|
تحقيقات عيادات الأطباء.. بين فقدان الخدمات وغلاء الأسعار وإنسانية الطبيب تحقيق: جاسم فيصل الزبيدي، شهيد البركات تصوير: علي الزيادي هل تحولت مهنة الطب الى تجارة خاضعة للعرض والطلب؟ وهل أصبح الأطباء أصحاب مكاتب عقارات وليس عيادات تتصف بسمة الأنسانية؟ وهل تحولت العيادات الإستشارية الصباحية الى أماكن لقضاء ساعات الدوام الرسمي ليس الا دون الإهتمام بمعاينة المرضى؟ وهل باتت صالات العمليات في المستشفيات الحكومية بورصات للمتجارة بأرواح البشر؟ ما هو دور الجهات المسؤولة في مراقبة كل ما يجري؟ وما هو رأي نقابة الأطباء في ما يحدث؟. وفي المقابل يتسآءل الأطباء: ألسنا أفرادا في هذا المجتمع نتأثر بالغلاء المعيشي وارتفاع الإيجارات وغلاء المواد؟ ألم نكن اصحاب عوائل تريد أن تعيش مثل الآخرين؟ وماذا يفعل الطبيب وهو يتقاضى راتبا لا يزيد عن راتب عامل الخدمة في دوائر أخرى بل وفي دوائر صحية؟ لماذا تتجه الأنظار الى الأطباء فقط رغم ما يتعرض له الطبيب من ضغوطات حياتية وأمنية؟ أليس من واجب الدولة تأمين أبسط مقومات الحياة للطبيب لكي يترفع عن التفكير بالمال ويتجه لخدمة الطب فقط؟ أسئلة كثيرة حملناها ونحن نتنقل بين عيادات الأطباء من مختلف التخصصات والمختبرات الطبية وعيادات السونار والاشعة. اولى لقاءاتنا كانت مع الدكتور حسين علي موسى نقيب الاطباء في المثنى الذي حاورناه في غرفته المظلمة لأنقطاع الكهرباء ووضعنا امامه تساؤلاتنا الطويلة فاجاب: " قبل كل شيء اعتقد بأن مسؤولية الطبيب هي مسؤولية اخلاقية قبل ان تكون مهنية وعليه فما مطلوب منه قد يختلف عن المهن الاخرى، واننا كأطباء نشعر ونقدر معاناة المريض لأننا بشر ايضا ونمرض مثلهم، لكن لماذا تتوجه الاتهامات الى الطبيب دائما دون ان يشار الى معاناته؟ لماذا ينظر الى الجوانب المشرقة من هذه المهنة؟ هل تعلمون ان راتبي وانا طبيب منذ سبعة عشر سنة ونقيب للأطباء في المحافظة لايتجاوز الاربعمائة ونيف الف دينار؟ الا ترون ان هناك خلل واضح في النظام الصحي في العراق من حيث رفع المستوى المعيشي للأطباء؟ ويضيف الدكتور حسين " لااخفي عليك ان هناك حالات من الجشع لدى افراد قليلين من الاطباء ولا اريد هنا ان ابرر لهم او ادافع عنهم لكن هذه ليست حالة عامة بل ان هناك اطباء كثيرون لم يرفعوا سعر (الكشفية) رغم ارتفاع ايجار العيادات وارتفاع اسعار الوقود وارتفاع الاسعار في السوق المحلية ولازال اطباء كثيرون يتقاضون خمسة الاف اجور الفحص وانا واحد منهم. اما عن عدم اهتمام الاطباء في العيادات الاستشارية الصباحية فيجيب الدكتور حسين " تعلمون ان المراجعين للاستشارية الصباحية هم اكثر بعشرات المرات من مراجعي العيادات والدوام لدينا محدد ولهذا لانستطيع ان تتأنى في عملية الكشف نتيجة زحمة المراجعين وارهاق الطبيب ولااعتقد ان هناك تعمد مقصود في الامر ". وعندما سألناه في ان هناك اطباء يطلبون مبالغ مالية كبيرة لأجراء العمليات في المستشفيات الحكومية وهذا الاتفاق يتم في العيادات اجاب نقيب الاطباء " هذه الحالة وان لم يوجد دليل عليها ان صحت فهي خارجة عن اخلاق المهنة وانسانيتها ولااعتقد ان من تنزل به الاخلاق لهذا المستوى يستحق ان يسمى طبيبا واعود لأقول لم يتقدم احد بشكوى في حالة كهذه رغم ان ابوابنا مفتوحة وكذلك دائرة الصحة لديها تعليمات مشددة بهذا الصدد ". اما الدكتور ( صلاح شيال ) صاحب مختبر النور للتحليلات المرضية فقد اجاب على اسئلتنا قائلا " اتفق معك بأن هناك اطباء يتقاضون اجور كشوف عالية بعض الشيء لكنهم قليلون ومعظم الاطباء لدينا ينظرون بعين الاعتبار لحالة المرضى المعيشية، اما عن التحليلات المرضية فأننا نقوم بها بأجور بسيطة جدا،صدقني بعض التحليلات التي نرسلها الى بغداد تكلفنا اكثر من عشرة الاف دينار في حين نأخذ من المواطن سبعة الآف دينار مقابلها ". وعند سؤالنا حول الاطباء والطبيبات الذين يتقاضون اجور عالية على العمليات رغم انها في المستشفيات الحكومية اجاب شيال " انا اتحدث عن مايخصني كطبيب تحليلات وهذه الحالة لا اعرف عنها شيئا اما لو اردت الجواب كحالة انسانية فأنني ارفضها بشكل قاطع ولا اتصور مستوى اخلاق وضمير الطبيب الذي يتعامل بهذا الشكل ". وعن مستوى التحليلات المرضية قال الدكتور صلاح شيال " لدينا اجهزة ممتازة للتحليلات في الوقت الحاضر ولكن بعض التحليلات تحتاج الارسال الى بغداد وذلك للكلفة العالية جدا للأجهزة ". الدكتور سامر عبد الرحيم ( طبيب اسنان ) اجاب عن اسئلتنا بكل صراحة قائلا " نحن اطباء الاسنان الاجور لدينا متواضعة ولانأخذ اجور كشف فقط عندما نقلع سن او نضع حشوة اما تبرير بعض الاطباء بارتفاع الايجارات ووقود المولدات فهي واهية ولامعنى لها فما يتقاضاه بعض الاطباء لايتناسب قطعا مع الحالة المعيشية للمرضى وعلى من يفكرون بهذه الطريقة من الاطباء ان يعلموا ان لديهم عوائل وقد تمرض فهل يقبلون ان يدفعوا هكذا اجر؟. وعن تقاضي بعض الاطباء اجور عالية مقابل العمليات اجاب الدكتور سامر " نعم هذه الحالة موجودة ولكنها قليلة وأنني اعتبر من يتعامل بها تاجرا وليس طبيبا "
وللمرضى رأيهم المراجعون لعيادات الأطباء أغلبهم من الطبقات الفقيرة وبسطاء الناس وكان لهم رأيهم في هذا الشأن. حاتم مسير احد المراجعين التقيته أمام عيادة الدكتور (.....) فقال بحسرة " عيادات الأطباء تفتقر الى ابسط مقومات الراحة حتى للناس الأصحاء فما بالك بالمرضى؟ حيث لا يوجد فيها ماء للشرب وأخرى ليست فيها مروحة ونحن مقبلون على فصل الصيف، أما المرافق الصحية فنادرا ما تجدها في عيادة طبيب. أما المراجعة (حياة ) فقد أجهشت بالبكاء عندما سألتها عن تعامل الأطباء مع المراجعين قائلة " لقد جلبت ابنتي قبل نحو شهر الى مستشفى الولادة وهي في حالة وضع فقالت لي الدكتور (س) لا تدخل صالة الولادة الا عندما تدفعين مبلغ مائة الف دينار ولم يكن معي و لم تنفع معها توسلاتي وأنا أم، فهل هذه هي الأنسانية؟. أحد المرضى قال " بصراحة لا يمكن أن نضع كل اللوم على الأطباء فالدولة مقصرة أيضا في دعم القطاع الصحي وخصوصا الأطباء فأنا أعرف طبيب يتقاضى راتبا أقل من راتب المنظف، فأين هو احترام المهنة لدى وزارة الصحة؟ ولماذا نطالبهم بالأنسانية ونحن غير انسانيون معهم؟ أليس من حق الطبيب أن يوفر مستوى معين من العيش لأسرته؟ مريض آخر قال " أنني أراجع كل اسبوع تقريبا وأجرة الكشف عند الطبيب الذي أراجعه عشرة آلاف دينار وليس لدي اي مصدر رزق فماذا أفعل؟ وحتى زرق الأبرة اصبح لدى بعض المضمدين بـ ( الف دينار ). مريضة أخرى قالت لي أن بعض الطبيبات لايجرين عمليات الولادة الا للنساء اللواتي كن يراجعهن فقط فتقول الطبيبة للمريضة " لا أستطيع اجراء عملية الولادة لك لأنك لم تراجعيني سابقا وانتظري طبيبتك التي كنت تراجعينها " وأخيرا فبين هموم وشجون المرضى والمراجعين وبين شكوى الأطباء وما يشعرون به من عدم انصاف من قبل الجهات المسؤولة وبين من يرى أن مهنة الطب باتت غير انسانية وتزيد المريض مرضا، وآخر من يقول أن الطبيب هو انسان قبل كل شيء وعليه متطلبات اجتماعية إذ لا يمكن ان نطلب منه أن يكون ملاكا...! لكن المشكلة تكمن في الحلول.. فأين هي الحلول؟ هل هي بيد دائرة الصحة أم بيد نقابة ألأطباء؟ أم هي بيد المريض اذ يجب عليه ان لا يمرض وأن مرض فعليه أن يكون غنيا لكي يراجع عيادات الأطباء...!! أم هي بيد الأمهات اللواتي يلدن في عيادات الطبيبات فالأحرى بهن أن يلدن في بيوتهن أو لايكلفن أنفسهن مشقة الأنجاب أصلا..!!! هناك من ينتظر الحلول قبل أن يقضي عليه المرض.. وهناك طبيب يرى أن المجتمع يقسو عليه دون أن يعطيه حقه أو ينظر لما يعانيه.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |