|
لقاءات الباحث كورش أرارات عاشق الطبيعة والطيور
يوسف أبو الفوز النظام الديكتاتوري المقبور هدم البيئة العراقية بشكل كارثي لا يمكن تصوره إعلامنا الحالي في العراق قاصر في التعامل مع موضوع حيوي كالبيئة ثمة انواع من الطيور المستوطنة مهددة بالانقراض وتحتاج الى الحماية معروف جيدا أن العراق من البلدان الغنية من حيث التنوع البيولوجي وغنيّ بانواع مختلفة من الطيور . ولاسباب عديدة ، صار العراق ملاذا للعديد من الطيور ، التي جعلته على خط هجرتها الرئيس قادمة من سيبريا وغرب اوربا مرورا الى الجزيرة العربية وافريقيا . فالعراق ممر يابس هام بين البحر المتوسط والخليج العربي، فهو بالنسبة لانواع كثيرة من الطيور دافيء بين المناطق الباردة الشمالية والحارة الجنوبية ، مما يجعل كثير من الطيور ومن مناطق مختلفة تقصده اضافة لتوفر المياه والمساحات الخضراء . جرائم النظام الديكتاتوري المقبور الكارثية ، لا عد لها ، وطالت البيئة العراقية ، فراحت كثير من الطيور المستوطنة تهاجر من بلادنا ، وصارت العديد من الطيور الزائرة تغير من مسار خطوط هجرتها لتتجاوز العراق . ثروة العراق البيئية لا تزال في خطر ، والصراعات السياسية العراقية هي من يتصدر اهتمامات الدولة والمشهد الاعلامي . لكن هناك جنودا مجهولين كرسوا وقتهم وجهدهم للمساهمة في بناء العراق الجديد على اسس علمية ومتينة . في مدينة السليمانية ، كان لنا لقاء مع واحد من هؤلاء . شاب متوقد الحماس ، يتحدث بحيوية وحماس وهو يعرض لنا مجموعة من الصور تبين عمله في ظل ظروف مناخية مختلفة وقاسية . ويضحك بهدوء وهو يروي لنا مواقفا طريفة تعرض لها مع سكان القرى ، وهم يرونه يخوض في الطين والثلج وحقول الالغام يحمل كاميرته ، يتجول هنا وهناك باحثا عن اقتناص صورة، او متتبعا ودراسا لسلوك طائر معين لو اصطادوه لا يشبع قطة . كان الاول على دفعته في كلية العلوم في جامعة السليمانية عام 2006 ، وعمل فترة معيدا في كليته ، لكنه ترك الوظيفة المغرية والراتب المجزي ليلتحق بمشروع بيئوي يهتم بدراسة الطيور في العراق وكردستان . كان لنا حوار ممتع ، مع باحث شاب موهوب وطاقة علمية واعدة بالكثير يحتاجها بناء العراق الجديد ، ويثير الاعجاب بطموحه وافكاره ونشاطه ، ويتمنى المرء ان يحذو الكثير من الشباب العراقي حذوه ، كقدوة طيبة في التفاني والابداع : * اولا لنعّرف القاريء ببطاقتك الشخصية ؟ ـ اسمي كورش ارارات مجيد ، مواليد مدينة السليمانية عام 1983 ، درست في كلية العلوم ، قسم البايولوجي ، وبعد تخرجي عام 2006 ، ولكوني الاول على الدفعة تعينت معيدا في نفس الكلية . * لكن لماذا تركت الوظيفة المغرية والراتب المجزي ، وكيف انتقلت الى عمل فيه مشاكل وتعب وعوائق ايضا ؟ ـ انا احب الطبيعة ، مثل كل افراد عائلتي ، وكنت اتابع باهتمام ، ومن خلال نشاط والدي في" جمعية بيئة كردستان" ، اوضاع البيئة في كردستان والعراق والعالم عموما ، وكنت المس الحاجة الى كادر علمي في تطوير النشاطات في مجال البيئة . حين اعلنت جمعية بيئة كردستان عن مشروع مشترك مع الجمعية العالمية لحماية الطيور، اخذت اجازة لعدة سنوات بدون راتب من الجامعة ، والتحقت بالمشروع كباحث ، وارسلت الى دورة تخصص انجزت في سوريا عام 2006 ، ومعها دورة خاصة للتصوير، وما ان بدأت عملي حتى بدأ يأسرني بتفاصيله وعالمه الساحر . صار لي شغف كبير بعالم الطيور . راح يكبر كل يوم ، ولم يعد يهمني ما هو الراتب بقدر تحقيق نجاحات في عملي . * ومالذي يدفعك اساسا الى ذلك ؟ ـ حبي لهذا العالم الساحر، لان فيه امكانية للابداع ، لانه حيوي وغير تقليدي ، فيه روح البحث الحي والمراقبة والاكتشاف ، فلحظة ان تحقق نتيجة ملموسة ، مدروسة بشكل علمي ، تنسى كل ما قاسيته وانك لايام كنت تخوض في الطين والبرد . تجد انك نلت ما تريد ، وهذا يمنحك الكثير من الرضا . * وما هو عملك تحديدا ؟ ـ مشروعنا الحالي يتعلق بالتنوع الاحيائي في كردستان ، وهو مرتبط بالتنوع الاحيائي في العراق وعموم منطقة الشرق الاوسط . وعملنا بشكل عام يهم المياه والحيوانات والطيور . انا تخصصت بعالم الطيور الذي صار يشغلني كثيرا. حين بدأت العمل كان مجرد اعمال تصوير، جرد وتشخيص لانواع معينة من الطيور . وثم وجدت اني اقوم بعمل ليس رتيبا وعاديا ، بل فيه تحديات عديدة ، فيه شيء من تفرد ، وهناك علاقة متينة بالطبيعة ، وهناك عوائق كثيرة يتطلب تجاوزها من اجل تحقيق نتيجة ما . * حدثنا أكثر عن ظروف العمل وأهم هذه العوائق ؟ ـ العمل يكون عادة ميداني وفي كل انواع الطقس ، من برد ثلج ومطر ، ، وبدون توفر اجواء راحة ، احيانا نسير عشر ساعات على الاقدام مع نقص في مستلزمات عديدة ، ويتطلب منا احيانا البقاء 18 ساعة في نفس المكان ، ومن ذلك ان نكمن طول الليل في ظل ظروف صعبة من اجل اقتناص صورة او رصد تفاصيل حياة طائر . واحيانا مع كل هذا التعب لا نحصل على شيء . فعلينا الصبر وتكرار المحاولة . مرات نجد ان المنطقة التي يتطلب العمل فيها هي منطقة مزروعة بالالغام من ايام النظام الديكتاتوري ، وامام حرصنا على الحصول على نتيجة نغامر ونتوجه اليها . اضافة الى عدم تفهم البعض لعملنا ، مثلا بعض سكان القرى ، فينظرون لنا بعين الشك وهم يروننا نحمل كاميراتنا ونتجول نبحث عن طائر معين . ومن اهم العوائق في عملنا هو قلة المصادر العراقية عن الطيور . اننا كثيرا ما نعتمد مصادر اجنبية ونبذل جهود شخصية في الحصول عليها . * وماذا انجزتم لحد الان ؟ ـ في عام 2007 رصدنا وشخصنا 120 نوع من الطيور ، وعام 2008 كانت الحصيلة 187 طائر . وهذه كلها نرصدها ، ونصورها ، ونشخص خطوط رحلاتها ونتابع حياتها والظروف المحيطة بها ، والمخاطر التي تواجهها . وانجزنا عام 2006 دليل حقلي لطيور العراق ضم اكثر من 207 نوع من الطيور ، مع صور ومعلومات في مراحل مختلفة من حياة كل طائر . وانجزنا دليل للاطفال باللغة العربية والكردية ضم 30 طيرا مع الصور والمعلومات . وشاركت شخصيا بعدة مؤتمرات دولية عن التنوع الاحيائي في الاردن وسوريا وبريطانيا وقدمت فيها بحوثا انجزتها عن انواع مختلفة من الطيور . اضافة الى تقديمي شخصيا لمحاضرات في عن طيور كردستان مع البحث عن ظروف حمايتها والحفاظ عليها . ولدي مشاريع وافكار عديدة ساحاول انجازها . * واين ترى الاهمية في عملك لعموم البلاد ؟ ـ اي بلد لابد ان تكون لديه معلومات دقيقة عما يدور في داخله . عن ثرواته ، عن حياة الناس والحيوانات والطيور. أن البيئة العراقية ، والاحياء بشكل عام ، بحاجة الى ان توجد عنها معلومات دقيقة وعلمية ، لتساعد على خلق تصور صحيح عن حياة البلد وثرواته . المعلومات الدقيقة تساعد على تخطيط جيد . الان هناك مجموعة من الطيور مهددة بالانقراض عالميا ، ونعمل الان بالتنسيق مع مشاريع عالمية للحفاظ عليها ، فالعراق وكردستان تقع ضمن خطوط رحلاتها وهجراتها . وعلينا ان نعرف معلومات دقيقة وعلمية لتكون مساهمتنا رصينة في خدمة الانسانية وحفظ هذه الانواع من الانقراض . * وهل عملكم حكومي ، ويرتبط بوزارة ما ؟ ـ منظمة طبيعة العراق ، التي نعمل معها ، هي منظمة غير حكومية ، وتمويلها من وزارة البيئة الايطالية . حظيت بدعم معنوي حكومي من وزارة البيئة ، لكنها تعمل بشكل مستقل ضمن علاقة تنسيق مع مؤسسات معنية، كالجامعات ومنظمات البيئة . * وكيف ترى احوال البيئة العراقية ، حاليا ؟ ـ النظام الديكتاتوري المقبور، هدم البيئة العراقية بشكل كارثي لا يمكن تصوره ، والحكومات العراقية الحالية بحاجة الى ايلاء اهتمام كبير وخاص لتطوير ومعالجة البيئة العراقية . وارى ان وزارة البيئة ، والمؤسسات المعنية ، بحاجة الى تخصيص موارد مالية اكثر لحماية البيئة ، وان يكون لها برامجها وخططها لاعداد كوادر متخصصة لتنفيذ هذه البرامج. فمثلا المصادر العلمية قليلة ولا تتوفر امام العاملين في حقول البيئة، وهناك عموما قلة في العاملين في هذا الجانب ، لان الدعم المالي محدود ، وبما ان الامور مترابطة مع بعضها ، فلابد للحكومة ان تضع خططا مترابطة. هناك الان ثمة انواع من الطيور المستوطنة مهددة بالانقراض وتحتاج الى موازنات وبرامج خاصة لحمايتها، ونحن بحاجة الى التشديد في قوانين الصيد والمتاجرة بالطيور، وغيرها كثير. * وكيف يتعامل الاعلام العراقي مع موضوع البيئة بشكل عام ؟ ـ هذه احد مشاكلنا الملموسة . اعلامنا الحالي في العراق قاصر في التعامل مع موضوع حيوي كالبيئة . اذ لا توجد مجلة متخصصة بالبيئة ، أو بالطيور . ولا توجد برامج تلفزيونية متخصصة بعالم البيئة والطيور ، بينما كل هذا نجده في الدول المتقدمة والمتحضرة . ومن خلال حركتي ونشاطي المس ان غالبية الناس لا يعرف شيئا عن الطيور حوله وفي محيطة وما هو واجبه نحوها ونحو الطبيعة وكيف نحافظ عليها ، وأهمية ان نتوقف عن صيد انواع معينة منها لان ذلك يهددها بالانقراض . اني ارى الى جانب تنشيط العمل الاعلامي بشكل مدروس ، يجب ان تكون لنا دروس ومعلومات بيئية في المدارس ، وفي مراحل مختلفة من الدراسة ، ليكون لمجتمعنا ثقافة بيئية حقيقية . *وماذا يستوهيك شخصيا في عالم الطيور ؟ ـ يهمني ان اعرف عن اي طائر كل شئ يتعلق به . شكله ، سلوكه ، حياته ، اسراره ، وطرق ترحله وهجرته وموطنه واحاول ان اوصل كل هذا الى الناس لتشاركنا معلوماتنا . و اتابع حياة الطيور المستوطنه والزائرة ، وتستهويني جدا الطيور المهاجرة . اتتبع بأهتمام خطوط رحلاتها ، ولدي افكار ومشاريع لتتبع بعضا منها الى مواطنها الاصلية . يعجبني جدا ان الطيور لا تؤمن بالحدود ، وانها تحب وتعشق الحرية . * وأي طائر يشدك اليه أكثر ؟ ـ عالم الطيور عالم ساحر ، فيه الكثير من الجمال والأسرار والغرائب . و بشكل عام انا متعلق بكل الطيور ، فكل طائر لديه شيئ مختلف يجعلك تحبه. ولكني ايضا افضل طيورا معينة لاسباب معينة . مثلا يشدني اليه جدا طائر "العقاب الذهبي " Golden Eagle، والامر هنا ربما فيه جوانب روحية ، فهو يقيم في كردستان العراق وكردستان تركيا ، موجود كل السنة في المنطقة ، فبيئته الملائمة هي الجبال سواء كانت عارية او غابات او ذات شجر ، فبامكانه ان يعشش على حافة الصخور. هذا الطائر قوي وذكي جدا ، وهو طائر جميل بشكل أخاذ ، لونه بني غامق وخلف رقبته رقعة ذهبية من الريش ، شديد المواصلة في الطيران وسريع وبصره حاد .
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |