|
لقاءات الكاتب العراقي يوسف ابو الفوز: فضائيات النفط العربية سطحت الفكر وعادت بنا للعصر الظلامي المشروع النهضوي العربي تراجع ولم يسقط
حوار: زهية منصر يوسف ابو الفوز او يوسف هداد، الذي اضطرته الظروف الكتابة والنضال تحت اسم مستعار، مبدع ناشط سياسي عراقي مقيم في فنلندا، ارخ لتجربة الاسر العراقي في استونيا، وما زال يعيش على الحلم العراقي الجميل في بناء دولة حديثة بعيدا عن الطائفية وتصفية الحسابات الامريكية في المنطقة. وبين النضال السياسي والبحث عن الهوية، الى النضال الثقافي في الغربة الباردة، ما زال يوسف ابو الفوز ذلك الذي يؤمن دائما ان الغد اجمل من الامس. · أنت قريب من اليسار العراقي ماذا يمكن أن يضيف هذا الاتجاه لنضال العراقي في ضل سقوط كل المبادرات التقدمية العربية؟ ـ انطلاقا من ايماني المتفائل بالمستقبل، واستنادا الى خبرة مسيرة تطورات المجتمعات البشرية، التي تسير الى الامام دائما، شخصيا افضل استخدام تعبير "تراجع" وليس "سقوط"، فالامر عندي مختلف تماما. هذا التراجع اجده شمل المشروع الفكري التنويري وكذلك نشاط الحركات السياسية التقدمية ـ وعلينا الاعتراف بأنه تراجع كبير ـ، وارى ان لهذا التراجع اسباب عديدة ومتشابكة، موضوعية وذاتية. وارى ان النهوض من هذا التراجع سيستغرق فترة زمنية ليست قصيرة. فالتراجع ـ يا سيدتي ـ شمل حياة مجتمعاتنا في كل زاوية. هناك تراجع في تفاصيل حياة مجتمعاتنا وقيم التنوير والحداثة والديمقراطية، ولا غرابة ان نتلمس يوميا تنامي الفكر الغيبي والظلامي والسطحي الذي تروج له اكثرية فضائيات النفط التي انتشرت كالفطر، وصارت برامجها السطحية ومسلسلاتها المفبركة مصادرا للمعرفة بدلا من الكتب. وسط كل هذا ـ بالنسبة لي ـ ارى ان قوى اليسار هي خير مرشد ليس للمواطن العراقي، بل ولكل مواطن في منطقتنا. · يتهرب المبدعون غالبا من تهمة السياسي لكنك تجمع بين لإبداع الأدبي و النضال السياسي؟ ـ في عموم ما يسمى بالمنطقة العربية، ومنها العراق، وعينا على ان هناك تعارض دائما بين ما هو سياسي وثقافي. احد الاسباب الاساسية لذلك كما اعتقد هو ان السياسي لا يريد من المثقف سوى ان يكون اداة اعلامية تابعة له. ازالة هذا التعارض يحتاج الى تغيير شامل في عموم الذهنية السياسية والية التعامل مع المثقف. وفي جانب من القضية، ارى ان الامر يتعلق بالمثقف نفسه: هل يبقى قابعا في برجه العاجي منتظرا نزول الوحي على رجال السياسة لاستيعاب قدرات المثقف بشكل صحيح؟ الا يمكن للمثقف بنفسه ان يشارك في تطوير الية تعامله مع المؤسسة السياسية والعمل لان يكون فاعلا لا تابعا؟ الا يمكن العمل من خلال اطارات ثقافية حقيقية وحيوية تلم شتات المثففين وتنسق وتوحد طاقاتهم؟ على صعيد تجربتي الشخصية، وانطلاقا من كون اليسار العراقي قدم الكثير لصالح الثقافة العراقية، وحاول وعبر تأريخه ان يردم الثغرة ما بين السياسي والمثقف، وجدت مكاني المناسب بين صفوفه للعمل كناشط سياسي يساري يؤمن بالديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والسلام، حيث يمكن لي ممارسة نشاطاتي السياسية باشكال مختلفة. · كيف عشت تجربة الأسر في سجون استونيا؟ ـ ان كنت عارضت في الاسئلة السابقة بعض المفردات التي وردت في سياق الاسئلة، اجد نفسي هنا اوافقك تماما على استخدام كلمة "الاسر". نعم، فنحن في استونيا كنا اسرى في حرب غير عادلة. القصة يا سيدتي بدأت في ايار1993 حين القت السلطات الاستونية القبض على عدة مجاميع متفرقة من العراقيين، بلغ عددهم حوالي المئة. كانوا رجالا ونساءا واطفالا وشيوخا. جاؤا عبر روسيا في طريقهم الى بلدان الشمال الاوربي بحثا عن سقف امن، هاربين من حروب نظام صدام حسين ومن بطش اجهزة نظامه الديكتاتوري الشمولي. ولانهم لا يحملون تاشيرات سفر قانونية ولا جوازات سفر حقيقية، وجدوا انفسهم في السجون الاستونية العادية سوية مع المجرمين واللصوص، وكنت شخصيا من ضمنهم. وكانت معاناة شديدة للجميع، حيث عشنا في ظروف غير انسانية، وكنا نكافح من اجل تأمين صلتنا بالعالم الخارجي. من بعد احتجاجات عديدة واتصالات مع منظمات انسانية وبرلمانات اوربية، وحملة تضامن نظمها معنا اليسار العراقي، وبعد شهور طويلة من اسرنا، اضطررنا لتنظيم اضراب عن الطعام، من نتائجه ان فنلندا قبلتنا كلاجئين لاسباب انسانية. · أنت أيضا عضو في منظمات ثقافية فلندية انطلاقا من هذه التجربة كيف يرى الاروبي الثقافة العربية؟ ـ يمكن النظرالى الاوربيين بشكل عام على عدة مستويات. هناك الاوربيون الواقعون تحت تاثير الاعلام الامريكي الرسمي والصحافة الصفراء، وما يحمله هذا لهم من اخبار ومعلومات ارتباطا بنشاطات الجماعات الدينية المتطرفة التكفيرية والارهابية، التي جعلت البعض يربط بين الثقافة العربية، والاسلام والارهاب. هذا القطاع من الاوربيين للاسف صارت مساحته تتسع اكثر، ارتباطا بتوسع واستمرار نشاط الجماعات الارهابية والتكفيرية وبعجز اعلامنا الرسمي ومؤسساتنا الثقافية في عكس الصورة الايجابية لثقافة منطقتنا. من جانب اخر نجد قطاع من الاوربيين ينظرون باحترام وتقدير الى الثقافة العربية ومنجزاتها. فليس مستغربا انك خلال حوار مع اوربي تجده يعرف اسماء مبدعينا ومثقفينا كجبران خليل جبران، نجيب محفوظ، يوسف ادريس، الطاهر بن جلون واخرين. لا تنسي ان المواطن الاوربي يقرا كثيرا، والية طباعة الكتب الجديدة والترجمة من الثقافات الاخرى نشطة. · ما هو رأيك حول ما يثار حول الصدام بين الثقافات؟ ـ نظرية الصدام بين الثقافات او الحضارات، بأعتقادي وجدت لاسباب عديدة، منها خدمة العولمة الراسمالية والحكومات ذات السياسات العدوانية مثل حكومة اليمين الجمهوري في الولايات المتحدة الامريكية. فهذه الانظمة الراسمالية تسخّر كل شئ من اجل اهدافها الربحية والنفعية، ومن ذلك الترويج لنظرية صدام الحضارات. نتيجة لذلك نجد الان هناك نوع سائد من الثقافة الاستهلاكية له قدرة على تهميش الثقافات الاخرى وعدم التفاعل مع الثقافات المحلية. ان الثقافة الكونية باعتقادي هي مجموع الثقافات القومية منسجمة ومتكاملة في انماط معرفية مختلفة، وهذه تقف الى جانب قيم الانسان العليا، في سعيه من اجل العدالة الاجتماعية والحرية والسلام والتقدم. · ما هو دور النخبة العراقية التي عاشت في المهجر في واقع العراق اليوم؟ ـ النخبة العراقية التي عاشت خارج العراق لفترات طويلة، قطاع منها، اغتنت تجربته السياسية والثقافية كثيرا من خلال الاحتكاك بالاخر والثقافات الاخرى. بعد سقوط نظام صدام حسين الديكتاتوري، كان المنتظر نقل هذه الخبرة والتجارب، او جزء منها وتوظيفها لما فيه خير العراق. للاسف الذي جرى ان بعض النخب السياسية، التي عادت من الخارج، استطاعت ان تتربع على مواقع السلطة، بينما النخب الحقيقية، والمثقفة خصوصا، لا تزال مهمشة، وخارج الحسابات لتأخذ دورها الحقيقي والمناسب في اعمار البلاد، فلقد ترك نظام صدام حسين تركة ثقيلة من الخراب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البلاد ز · البعض يدعو إلى عزلة العراق عن الوطن العربي و الاتجاه نحو الغرب؟ ـ في العراق لا يزال الصراع محتدما بين التيارات الفكرية والسياسية، حول مستقبل العراق، فلحد الان لم يتحدد شكل الدولة النهائي، رغم ان الدستور العراقي الجديد حدد ان العراق الجديد هو نظام جمهوري دمقراطي اتحادي " فيدرالي ". ان كون العراق سيكون دولة دمقراطية فيدرالية لا يعني هذا خروجه عن محيطه العربي الاسلامي. هل السعي لان يكون العراق بلدا ديمقراطيا سيحوله الى بلد غربي؟! العراق يحوي تنوعا قوميا ودينيا كبيرا، اكرادا وتركمان ومندائيين ومسيحين واشوريين وايزيدين وشبك وغيرهم، فهل اذا نال هؤلاء حقوقهم عبر النظام الفيدرالي والديمقراطي سيجعل العراق ينفصل عن محيطه الاسلامي العربي؟ لا توجد مثل هذه الدعوة بين اوساط النخب السياسية العراقية، فالعراق لا يزال عضوا فاعلا في " جامعة الدول العربية"، رغم ان هذه المؤسسة بحاجة الى اصلاح جذري، ومن ضمن ذلك ما يتعلق بالمفاهيم والتسميات والقوانين، فالاقليات القومية في البلدان المنظمة الى الجامعة العربية، هي شريك له حقوق سياسية وثقافية وساهمت بالتضحيات برسم تاريخ المنطقة، فلابد ان تجد حقوقها مسطرة في قوانين ودساتير بلدان المنطقة. كما ان الحديث عن العزلة في ظل العولمة وثورة الاتصالات يبدو شيئا غير منطقيا.
عن صحيفة الشروق الجزائرية اليومية
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |