|
تحقيقات عندما يكون طلب العلم نقمة?! تحقيق: زينب الشمري (بنت الرافدين) / بابل كل شيء في العراق اصبح مختلفاً عما هو حوله .. وهذا الإختلاف امتد ليشمل جميع مرافق الحياة وحتى الماء والهواء هما مختلفان أيضاً. اهي العيشة التي تحدونا نحو الهبوط ام اننا فقدنا الصلة بالمعقول والمنقول. عمن نتحث ونقول عن احوالنا السياسية الرديئة أو اوضاعنا الثقافية والإقتصادية والإجتماعية التي اصبحت لا تطاق. فالأسرة العراقية ونتيجة ما مر به العراق من احداث مأساويه طبعت بصماتها على جوانب مختلفة من الواقع اصبحت تعيش في واقع متباين بصورة كبيرة عن نظيره في الدول الأخرى ومع حلول العام الدراسي الجديد نجد ان هناك هموماً ومشاكل تواجه العائلة العراقية وتعيش مكبداتها يومياً. والأم العراقية تكون في تماس مباشر مع هذه المشاكل بحكم تواجدها في المنزل وعلاقتها الدائمة مع اطفالها. بنت الرافدين اجرت تحقيقاً حول العام الدراسي الجديد وأوضاع الاسرة العراقية الاقتصادية، وتحدث مع عدد من الامهات العراقيات بالاضافة الى عدد آخر من افراد الاسرة التعليمية في بابل.
كل عام وانتِ بخير توجهنا بهذه الجملة إلى أم احمد (نهنئك بحلول العام الدراسي الجديد) وقبل ان نطرح عليها سؤالنا بادرتنا بالقول (كنت اتمنى ان يحل علينا هذا العام ونحن بحال أفضل من الحال السابق ولكن كما ترين فأوضاع البلاد باقية على حالها ان لم نقل انها عادت إلى الخلف). وعندما سألناها عن طبيعة المشاكل التي تواجهها بصفتها ام لولدين اكبرهم في صف الثاني الإبتدائي فأجابت: (بالنسبة لي فالوضع الإقتصادي ميسور والحمد لله وذلك لصغر عائلتنا واستملاكنا للمنزل الذي نعيش فيه وعمل زوجي في السوق ولكنني اخاف من تزايد حالات الخطف الذي يتعرض لها الأطفال الصغار عادةً او الحوادث الأمنية او ما شابه ذلك حيث يتولى ابو احمد ايصال (حمودي) إلى المدرسة صباحاً وأنا اعود به ظهراً وكما تعرفين بأن هذه العملية متعبة وهي ليست يوم او يومين بل على طول العام الدراسي. وكم اتمنى ان تعود ايام الصبا حيث كنا نقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام او الدخول في مستنقعات الوحل للوصول إلى المدرسة ومن ثم العودة منها بدون ان نلاحظ على وجه اهالينا علامات القلق او الترقب .. كم هي جميلة تلك الأيام وانشاء الله تعود من جديد).
تفائل اكثر.. ولكن! قلنا للسيدة ام بلال (كل عام وانتِ بخير)، فقالت لنا بإبتسامة عريضة تخفي خلفها الكثير من علامات الاستفهام: وانتم بخير وعساكم من عواده وانشاء الله ارى اطفالي واطفالكم وهم يحملون شهادات التخرج الجامعية. سألنا السيدة (ام بلال) عن المشاكل الإقتصادية التي تواجه اسرتها مع اطلالة العام الدراسي الجديد. فأجابت: (نحاول قدر الإمكان توفير كافة احتياجات ابنائنا المدرسية على الرغم من ان ذلك يكلفنا الكثير فلدي ابنتان في الإبتدائية والثالث في المتوسطة وهذا بطبيعة الحال يرهق كاهلنا كثيراً إلا اننا نحاول ألاّ يشعر ابنائنا بأننا نمر بضائقة مالية فكما تعلمين بأنهم لو علموا بذلك فسوف ينعكس سلبياً على ادائهم الدراسي). وتتابع السيدة ام بلال حديثها بالقول: (اكثر المصاريف تذهب إلى القرطاسية والمصروف اليومي فالمدرسة لا توزع عليهم دفاتر وقرطاسية بصورة كافية اضافة إلى انهم يوزعونها بعد بدء العام الدراسي بفترة ليست قصيرة ما يضطرنا الى شراء احتياجات ابنائنا من المحلات التجارية والتي عادة تكون اسعارها مرتفعة في هذا الوقت). وتناشد أم بلال المسؤولين في التربية بأن تكون عملية توزيع الدفاتر والكتب والقرطاسية قبل بدء الدوام بأسبوع على الأقل حتى (يجنبوننا المصاريف الإضافية).
قصة حزينة واثناء قيامنا بالتحقيق صادفتنا حالة محزنة جداً ولكنها ليست الوحيدة بل هناك العشرات او المئات من الحالات المماثلة في بلدنا. فصورة (ام مروة) مع ابنها (قاسم) تختلف كثيراً عن صورة (ام احمد) و(ام بلال) وعندما استفسرنا عن حالتها قالت: (قبل ثلاثة اشهر وبينما كان زوجي الذي يعمل مع احد التجار ذاهباً إلى بغداد لشراء بعض المواد التجارية تعرض له ارهابيون في الطريق واغتالوه مع عدد من المواطنين الأبرياء وهو كان المعيل الوحيد لأطفالي الثلاث فأضطررت إلى دفع ابني قاسم (12 سنة) للعمل في احد معامل الدبس). وتجهش بالبكاء وتقول: (يعز عليّ كثيراً ان يذهب اقرانه إلى المدرسة صباحاً في نفس الوقت الذي يذهب فيه (قاسم) الى العمل. وتعود بنا (ام مروة) بذاكرتها إلى العام الماضي حيث كان بيتهم عامراً بأهله مستنداً على زوجها الذي غيبته يد الارهاب الآثمة وتركوا هذه العائلة دون معيل تتلاطمها امواج الحياة الهائجة. ودّعنا (ام مروة) بآه طويله على واقعنا المرير الذي ما كان لنعيشه لولا السياسات الحقاء التي سار عليها النظام السابق.
الغرق في بحر الدائن والمدين المعلمة (م. ح) أيدت رأي النسوة العراقيات بالقول: (انا معلمة ولدي راتب شهري إلا أن هذا الموضوع (العام الدراسي) يسبب لي قلقاً شديداً ويربك ميزانيتنا العائلية فأنا لدي أولاد في المدرسة وعلى الرغم من أني علمتهم منذ الصغر على الإقتصاد وعدم التبذير إلا أنه في نفس الوقت احاول ألاّ احرمهم مما يحتاجون إليه من مصروف يومي وملابس أو دفاتر وقرطاسية). وتضيف لبنت الرافدين: (كما تعلمين ان الراتب الذي نتقاضاه يعتبر قليلاً مقارنةً بالمصاريف التي تزداد بصورة عمودية أثناء فترة الدراسة حتى أننا نؤجل أغلب المشتريات الأثاثية للمنزل أثناء فترة الدراسة لأن (الميزانية) لا تتحمل مصاريف الأولاد مع التأثيث فقد يغرق بنا المركب ونغرق في بحر الدائن والمديون).. وتتابع: (أتفهم الوضع الإقتصادي الصعب الذي يعيشه بلدنا والذي اطاح بالعديد من امنيات الأمهات العراقيات والذي شرع بمحو الصورة التي رسمت في اذهانهن عن فلذات اكبادهن وهم يحملون شهادات تخرجهم الجامعية، ولكني اضم صوتي الى هؤلاء النسوة في ضرورة قيام الدولة بواجبها وتوفير جميع مستلزمات الدراسة حتى نقول بملء الفم أننا نطبق مجانية التعليم).
حقيبة الهموم على طاولة المدير حملنا حقيبة الهموم هذه ونشرنا محتوياتها المؤلمة على طاولة الأستاذ (جواد كاظم علي) مدير مدرسة الأكرمين الإبتدائية الذي قال لنا: (في كل عام ومع بداية العام الدراسي الجديد اصدر تعليماتي الى زملائي في الهيئة التدريسية بضرورة السعي قدر الإمكان بعدم تكلفة الطلبة بالمصاريف الغير ضرورية والاقتصار فقط على الضروري منها وذي الحاجة الملحة وترك الكماليات). ويضيف لبنت الرافدين: (نحن أيضاً اصحاب العوائل وعندنا اولاد وبنات في المدارس ونعاني من المشاكل الإقتصادية كما هو الحال مع ابناء جلدتنا). وعندما سألناه عن السبب في تأخر تسليم الدفاتر والقرطاسية الى الطلبة وعن الجهة المسؤولة عن هذا التأخير؟ اجاب: (الوضع الأمني هو السبب في كل ذلك فالوزارة ومديريات التربية في المحافظة وادارات المدارس تسعى جاهدة لإيصال هذه المواد الى ابنائنا الأعزاء ولكن نتيجة الظرف الأمني الغير المستقر في بعض المناطق يحصل تأخر في استلام وتسليم هذه المواد). ويتابع: (بمجرد وصول القرطاسية والدفاتر والكتب نقوم بتوزيعها على الطلبة حيث نضع الدفاتر مع القرطاسية في حقيبة مدرسية ونقدمها الى الطالب .. وكل مرحلة لها تخصيصاتها حيث لا يحصل اي تجاوز او سوء توزيع لأنها امانة في اعناقنا). وحول الكتب التي يعاني الطلبة عادة منها بأن البعض منها قديم والآخر جديد، قال الاستاذ المدير لبنت الرافدين: (هذا الكلام صحيح ففي العام الماضي كنا نوزع الكتب بنسبة 50% جديد والباقي قديم اما هذا العام فسنوزع كل الكتب جديدة 100% حيث وصلتنا من الوزارة الكميات المطلوبة وهي الان في مخازننا). وعندما سألناه عن الزي الموحد والذي يشكل عبئاً اضافياً للاسرة قال الاستاذ جواد كاظم: (أن الزي الموحد هو هوية الطالب وعلى العكس من تصورات بعض الأهالي فإن الزي الموحد احد العوامل التي تساهم في ازالة الطبقية على الأقل من المدارس حيث يرتدي ابن الغني والفقير نفس هذه الملابس ومع ذلك فإن هذا الزي يطبق في مدارس البنات فقط وهو امر ضروري جداً للطالبة). ان الحال الذي وصلت اليه الأسر العراقية من ضنك في المعيشة يتطلب من القائمين على البلد بذل الكثير من الجهود للتقليل من الأعباء المتزايدة التي باتت تواجه العائلة العراقية حيث اصبح الوضع معرضاً للانهيار بمجرد مرور أي عاصفة، فقد تكون كالقشة التي تقصم ظهر البعير.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |