|
لقاءات أخذنا على جناح فراشة...ونثر البنفسج من أصابعه .. نصير شمه .. تربع على عرش من الموسيقى
زينب الربيعي – أبوظبي جدارية الحياة، الشيخ وأنا، بين النخيل، مصير واحد، عاشق الروح، زمان النهاوند، فوق النخل، ارض الإسراء، بنفسج الأصابع، مولانا جلال الدين الرومي ومسك الختام كانت مقطوعة على جناح فراشة . حث الهمة فينا، تفاءلنا، أخرج منا حزنا عتيقا، اجتر انتماءنا للماضي، سرنا في دروب بغداد في يوم ربيعي عبقه قداح وقت الغروب، ينذرنا بشباب دائم لا ينضب عطاؤه واندفاعه، ذكرنا بطفولة وصبا دافئين وكأنهما لا يمتان بصلة لحالنا الآن.. إنه يدعونا للرجوع لذلك الدفء المفقود . ذلك ما صنعته بنا أنامل وروح وموسيقى نصير شمه، في الأول من نيسان في حفل رائع مع "اوركسترا الشرق" التي تضم 60 عازفا على مختلف الآلات الموسيقية الشرقية، قدموا من مختلف البلدان، في قصر الأمارات في ابوظبي . وبتواضع لافت أشرك نصير شمه بعضا منهم في عزف منفرد لإظهار مواهبهم حتى صار أقلهم نصيبا، ولم ينس أن يعرف بهم جميعا . كان لي هذا الحوار معه بعد أن أبدى ترحيبا بابتسامة ودودة على الإجابة عن أسئلتي وإن كانت مطولة و مكررة ، وإن كان وقته ضيق . · تُشرف الآن على بيت العود العربي في أبوظبي الذي أُسس في شباط من هذا العام، وبرغم هذا أشركت مجموعة من عازفيه في "أوركسترا الشرق" ، فهل كانوا مؤهلين للمشاركة فعلا أم جاءت ردا على ضيافة أهل الإمارات المعهودة ؟ بدأ تدريب الطلبة قبل الافتتاح منذ نوفمبر 2007 وعملنا مع مجموعة من الشباب بشكل يومي متواصل وكانت لديهم خلفيات موسيقية لذلك أسسنا عليها، ومنذ البدء أردنا أن نضعهم على الطريق الذي ينتظرهم وأن يشاركوا بمسؤولية الحفلات وكيفية الاستعداد لها ولذلك عملوا بشكل دءوب طوال الأشهر ما قبل الحفل . ويمكن المجاملة في أي شيء إلا فيما يتعلق بعلاقتنا مع الجمهور ، وقريبا سيقدم طلبة بيت العود في ابوظبي حفلا خاصا بهم يظهر الشوط الذي قطعناه معهم والمستوى الذي وصلوا أليه . · عزفت "عاشق الروح" لعبد الوهاب، وغنى خالد سليم "بلاش عتاب" لعبد الحليم، وأدخلت "الرقصة المولوية " المعروفة في المولد النبوي في مصر .. هل فرض عليك ذلك ؟ أم مجاملة منك لإخواننا المصريين ؟ أم جاء سدا لنقص في فقرات حفلك ؟ لا هذا ولا ذاك . أنا أضع البرنامج على حسب الزمن الذي أتحاور فيه مع إبداعات الآخرين . تراث أم كلثوم وكل الكبار لم يعد ملكا لأحد بل هو تراثنا جميعا وجزء حقيقي من وجداننا الفني الذي تأسس على أغاني عبد الحليم وأم كلثوم وعبد الوهاب وناظم الغزالي وسليمة مراد . وبالتالي لم يعد تراثا مصريا أو عراقيا أو شاميا بل هو تراث الجميع . أما بالنسبة للمولوية فهي كما قلت في الحفل يرجع أصلها إلى مولانا جلال الدين الرومي ، وهو إرث إسلامي تركي عاش بين مصر والشام ، وهو جزء من التقاليد الإسلامية الصوفية . لم يكن هناك نقصا بل العكس كانت هناك مؤلفات جديدة حجبتها عن التقديم لأجل خلق تنوع واحتفاء بالإرث المشترك للأمة العربية والإسلامية وتقديمها للغربيين . · أنت تختزل الكثير فيك .. تحلم وتفكر وتحزن وتبدع . بيتان للعود في القاهرة وأبوظبي ، فرقة عيون للتخت العربي في القاهرة، وأوركسترا الشرق، تشرف عليهم جميعا . لو طلب منك الإشراف على بيت آخر في بلد عربي آخر فهل ستفعل ؟ ألا يرهقك جسديا وفكريا العمل المتواصل ؟ ألا يؤثر على إبداعك ويأتي على حساب حياتك الخاصة ؟ بلا شك يؤثر هذا كثيرا على حياتي الخاصة أولا وعلى المنجز افني ثانيا . لكن أن تضيء شموعا هنا وهناك هو أيضا إنجاز، ربما سنجد من سيواصل هذا المسار ويتألق فيه كثيرا خصوصا عندما تتعدد أعداد الشباب العاملين في هذا المجال . لدينا بيت عود آخر في الجزائر ولدينا مشروعين قادمين في السودان وفي الأقصر لبيت العود . ولكن أنا أنظم وقتي بما لا يصبح هذا العمل أو ذاك عبأ حقيقيا، وعندما أقدم عازفا بعمر 14 سنة ويصبح أصغر مدرس لآلة العود وبمهارة عالية وحين قدمت بآخر حفل طفل عمره 9 سنوات يعزف بحب وشغف كبيرين، بذلك يكون الاستثمار الفني في الناس هو إبداع آخر لا يستطيع كل عازف سوليست ( عازف منفرد ) أن يقدم تلاميذ على مستوي عال من الأهمية بل ربما تكون هذه نادرة . أما على مستوى المنجز الإبداعي الشخصي فطلبتي أصبحوا عائلتي الكبيرة وتأتيني لحظات وأنا بينهم أضع عملا أو أكثر في جلسة واحدة . فالعمل وسط أسرة متحابة - وهذا ما يفسر تسمية مدرستي بيت العود – يخلق أجواء فيها الكثير من الروحانيات التي تترجم إلى أعمال إبداعية . وكل الوقت الذي وضعته على طلبتي من بغداد وعمان وتونس والقاهرة والجزائر وابوظبي ، أشعر بأنه وقتا مشرفا لأننا نصنع أحلام هؤلاء ونحقق جزءا منها ونترك لهم طريقا يواصلوه حاملين معهم مستوى فني يؤهلهم للعزف على أي مسرح في العالم والتدريس كذلك . فأنا أريد أن أرى شجرا عظيما وكثيفا من الموسيقيين تمتد إلى كل أرجاء العالم . آنذاك سنطرد الكره والتطرف والتعصب وكل الأشياء السلبية التي يكتسبها الإنسان من محيطه . · كيف تقيم دور المثقف العراقي في الوضع الراهن، وكيف تعلق على ثقافة الكلمات البذيئة الرخيصة لإيصال الاحتجاج والرفض على ما يحصل في العراق والتي صار لها أتباع ومريدون، فهل يحق لهم ذلك ؟ إن كلمة وصفة مثقف لا يمكن أطلاقها جزافا على أي شخص يعمل في الوسط الثقافي . المثقف هو القادر على التأثير بالسلوك الجمعي للبشر، والمثقف هو الذي يدرك بحدسه الخلاق مستقبل الشعوب، وهو الذي يستطيع أن يدفع جموع من البشر إلى مناحي فكرية يصعب على الآخرين ولوجها ، والمثقف الذي نتحدث عنه يندر تماما وجوده في هذا الزمن وبهذه المواصفات، أما من يعمل داخل الوسط الثقافي هناك من يريد أن يحقق الصفات التي ذكرت ويعمل بصمت وبمثابرة وأصبح لهؤلاء دورا لا بأس فيه، وهناك من تمردوا ووقفوا على الجزء السلبي من الكلام اليومي المحكي الذي يمارسه عامة الناس وبالتالي أصبحوا خارج حظيرة الفكر وقيمة الإنسان الذي يخدش من كلمة غير لائقة . إن من يمارس لعبة البذاءة في الكلام لا يمكن أن يكون قد امتلك أبسط أسس القيمة الثقافية وبالتالي لا نستغرب أي قول يصدر منهم . · ُذكر في حوار سابق بأنك ملتزم بالصلاة والصوم، في حين أن غالبية المثقفين والفنانين يتباهون في إلحادهم أحيانا، أو يرون بأن الالتزام الديني يتنافى و التحضر وعصرنه كل شيء أحيانا أخرى . ما هي رؤيتك للدين الإسلامي من منظور الفنان ؟ العبادة هي فتح حساب بين الإنسان وخالقه ، وكلما نضع في هذا الحساب من رصيد سيستثمر لاحقا . أنا أصلي لأن الله منحني تكوين متكامل وموهبة وحب الناس وزوجة وبنت .. ماذا يريد الإنسان أكثر من ذلك كي يقول شكرا وبطريقتنا كما يريد الله ، نقول له شكرا خمس مرات في اليوم عبر الصلاة . وكي يبقى هذا الحساب مفتوحا لابد أن تنهانا هذه الصلاة عن الكثير مثل الغيرة والحسد والنفاق والكذب وغيرها من الخطايا . · تتكلم عن والدتك "رحمها الله" وكأنك تعزف الكلمات، فهل هي المرأة الوحيدة المؤثرة في حياتك؟ أعتبر أن أمي ( رحمها الله ) كانت هي الرحمة الحقيقية لي في الحياة لأن الله يستجيب لطلباتها وكأنها أوامر . هي المرأة الأكثر تأثيرا في حياتي . · تقول : " الحلم يفقد صبره مثلنا نحن البشر، إن لم نغذه بمقومات بقائه أضحى هباء وذهب إلى أدراج النسيان " . العراقيون صبروا كثيرا ولم يعد لهم أحلام . بماذا توصي أهلك وناسك في العراق ليخرجوا مما هم فيه ؟ نعم إن صبر العراقيين قد طال ومازال علينا أن نصبر، لكن الذي يقرأ في التاريخ سيجد أن هناك فترات مظلمة مرت على شعوب ربما أكثر بكثير مما تمر به اليوم أمتنا، وكتب التاريخ لم تسجل لها غير عدة أسطر لوصفها . نحن في امتحان عسير، وعلينا أن نجتازه بنجاح ونخرج منه بعبر، أولها عدم إلغاء الآخر والتسامح الحقيقي والمحبة البعيدة عن المصالح والعمل من أجل مستقبل هذا البلد الذي ورثنا منه حضارة عريقة وجينات قوية وتربة خصبة وماء عذب . علينا أن نثبت بأننا جديرين بكل ما منحنا الله إياه وأن نعمل يدا بيد بعيدا عن التمييز في العرق والطائفة والدين والقوميات . العمل من أجل الإنسان كقيمة عليا . · قاطعا وعدا على نفسك بأنك لن ترجع إلى العراق وفيه احتلال اميركي ،هل تظنه سيزول إلى الأبد ؟ ألن يبقي قواعد راسية في العراق ؟ ألن يصبح ذلك احتلالا مبطنا ؟ لدي حلمي عن بغداد وعن العراق ولا أريد لأي جهة أي كانت أن تهشم هذا الحلم سواء أكانت احتلال أو اقتتال عرقي أو طائفي . لذلك لن أتمكن من رؤية بغداد وهي مكبلة ولا أتصور نفسي وسط جنود ملونين يحددون اتجاهي ويقطعون عني مسارات أحببتها، ربما كانت لي حبيبة فيها أو ذكريات . لذلك كان موقفي ضد الاحتلال والتدخل الأجنبي واضح منذ اليوم الأول كما كان ضد الديكتاتور . · توقفت كثيرا عند عبارة صدرت منك سابقا : " صدام كان عادلا في ظلمه، فالكل أخذ نصيبه من ظلمه بالتساوي " . لو آمن الجميع بذلك، لما تكلم الكثيرون بتعصب طائفي على حساب التعصب للوطن . كيف تصف الظلم الذي يقع على العراقي الآن ومن جهات عديدة هذه المرة وليس من ديكتاتور أوحد ؟ في كل زمان قضى التعصب والتطرف والديكتاتورية على آمال شعوب بأكملها لذلك حين قلت أن صدام كان عادلا في ظلمه كنت أريد من جميعا أن لا ننظر إلى الوراء مجددا بل نحاول أن نجد سبيلا للخروج من الجراح التي أثخنت جسد العراق بها على مدى ثلاثة عقود من الزمن وتوجت باحتلال وبتمزيق داخلي . صدام لم يعاد إلا من وقف ضد مشروعه وهو الحكم المطلق، لذلك لم يفرق بين كردي وعربي وتكريتي إلا بحكم ولائهم له وكذلك عقابهم . أما الوقت الراهن الذي يعيشه العراق فهذا كان مصدر خوف لنا حتى في زمن صدام . وحين كنا نتحدث ما بعد صدام كنا مجرد التفكير في هذا الأمر يشكل حالة رعب كون أن البلد أصبح خاليا من الرموز التي يمكنها أن تدير البلد بنظم ديمقراطية أو نظم تلاءم الشعب العراقي . لكن المصالح ولعبة الكراسي التي مورست منذ مجيء الاحتلال إلى الآن أعطت لمخاوفنا شرعيتها بأن القادم لن يقدم للعراق مشروعا واحدا بل جاء بأجندة وضعت له أو مسير عليها . الأمل الآن بالجيل الجديد الذي نتمنى أن ينظر بجدية لما يحصل ويملك دفة التغيير للعمل من أجل قيمة الفرد العراقي دون أي اعتبار آخر، ووضع رؤية إستراتيجية لمستقبل العراق وسط أمته وعالمه والكون الذي لا يرحم الضعيف . رغم كل هالة السواد التي تحيط بسماء العراق أرى أنه سينهض قريبا عراق جديد بعيدا عن الاحتلال والتطرف أو أي توجه يرسم له من خارج حدوده . http://zainab-alrubaee.maktoobblog.com * نشر في العدد 30 من مجلة الاسبوعية
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |