الاستاذة سميرة عبد علي صالح مديرة المدرسة المسائية للبنات

المناهج التعليمية القديمة اهم معوقات الحركة التربوية

حوار: كوثر الكفيشي / بغداد

 

                           ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا

                                                           حتى نطاول في بنيانها زحلا

                           إن كان للجهل في أحوالنا علل

                                                           فالعلم كالطب يشفي تلكم العللا

                           ربوا البنين مع التعليم تربية

                                                           يمسي بها ناقص الأخلاق مكتملا

كلمات صادقة نطقت بها شفاه الشاعر العراقي الأصيل معروف الرصافي لكي تظل مناراً وحكمة معلقة في دواوينه للأجيال القادمة وبالأخص أجيال العراق التي ذاقت ما لم تذقه الأجيال المعاصرة لها هذه الأجيال التي تحملت الجوع والألم والفقر والعوز والآن تواجه الموت وتحدياته المؤلمة على كافة مستوياته وأشكاله.

العلم نور والجهل ظلام اقرأ أو فاغرق في الأوهام، هذا الشعار كان حافزاً قوياً لي لكي أدرس السادس الابتدائي ومن بعده الثالث المتوسط هذا العام ولدي رغبة جامحة بأن أتابع الدراسة إلى مراحلها العليا وأنا ابنة العشرين من العمر والفضل الأول والأخير يعود إلى مديرة المدرسة المسائية هذه التي استطاعت أن تحفزني وتقنع والدي بضرورة إتمام الدراسة إلى مستوياتها العليا، كان هذا ملخص حديث دار بيني وبين إحدى الموجودات داخل المدرسة المسائية للبنات في الكاظمية في بغداد هذا الوصف الرائع الذي قدمته لي هذه الطالبة شجعني على اللقاء مع المديرة سميرة عبد علي صالح و المعروفة باسم أم محمد والتي كانت خريجة معهد إعداد المعلمات ونتيجة لحصولها على عدة كتب شكر من المديرية حصلت على منصب الإدارة منذ التسعينات تقريباً بالرغم من أنها كانت أخت شهيد غير أن الجدارة التي أظهرتها في عملها أجبرهم على التغاضي عن هويتها الشخصية، هذه المرأة استطاعت أن تقهر الزمن وأن تربي ولدها اليتيم في زمن الإعصار كما استطاعت أن تهزم السلطة الزمنية بجدارتها، وهي اليوم لا تقنع بما وصلت إليه بل تحاول أن تغرف المزيد من بحر العلم من خلال انتسابها إلى كلية الشريعة ـ فرع التربية الإسلامية وهي حالياً في المرحلة الثالثة فبورك العراق إن كنت أنت ابنته المناضلة يا أم محمد و سيكون هذا شرف كبير وسرور عظيم لبنت الرافدين أن تلتقي بك وتفتح نافذة الحوار الحر والصريح معك فأهلاً وسهلاً بكِ.

الاستاذة سميرة: أهلاً وسهلاً بكم ويسرنا مجيئكم وزيارتكم لمدرستنا هذه.

بنت الرافدين: نحن نعلم بأن وقتك ضيق لأن كما عرفنا بأن الدوام فترته لا تزيد عن أربع ساعات تقريباً لذا سندخل في صلب الموضوع مباشرة ونبدأ بطرح الأسئلة الباحثة عن الأجوبة على حضرتك الكريمة بشكل سريع ومن دون أي مقدمات.

سؤالنا الأول هو: لا يخفى على حضرتك بأن الفرد هو أساس المجتمع، والأسرة هي عش الفرد و أساسه فكونك كنت معلمة ولا زلت كيف ترين دور الأسرة في تربية وتنشئة الإنسان السليم؟

أم محمد: علاقة الأسرة بالمدرسة هي علاقة متبادلة وهي كخيوط العنكبوت إن تمزق جزء منها انهار المنزل بأكمله، هكذا فللأسرة الدور الأول والكبير في تنشئة أبنائها وتعليمهم الأخلاق الحميدة وغرس مخافة الله عزوجل ومراقبته لهم في كل صغيرة وكبيرة، ومن ثم يأتي دور المدرسة في ترسيخ هذه المفاهيم وإعطاء العلم وإكسابهم المهارات والخبرات كل حسب مستوياته العقلية التي يتمتع بها، وهكذا فمن الخطأ أن نلقي التربية بأكملها على كاهل الأهل وحدهم أو على كاهل المدرسة وحدها بل هي علاقة كما قلت قبل قليل علاقة متبادلة من أجل إسقاء هذه البراعم الصغيرة وتغذيتها بالشكل السليم.

بنت الرافدين: كيف ترين ببصيرتك النافذة معوقات الحركة التربوية التعليمية في المرحلة الراهنة؟

الاستاذة سميرة: في نظري الشخصي أن من أولى معوقات الحركة التربوية الحالية هي المناهج التعليمية القديمة والمحدودة هذه من جهة ومن جهة أخرى حالة الأمن المتردية الراهنة التي تعيق وصول الطالبات إلى أماكن تعليمهن وأحياناً تكون هذه الحالة سبب في منع الأهالي من إرسال بناتهن إلى التعليم وبخاصة نحن المدرسة المسائية.

بنت الرافدين: ما هو تقييمك للحركة التعليمية بين الماضي والحاضر وهل باتت تسير نحو الأفضل أم سارت نحو التردي؟

الاستاذة سميرة: الفرق واضح كضوء شمس أيار هذه، فالتعليم في زمن النظام البائد كان مقتصر على غرس مفاهيم الحزب في أذهان التلاميذ من دون الاهتمام بالمادة العلمية ومستواها والنتيجة كانت تعتمد على مدى حصولهم على خريجين مواليين للحزب والثورة، أما في المرحلة الراهنة أصبح التركيز على شخص الطالب أولاً وتربيته وتنميته من كافة النواحي ثانياً والحصول على إنسان عراقي واع مثقف يخدم الوطن والمصلحة العامة ثالثاً وأخيراً.

بنت الرافدين: كما وضحنا لقرائنا قبل قليل بأن حضرتك مديرة لمدرسة مسائية، هلا حدثتنا بشكل مختصر حول هذه المدرسة من كافة أبعادها .

الاستاذة سميرة: إذا أردنا التحدث عن شروط القبول للطالبة فلا يوجد لدينا شروط معينة لأن هذه المدرسة أنشئت خصيصاً للذين تخلفوا عن ركب الدراسة بسبب الظروف المختلفة التي واجهت كل طالبة و بذلك تكون هذه المدرسة أتاحت فرصة ذهبية للطالبة التي تريد مواصلة تعليمها واللحاق بركب زميلاتها، أما من ناحية المواد الدراسية التي يتم تدريسها فهي مطابقة لمناهج الدراسة الابتدائية للمدارس الصباحية وأن الطالبة بإمكانها الحصول على شهادة الصف السادس بعد مشاركتها بالامتحان الوزاري المخصص لها من مديرية التربية.

بنت الرافدين: التسرب الطلابي هي مشكلة كبيرة أعانيها، هذا ما كنت تحدثيني به قبل بداية رحلة حوارنا هلا حدثتنا عن هذه الظاهرة الخطرة؟

الاستاذة سميرة: نعم، فالتسريب الدراسي هي مشكلة كبيرة عانيتها عندما كنت مديرة لإحدى المدارس الصباحية ولا زلت أعانيها والتي ظهرت بشكل واضح عند فترة الحصار الذي تعرض له قطرنا الحبيب فالظروف السيئة فرضت على الطلبة هذا التسرب وذلك للاشتغال في مختلف المهن وحتى مهنة التسول، ولكن بفضل بعض المنظمات الإنسانية التي بذلت جهوداً حثيثة من أجل تجميع عدد كبير منهم وإعطائهم الكثير من المساعدات وإدخالهم في مدارس خاصة تسمى ب(مدارس اليافعين) والتي يتم قبول الطلبة التي تتراوح أعمارهم ما بين 8 و 15 سنة غير أن هذه الجهود لا تزال ضئيلة مقارنة بالأعداد الطلابية المتسربة في الشوارع العامة.

بنت الرافدين: ما هو شكواك كمديرة بشكل عام وهل هناك رأي ما تودين إيصاله من خلال واجهتنا الإلكترونية إلى الجهات العليا؟

الاستاذة سميرة: في الواقع لدي مطلبان مهمان وهما :

الأول ـ هو بذل المزيد من الاهتمام بالمدارس المسائية و العمل على زيادة أعدادها وتوسيع دائرتها في كافة المحافظات وذلك لإعطاء المزيد من الفرص وبالأخص أمام الفتيات اللواتي حرمهن الدهر ونوائبه من مواصلة الدراسة.

الثاني ـ هو شكواي على طرق التدريس، حيث يجب علينا التخلص من الطرق التقليدية القديمة واللجوء إلى الطرق الحديثة المتبعة في العالم الحديث وذلك للنهوض بواقع التعليم و انتشاله من واقعه المتردي وهذه المسؤولية تقع أولاً وأخيراً على عاتق الدولة وذلك من خلال تنوير الجيل الماضي وتزويد الجيل الصاعد من المعلمين والمدرسين بهذه الطرق الحديثة.

بنت الرافدين: سؤال ربما يحمل بين طياته شيء من الفضول وهو هل اخترت مهنة التعليم المباركة ـ مهنة الأنبياء والرسل ـ عن رغبة وانسجام أم الظروف هي التي فرضت هذه المهنة السامية عليك؟

تبتسم أم محمد هنا وترفع نظاراتها عن عينيها وتنظر لنا بعينين أعادتهما الذاكرة إلى فترة السبعينات أي إلى فترة الريعان من العمر.

الاستاذة سميرة: في الحقيقة يا ابنتي كان طموحي في مطلع شبابي هو الانتساب للجامعة لغرض الحصول على شهادة البكالوريوس ضمن اختصاص الفرع الأدبي غير أن الحظ لم يحالفني آنذاك لأن معظم من دخل إليها كان معفي من المعدل بسبب انتمائه الحزبي أو عن طريق الوساطة، وهكذا فقد فرض الواقع علي اللحاق بمعهد إعداد المعلمات ومع مرور الزمن أصبحت شيئاً فشيئاً أهوى مهنة التعليم هذه وأعتبرها بحق مهنة إنسانية سامية وشريفة ومن ذلك الوقت شكرت الله عزوجل على هذا الواقع الجميل الذي فرض علي وخاصة عندما أرى الابتسامة التي ترتسم على شفاه طالباتي اللواتي يحصلن على الشهادة وهن يشكرنني على ما بذلته من الجهود في سبيل وصولهن إلى هذا الواقع الجميل.

بنت الرافدين: ونحن بدورنا أيضاً نشكرك على جهودك الميمونة التي تبذلينها في سبيل تنوير الدرب أمام فتياتنا العراقيات الذي تعاضد الزمن بكل قواه لإنهاكهن غير أنه بفضل جهودك و جهود أمثالك الخيرين سنرفع هذه الغمامة السوداء عن سمائها وسندع الشمس ترسل خيوطها الذهبية من جديد على واقع حياتها العراقي الجميل.

الاستاذة سميرة: أشكر جهود منظمتكم الجلية وأنا بدوري كنت ولا زلت أحث ولدي على تصفح موقعكم الجميل المثقف فلكم مني كل الدعاء و التمنيات بالتوفيق والاستمرار.