالموانع والحدود الحواجز الدينية والإجتماعية والغوية والقومية والجنسية والأخلاقية المصطنعة والكاذبة، فكل ذلك يجعلها في مواجهة مستمرة مع المجتمع مرة ومع نفسها مرات أخرى، وتقع في مأزق المقارنات المميتة بين ما تريد كأنثى مرة وكشاعرة مرة أخرى وبين ما مفروض عليها في كلتا الحالتين من قبل المجتمع والمحيط الأدبي، وبين ما ترفض هي وما يرفضه المجتمع .. س: المرأة كند للرجل وككائن مستقل هما مسألتان طالما كان سعيك حثيثا لإبرازهما كقضية مهمة تريدين أن تقولين من خلالها شيئا محددا، هل أن هذه القضية تشكل حجر زاوية في البناء الفكري لقصائدك أم إنها مجرد تلميحات عابرة تنتهي مع إنتهاء جذوة الشعر التي تتقد مع مشروع كل قصيدة؟ كل قصيدة هي بحد ذاتها مشروع مستقل، ومن غير الممكن أن أتخذ من قضية واحدة حجر زاوية في البناء الفكري لكل قصائدي، لكن من الممكن أن أوظف قضية معينة في عدة قصائد، فكر الإنسان عميق وواسع وخصوصاً فكر المرأة والمرأة الشرقية على وجه التحديد، فهي ملئية بالكثير من الإنكسارات التي سببتها الكثير من العوامل منها إجتماعية، دينية، سياسية، رجولية، إنسانية , حتى عوامل لها علاقة بذاتها، لكن قلما أصور المرأة كند للرجل، بالعكس، أحاول قدر الإمكان أن أقرب بين الرجل والمرأة، أحاول أن أقربهما بحيث يتلاصقان في سطر واحد من قصائدي، وأن أعطي معاني أخرى لنوع العلاقات التي تربط المرأة بالرجل، فحتى علاقة العشق هي على أنواع، كلما نوعت في تصوير العلاقات التي تربط المرأة بالرجل كلما قربت بينهما .. كثيراً ما أنظر إلى الرجل الذي يضطهد إمرأة بشفقة، اجده لا يتقن ممارسة أجمل فن في الدنيا وهو فن الحب، وأحاول أن افهمه أنه مخطيء يجب أن لا يضطهد المرأة حتى يكون بمقدوره أن يحبها، لأن التجارب علمتني أن من يمارس العنف على غيره من غير الممكن أن يقع في غرامه يوماً، والرجل الذي يمارس العنف ضد إمرأة من غير الممكن أنه أحبها يوماً ولن يكون بإمكانه أن يحب إمرأة في حياته وهو يستحق الشفقة أكثر من غيره، هكذا تكون العلاقة بين الرجل والمرأة إذا كان ندين، لكنني كثيراً ما أتقصد ان ابتعد عن هذه الفكرة حتى لا أقع فريسة لإحساسي بأن أكره الرجل، حتى أستطيع أن أكتب أجمل ما لدي.. س: هل تخاطبين الرجل بصورة عامة أم إنك تخاطبين النخبة المثقفة؟ وقد تعلمين أن هنالك ثمة إشكالية حتى لدى المثقفين بخصوص الكثير من المواضيع المتعلقة بالمرأة وطرق حلها ومعالجتها؟ هل لازلت تعولين على"إلتفاتة كريمة" من حضرة الرجل كي يغير من عمى الالوان لعوالم الانثى؟ أم إنك ترين أن سعي المرأة نحو عالم خاص بها هو المستحيل بعينه ولاسيما من دون عون الرجل؟ لست من النوع الثوري لكنني كثيراً ما أتمرد لكن بطريقتي الخاصة، أنا من النوع الذي أرفض، لكن بطريقتي، ولا حتى أنني من النوع الذي يعتمد على غيره، المهم أن تتوصل المرأة إلى الفكرة التي ستؤمن بها وأن تقتنع بأن فكرتها صائبة، أنا أؤمن بأن المرأة ليست ند للرجل ولا حتى نقيضه، لكنني أرفض أيضاً تكون المرأة الجزء المكمل للرجل، بمعنى أن تكون المرأة الجزء الملحق بالرجل، وأن تكون المرأة الفرع ويكون مكانها الهامش، فأنا أكره أن أكون غصناً على شجرة، أتمنى أن أكون الشجرة نفسها، وهذه الأفكار إذا تأتي من إمرأة يصعب فرضها على المتلقي مالم يكن هناك رجل مؤمن مثلها بمثل تلك الأفكار، من هنا فإن خطاباتي في السابق كانت من التواضع بحيث كنت غالباً ما أخاطب الرجل وعقلية بصورة عامة، وهذا خطأ، فأنا لست مسؤولة عن الرجال الذين هم أساساً ولدوا بعاهة التفكير الخطأ وبعمى الألوان كما ذكرت، ولا حتى أجد نفسي مسؤولة من نساء ولدن بالخطأ نساء ويكرهن أنفسهن ويهنن إنسانيتهن، فغالباً ما تهين المرأة نفسها بالمناسبة، ويلعنن كونهن خلقن نساء، فهناك نساء يقبلن بظلم المجتمع بنفس المقدار الذي يمارسه الرجل على المرأة.. من هنا لست من النساء اللائي ينتظرن إلتفاتة كريمة من الرجل، بالرغم من أنني لست ثورية كما قلت، لكنني أميل إلى التمرد لكن بطرق غير عادية.. س: يقول دوستوفسكي: (إن حياة كل إمرأة، مهما يكن كلامها، ليست إلا بحثا أبديا عن سيد تخضع له.إن فيها ظمأ الى الخضوع.) أما فينوس فائق فتقول في قصيدة"الاحتراق": "لو لم كن أنثى لتمنيت أن كون شمسا لأنها أنثى أو شجرة لأنها تنتهي بتاء التأنيث أو لأنها خضراء مثل قلب المرأة أو زهرة ليقطفني رجل أو يضعني في مزهرية قلبه أو حتى تفاحة ليزرعني ويرويني و يكلني رجل" أليست هذه الروح الانهزامية في هذا المقطع الشعري هو إقرار كامل وصريح بتابعية المرأة وأصالة"السيادة"الرجولية؟ كيف تفسرين ذلك؟ ألا يبدو ذلك مثيرا للتساؤل ويبعث على الإستغراب؟! كثيراً ما أصاب بالإحباط من هذا الكائن الذي إسمه الرجل،والله لو كنت إمرأة لما فسرت المقطع الشعري على هذا النحو، بمعنى أدق لماذا يبحث الباحث والناقد الرجل في نصوص المرأة الكاتبة والشاعرة عن مواطن الضعف ويبرزها، وهي في نظره هو فقط منطقة ضعف، وهذا الشيء تفسيره عندي أن الرجل يجد قوته ويكتشف قوته عندما يشعر بضف المرأة، أي أن ضعف المرأة تقابله بشكل أوتوماتيكي قوة الرجل وليس لأن الرجل قوي من الأصل، رغم أن مفهومي القوة والضعف مفهومين إفتراضيين ونسبيين إن صح التعبير، فلماذا لا تبدأ بالمنطقة القوية في جسد النص، عندما أقول "لو لم كن أنثى لتمنيت أن كون شمسا لأنها أنثى أو شجرة لأنها تنتهي بتاء التأنيث أو لأنها خضراء مثل قلب المرأة أليس هذا إعتزاز وإفتخار بكوني أنثى وأنني لا أبدل أنوثتي إلا بالأشياء التي لها دلالات أنثوية مثل الشمس التي جنسها مؤنث في اللغة والشجرة التي هي الأخرى مؤنثة لأنها تنتهي بتاء التأنيث ولأنها خضراء مثل قلب الرجل، أما المقطع ألاخر الذي أقول فيه: أو زهرة ليقطفني رجل أو يضعني في مزهرية قلبه أو حتى تفاحة ليزرعني ويرويني و يكلني رجل" فهو دليل على أنني أرفع من شأن الرجل عندما أسمح له بأن يقطفني إن كنت زهرة، أنتم الرجال تفسرون قصائد المرأة كمن يفسر الآية ولا تقربوا الصلاة... بدون إكمال الباقي .. س: أرجو أن لاتذهبي بعيدا، نوال السعداوي مثلا، ترى في المرأة هي الاصل وحاولت ولاتزال تحاول أن تفرض مفاهيمها على عالم الرجال، لكنها"كأنثى" لاتساوم وتظهر شيئا من المرونة حيال الرجل، وأنا أرك تظهرين شيئا من ذلك، والسؤال هو، الى أي مدى تؤمنين بقضية تحرر المرأة وهل بإمكان المرأة أن تستغني عن الرجل"إفتراضا"إذا ماقادت الامور يوما لذلك؟ لماذا عندما يتحدث الرجال عن تحرر المرأة يضعون الإفتراضات؟، ثم هناك مسألة لا أفهمها لحد الآن، وهي أن الكثير من النساء والرجال على حد سواء عندما يتحدثون عن قضية يتحدثون وكأن الرجل هو السجان، وأود توضيح حقيقة مهمة، وهي إذا كان هنالك نماذج سلبية كثيرة في عالم الرجال فهنك في الوقت نفسه نماذج إيجابية يمكن الركون إليها، أنا أحاول أن أنظر دوما الى الجوانب الايجابية إذ أن نماذج مثل اللورد بايرون ووالت ويتمان وتوماس سيزر أليوت وجان بول سارتر مثلا، تشكل تراثا إنسانيا مشرقا من حيث عمومية نظرتها الانسانية في التعبير، أن تحرر المرأة لا يتم بالإبتعاد عن عالم الرجل، أنا لا أقول أن المرأة فقط هي الأصل، لكنني أقول أن لولا المرأة لما كان الرجل، فحتى الرجل فسيولوجياً، لسبب بسيط ربما هو سبب واهي وخالي من العلم وليس قائم على اي حقيقة علمية، لكن المرأة تحمل في أحشاءها الأنثى والذكر على حد سواء، يتغذى الجنين منذ أن يخلق في رحم الأم من ما تتغذى علبه الأم، ثم يخرج الجنين من بطن أمه ليتغذى من حليب الأم، ويتلقى سبعون بالمئة من تربيته الأسرية على يد الأم التي هي أنثى، فكيف تريد أن تثبت لي أن الرجل هو الأصل، هل لأنه فقط صاحب البذرة؟ حسناً لننظر إلى مسألة تحرر المرأة بمنظار مختلف تماماً، لأننا نحتاج غالباً إلى أن نغير النظارات، هل يعقل أن يساوي تحرر المرأة إبتعادها عن عالم الرجل؟ هل تستطيع المرأة أن تجسد معنى تحررها بعيداً عن الرجل؟ إذاً لو فكرناً بعمق الرجل هو الذي لم يتحرر بعد، الرجل هو الذي محاصر بأفكار يفرضها على المرأة، المرأة ولدت متحررة، لكن الرجل هو الذي يضع العراقيل أما هذا التحرر، وقبل ذلك يجب على الكثير من النساء أن يؤمنن بتلك الحقيقة، والتي هي أن المرأة تتحرر لكن من من؟ من اي شيء، ليس المهم أن أبتعد عن الرجل لأنال تحرري، المهم أن أتحرر وأنا في حضن رجل، عذراً للعبارة، لكن تلك هي الحقيقة، هناك الكثير من النساء يمارسن حقوقهن الشرعية لكن في الخفاء وتلك مصيبة، والشريك في تلك المصيبة هو الرجل نفسه، المشكلة تكمن في عقلية مجتمع بأسره، المرض يستفحل في جسم النظام الإجتماعي والديني والفكري وحتى الأخلاقي لمجتمع بأكمله، وما يزيد الطين بلة هو الفهم الحقيقي لمعنى التحرر، ما هو التحرر، هي هو المساواة بالرجل؟ أبداً التحرر شيء والمساواة بالرجل شيء مختلف تماماً، المساواة هي نهاية المطاف، والتحرر هي بداية البدء، لكن مع الرجل، الرجل بحاجة للتحرر أكثر من المرأة، المشكلة أن الكل يعتقد أن المرأة هي التي يجب أن تتحرر، لكن الحقيقة هي أن الرجل هو الذي يجب أن يتحرر، ثم أن تتحرر المرأة، لأن تحرر المرأة لا يقود إلى تحرر الرجل بل يعقد المسألة، بل تحرر الرجل هو الذي يمهد الطريق أمام تحرر المرأة، فطالما لا يتحرر الرجل من الأفكار القبلية المتخلفة والأمراض الإجتماعية والأخلاقية لن ينفع أي كلام في موضوع تحرر المرأة.. س: تقولين في قصيدة"أربعة رسائل بيضاء": " سلام على ظل الصوت سلام على صدى النظر" وفي مقطع آخر من نفس القصيدة تقولين: "كل الطرق في الدنيا تبدأ وتمتد وتنتهي إلا طريقا يأخذني الى قلبك لا إبتداء له ولا إمتداد له لأنه لم ولن يبدأ يوما" هذا العبث بالكلمات ومعانيها، هذا التلاعب والقفز فوق منطق الواقع، وجدناه عند بودلير ورامبو كما كان ملموسا في"قصائد عارية" عند حسين مردان تماما، وطرقته الشاعرة الايرانية المبدعة"فروغ فروغزاد"، ماذا يكمن وراء هذا العبث الفينوسي؟ هل هو مجرد كلام شعري يسير في مجراه عاديا ليجسد في نهاية المطاف بعدا مألوفا؟ أم قد تكمن العلة في غاية فكرية ورؤية فلسفية فيها شئ من الحداثة؟ ماذا تعني الحداثة إن لم تأتي بجديد، لا أقصد أنني آتي بجديد، رغم أن هذا الكلام به نوع من التواضع غير المحبب عندي، لكنني أقصد أن الشعر في حد ذاته فعل غير مألوف، لو كان مألوفاً لسمي مقالة وكلاماً آخر وليس شعر في كل الأحوال، أنا أكتب كل ما أحس به، الواقع هو عبارة عن لعب بالمشاعر واللأقدار وهو وضيفة الشعر هو إختلاق ذلك العالم الذي يحتوي كل ذلك الصراع والألم واللاجدوى وعدم القبول والرفض والتمرد، وظيفة الشعر هي التقليل من المعاناة عبر وسائل عدة من أهمها الكلمات، وأن يدخل المناطق الخطرة وأن بفتح أبواباً أغلقها المجتمع بقفل التقاليد، إنه نوع من إختلاق الطرق غير العادية التي تؤدي إلى عوالم غير عادية، من هنا تبدأ رحلة اللعب بالكلمات، لو لم أتقن فن اللعب بالكلمات لما كتبت شعراً وإكتفيت بكتابة المقالات، لكن الشعر شيء آخر مختلف تماماً عن المقالة والنص الجامد، إنه نص متحرك على حبال الكلمات، ربما هو عبث، لكنه عبث من طراز فريد، لا يتقنه سوى الشعراء، وحتى هذا اللعب بالكلمات هو الذي يخلق الأجواء التي توحي بوجود تلك العوالم التي تسميها بالفكرية والفلسفية والتي تحاكي الحداثة وحتى ما بعد الحداثة.. س: تكتبين بلغتين، هل أن فينوس التي تكتب بالكوردية هي غير فينوس التي تكتب بالعربية؟ وهل تجدين نوعا من التباين في أحاسيسك حينما توجهين خطابك الشعري بين اللغتين؟ اللغة بطبيعة الحال تسكن الإحساس، على الأقل عند الشاعر، لأنها وسيلته الوحيدة لأن يتجرع الواقع ويواصل رحلة اللاجودى، حسناً اللغة العربية تسكن بجوار المنطقة التي تسكن فيها اللغة الكوردية داخل إحساسي، عليه لا أجد الكثير من الفرق بين اللغتين من حيث عملية الكتابة، وإنما الصعوبة تكمن أحياناً في إنتقاء العبارات وصياغة ملامح الصور الشعرية باللغة كأداة وحيدة للتعبير عند الشاعر، هناك ما يقال باللغة الكوردية ولا يقال بالعربية والعكس أيضاً صحيح، الفرق بين عالمين تخلقه لغتين، الإحساس واحد، لكن بوابة التعبير تختلف، اللغة الكوردية لها خصائصها وملامحها الثقافية الخاصة بها، كذلك اللغة العربية، لذلك تجدني أحياناً أبدأ بكتابة قصيدة باللغة الكوردية مثلاً وربما بالعربية فأجدني أكملها باللغة الأخرى، لأن الصور الشعرية في خيالي لا لغة لها، وإنما اللغة تكون الوسيلة التي أخرج بها الصورة والإحساس، فألجأ أحياناً إلى العربية لسهولة إخراج الصورة الشعرية والتعبير عن الحالة، كثيراً ما أكتب قصيدة واحدة باللغتين لكن بعبارات مختلفة، كثيراً ما أكتب نصف القصيدة بلغة ونصفها الآخر باللغة الأخرى، وهذه العملية على تعقيدها ورغم أنها تتعبني، غير أنني أتلذذ وأستمتع بها، لأنني في كل الأحوال أكتشف العوالم الكامنة بداخلي بلغتين وهذه الحالة لا توجد لدى كل الشعراء والشعراء الذين يكتبون الشعر بلغة واحدة فقط، فتجدني أتنقل بين بساتين الكلمات في اللغتين بحرية إلى أن أستقر على ما يريحني عندما أخوض معركة قصيدة..
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |