صالح البدري جوهرة الفن العراقي

رحيم الحلي

لم اكن اعلم ان الكتابة في المواقع الالكترونية ستجمعني بفنان كبير مثل المخرج والكاتب صالح البدري، حين كتبت مقالة استذكارية عن الفنان الراحل كمال السيد، واذا به يشارك في اغناء الموضوع واضاف للموضوع كثير من المعلومات القيمة، لكني حزنت كثيراً حين وجدت ان هذه الجوهرة بعيدة عن عيون الناس التي احبها، وعن الوطن الذي عشقه، يعيش بهدوء وصمت منزوياً في الاصقاع الاسكندنافية بين الثلوج التي لم يألفها، لكن قلبه مازال دافئاً بالمحبة، ولازالت قناعاته صلبة، متمسك بقناعاته التي لم تهتز يوماً، يمسك بيديه جمرة الحنين للوطن، ومبادئه التي لم تتغير، يتألم وهو يرى حجم الخراب الفكري وحجم العذابات التي يعيشها الناس في وطنه المحتل، لكنه متمسك بالامل ولم تغب احلامه في رؤية مسرح مزدهر .  

جاء الى الدنيا عبر بوابة الابداع الازلية مدينة الناصرية عام 1945، مقيم حاليا في النرويج، حصل على بكالوريوس فنون مسرحية بتقدير جيد جدا، مدرس للتربية الفنية في الناصرية عام 1971، مخرج  في إذاعة الكويت عام 1980، أخرج للمسرح في العراق الدب لتشيخوف، الفيل ياملك الزمان لسعد الله ونوس، حفلة سمر من أجل 5 حزيران لسعد الله ونوس، الطريق لعلي عقلة عرسان، ماريانا بنيدا للشاعر الاسباني لوركا , لويش وشلون وإلمن ليوسف العاني، سيرة أس / بنيان صالح، التجاويف الحضارية المغلقة لصالح البدري، المعلم لصالح البدري، مامش موت لصالح البدري، سيناريو ! آيار إعداد صالح البدري، إنشودة الحياة لرشيد مجيد، أوبريت أبو الهيل / كاظم الركابي، أوبريت جنيات الوادي لقيس لفته مراد، أمام الباب لفولفجانج بورشرت، ستربتيز لسلومير مروجيك، المهرج لمحمد الماغوط، مروان يبحث عن حظه  لصالح البدري، إختطاف وزير لفوزي الدغمي، مثل في المسرح العراقي الخرابة ليوسف العاني، تموز يقرع الناقوس لعادل كاظم، النخلة والجيران لقاسم محمدالصخرة لفؤاد التكرلي، عرس الدم للشاعر الاسباني لوركا، المؤسسة الوطنية للجنون لسميح القاسممحاكمة الرجل الذي لم يحارب للشاعر السوري ممدوح عدوان، سترتيب تيز تاليف سلومير مروجيك، التجاويف الحضارية (مونودراما)  صالح البدري، صبوحة خطبها نصيب / فكرة بهجت مصطفى بهجت / صالح البدري .

مثل للتلفزيون العراقي

مسلسل : الناعور  لعلي حسن البياتي، كل للصوجر ( سهرة ) زينب، مسلسل : أين الحل لعلي حسن البياتي تلفزيون الكويت، مسلسل : الى أبي وأمي مع التحية لطارق عثمان، مسلسل : رقية و سبيكة لمبارك الحشاش ولمؤسسة الأنتاج البرامجي المشترك في دولة الكويت، شارك في كتابة برنامج  إفتح ياسمسم  الجزء الثاني والثالث وكذلك شارك بكتابة برنامج سلامتك و أخرج بعض من حلقاته الأذاعية  وبرنامج قف المرور، أعد وشارك بتقديم برنامج عالم المسرح / القناة الثانية / تلفزيون الكويت، شارك كممثل في فلم الحارس إخراج الفنان خليل شوقي إنتهى من تصوير الفيلم النرويجي (حسن) وباللغة النرويجية .

كتب للمسرح

التجاويف الحضارية / مونودراما، مامش موت عن ثورة العشرين، أحلام زيدان : للآطفال، مروان يبحث عن حظه  ترجمت الى النرويجية للأطفال، داليا واللعبة - ترجمت الى النرويجية – للأطفال، حفلة سمر من أجل زرقاء اليمامة أخرجها  د. حسين عبد القادر ليوم المسرح العالمي، وعلى قاعة المسرح الجامعي في القاهرة المعلم في إنتظارغودو (الفصل الثالث، حمار محترم جدا، حكاية مخلص بن تعبان /إعداد عن الطاعون / البير كامي، صبوحة خطبها نصيب : عرضت في الكويت واليمن وتونس والقاهرة ولندن فكرة بهجت مصطفى بهجت .

 كتب للأذاعة

تمثيليات ريفية / الأذاعة العراقية 1968، مسلسلات درامية وبرامج إذاعية كثيرة ومتنوعة / إذاعة الكويتمسلسلات درامية إذاعية / إذاعة الأردن، كتب المقال السياسي، كتب في النقد المسرحي والفني كتب القصة القصيرة والشعر، له روايتين مخطوطتين، نشر له باللغة النرويجية بعض القصائد في الصحف شارك بألقاء قصائده باللغة النرويجية في أمسيات مختلفة.

الجوائز المسرحية

جائزة الأخراج الأولى / أوبريت أبو الهيل 1971

جائزة الأخراج الأولى / اوبريت جنيات الوادي 1972

جائزة الأعمال المتكاملة الأولى والممثل الأول

/ مسرحية ستريب تيز / تأليف مروجيك / يوم المسرح العالمي / البصرة /1972

شهادة تقديرية للتأليف / مهرجان قرطاج / تونس/ مسرحية صبوحة / 1985

تحدث  الفنان صالح البدري عن بداياته :

البداية الفطرية : نحضره أنا وصديق لي من ديالوجات  إرتجالية، مقلدين فيها ممثلي السينما، و نحاور من خلالها صورة ممثلة معروفة على سبيل المثال ونقوم بتأدية الأدوار المناسبة وبالشكل الفطري  .

 دراسة المسرح في بغداد :

و جاءت اللحظة المناسبة والولادة  الحقيقية، يوم إلتحقت في المعهد المسرحي وذلك للدراسة، وكان ذلك عام ألفٍ وتسعمائة وأربعةٍ وستين،  عامُ البداية مع المسرح وبالشكل العملي،  وبعد أن  دفعني الفضول لمتابعة التمارين المسرحية التي كان يجريها الفنانون على خشبة المسرح في متوسطتنا، متوسطة الجمهورية للبنين، وكنت أتابعها بشغف وأتواصل في الحضور للفرجة فقط . حتى عرض علي الفنان الراحل مهدي السماوي أن أقوم بدور البطولة في مسرحية مدرسية و بمناسبة  الأحتفال بيوم المعلم وبدور المعلم عام أربعة وستين، وتواصلت المشاركات وبدأ رصيدي يكبر من الأدوار المسرحية وخلال عام . حيث مثلت إضافة الى دور المعلم، مسرحية خالي الجعيدة، بدور الخال، من تأليف وإخراج فاضل خليل وشاركني التمثيل الفنانون : راجي عبد الله وحسين جاسم وشهيد زيدان وعادل عبد الصاحب . ثم مسرحية كل شي موزين تاليته الندم من تأليف الفنان الراحل حميد نذير والذي أخرج أيضاً مسرحية ست دراهم للفنان يوسف العاني ومثلت فيها شخصية علوان أبو القلاي وكذلك  مسرحية أوديب ملكاً بدور رئيس الجوقة، ومن إخراج الفنان الراحل مهدي السماوي وتمثيل فاضل خليل وعادل فليح الخياط وغيرهما . كذلك مسرحية باكوس من تمثيل عبد الجبار العبودي وجمال عبد الكريم وفلاح الجيلاوي بدور باكوس وكذلك مهدي السماوي الذي كتب المسرحية وأخرجها وغيرها من الأعمال .

توجهت اليه بمجموعة من الاسئلة :

سؤال: ماهي ظروف نشأتك في الناصرية ؟

***********************************

الجواب :

 من ضمن ما حفز بي حب الجمال وحب الفن والأقبال على الحياة هو :  محلة البؤس التي عشت فيها ومحبتي لناسها . ثم أنني كنت من المترددين على دار السينما ومنذ نعومة أظفاري . وحيث كان الراحل عمي يعملُ في دار سينما الأندلس فيها، لأتابع وبشغف سلسلة الأفلام المختلفة ولأتأثر بما كنت أراه وخاصة الأفلام الهندية وما تعرضه من رقصات وقصص رومانسية ميلودرامية وكذلك بعض الأفلام العربية والعالمية،  إضافة الى القصص الشفاهية والمروية، والتي كنت أسمعها وعائلتي عن طريق أحد أقاربي على موقد النار في الشتاء، ولما لها من سحر وخيال كقصص من تراث ألف ليلة وليلة وغيرها، علماً أن أنه كان أمياً. ثم القراءة الأدبية التي كنت أستمتع بها في إدارة معمل طابوق أبو جداحة للراحل هادي عجام، حيث كان يعمل والدي، وحيث عثرت على كنوز من الصحف التي كان يستخدمها " الشواعيل "  لحرق الطابوق الخام المعمول من الطين " اللبن، بكسر اللام والباء"  كي يُجَهز ويدخل في عملية البناء والى اليوم، والتي كانت تنشر على صفحاتها الشعر والقصة والخاطرة  . مما خلقت عندي عادة حب القراءة، فكنت أدخر مصروفي اليومي لأشتري مجلات الأطفال مثل سمير والسندباد وميكي ماوس وغيرها، وقد كنت محظوظاً آنذاك وأنا في الصف الخامس الأبتدائي، عام ثورة تموز التحررية، أن أعثر على المكتبة العامة في المدينة، وكأنني أعثر على كنز . وقد كنت متلهفاً لقراءة الكتب . وحيث نصحني وقتها الأستاذ الراحل صبري حامد، مديرها، وقدم لي بعض القصص القصيرة للفتيان وكذلك للمنفلوطي وجبران خليل جبران، و بأن أقرأ ما يناسب عمري، وقد شجعني الأستاذ كريم توفيق، مدرسنا في اللغة العربية وفي الأول متوسط حين كان يطلب من  زملائي الطلاب أن يصغوا لما أكتبه في درس التعبير . ولم أنس ما كنا  نحوخلال عام، ثم دور الفنان الغائب كاظم الخالدي والذي ساعدني في تحضير مشهد الأختبار والتدرب عليه لتقديمه الى لجنة الأختبار.  ولا أنسى أنني بدأت بكتابة الشعر الشعبي مبكراً وقد نشرت بعضاً من أشعاري في مجلة الناصرية في مدينتي العزيزة، وجريدة كل شئ والتي كانت تصدر في العاصمة الحبيبة بغداد . إن وجود النشاط المسرحي في الستينيات وكذلك وجود الفكر الماركسي وأحساسي الفطري والمبكر بالفوارق الطبقية الحادة و تلك المرحلة السياسية التي أفرزت الكثيرين من المثقفين من أبناء المدينة وحبهم للحرية والديمقراطية والأستقلال ومن خلال التظاهرات الأحتجاجية أو التضامنية وإنفجار ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، وما حققته من منجزات في فترة قصيرة من عمرها الذهبي، كانت هي روافد  حقيقية  للتأثير في ظروف نشأتي وتكوين شخصيتي في هذه المدينة الحبيبة.

***********    

سؤال: ماهو الذي دفعك للأخراج ؟

************************************************

الجواب : ليس كل من درس فن الأخراج صار مخرجاً، فهناك عدد كبير من طلبة الفنون المسرحية لم يُعرف أنهم صاروا مخرجين أو حتى أنهم قد غابوا عن الساحة المسرحية، ولم يكن لديهم أي طموح لأغناء دراستهم وإختصاصهم هذا و أكتفوا بأن يكونوا موظفين فقط ولم يجتهدوا.  إذن فالدافع الرئيسي هو حاسة أنتقاد وتفسير الواقع الأستاتيكي والرغبة في تفسير الأحداث وتعميق الرؤيا لكشف التناقضات الحياتية مع التركيز على جماليات المواقف وقدسية الكلام والأنحياز الى جانب الحقيقة والخير والجمال،  ومواجهة الشرور ورموزها . وكنت في جميع أعمالي الأخراجية، ألجئ الى نبش النص المشهدي لا النصي الأدبي فقط،  لأبحث عن المعادل الموضوعي للحياة وتفسيرها تفسيراً علميا ً وواقعياً متأثراً أيضاً بلغة المخرج العالمي وفلسفته في إختيار الأطر والأشكال للتعبير عن تجربته المسرحية وتعزيز رؤياه  وتجاربه المسرحية   . وهذه  برأيي هي وظيفة المخرج المسرحي وكذلك المخرج السينمائي والمخرج الأذاعي على حد سواء . فالمخرج الأذاعي مثلاً وكما يقول "أريك بنتلي"  في مؤلفه ‘‘ وسائل الأتصال بالجماهير‘‘  وحين يتحدث عن السرد الأذاعي إذ يقول : هنالك ثلاثة وسائل لتحقيق السرد الأذاعي لدى المخرج الأذاعي وهي :  الحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية . ويقصد بنتلي  إن صورة السرد الأذاعي عند المخرج الأذاعي هي صورة تجسيد وتفسيرالصورة الأذاعية التي يتمكن المخرج في رسمها وتجسيدها للتلقي عن طريق العين والدماغ والسمع أيضاً وليس الصوت فقط .  وأذكر أنني في عملي مع الفنان الراحل كمال السيد، وفي أوبريت جنيات الوادي على سبيل المثال، كنت قد طلبت منه، وقد أبدى إستعداده وسروره، أن يؤلف لي بعض المقطوعات الموسيقية التعبيرية التي تترجم حالة بطل الأوبريت جيرون،  لملأ بعض الفراغات الحركية والتعبيرات النفسية التي لم يكتبها الشاعر المؤلف الراحل قيس لفتة مراد عن بنات أفكار جيروين في مشاهد سردية راقصة تعكس معاناته وتصوراته على المسرح، لتقريب الصورة المسرحية المعبرة الى المتلقي . إن دراستي للفنون المسرحية وعلى يدي نخبة من أساتذة هذا الفن منذ العام الف وتسعمائة وخمسة وستين الى عام سبعين، وهم في نفس الوقت من رواد المسرح العراقي ومن مؤسسيه، كالأساتذة بهنام ميخائل وجاسم العبودي وإبراهيم جلال وأسعد عبد الرزاق وجعفر السعدي وسامي عبد الحميد وجعفر على وقاسم محمد والحاج ناجي الراوي وشهرزاد قاسم حسن وغيرهم من الأساتذة الأجلاء، ممن منحوني ومنحوا زملائي خبرتهم الدراسية والعملية، إضافة الى "المشاركة في الأنتاج"  كدرس عملي في المنهاج المسرحي من خلال التمثيل في أعمال الأساتذة والتي قدمت على مسارح بغداد، وكذلك الأنخراط في العمل المسرحي في الفرق المسرحية والذي أكسبني خبرة مسرحية كبيرة و حيث عملت مع فرقة المسرح الفني الحديث وكممثل، وقبلها في فرقة الفنون المسرحية ثم أعمالنا المسرحية وخلال العطل الصيفية في الناصرية ووجود جمعية رعاية الفنون والآداب فيها والتي كانت لنا معيناً داعماً ومسانداً للفنانين والأدباء والتي أغلقت بسبب تربص البعثيين بها على إثر قصيدة ألقاها الشاعر الشعبي عبد الله الرجب وأمروا بأغلاقها ودفنها . إن وجود جمهور مسرحي كبير وخاصة من المثقفين ووجود الناقد المسرحي الذكي، كان من العوامل المشجعة، إضافة الى الفهم المشترك  بأن  المسرح هو مدرسة للشعب .

 

سؤال : هل أثرت العوامل السياسية والفكرية على توجهاتك الفنية وهل تؤمن بفكرة حيادية الفن عن المؤثرات السياسة وأبعاده عن الأطر الفكرية؟

*****************************************************************

 الجواب : نعم أثرت كثيراً ومن باب التبني والتعبير عن رد الفعل الواقعي السياسي والفكري ولا أؤمن بفكرة الحيادية في الفن، لذا فقد عملت وأرتبطت سياسياً، مؤمناً أن الديمقراطية هي الأرخبيل الحقيقي والفردوس المناسب لحياة الأنسان بغض النظر عن عرقه ومذهبه ولونه، لأن الحيادية خيانة ووقوع في فخ الفن البورجوازي الذي لايتوجه لجماهير الفقراء والمتعبين والكادحين والمثقفين الثوريين والذي لا يبالي بمعاناتهم وعذابهم ويتجاهل طموحاتهم . فالفن يجب أن يكون معبراً  عن هموم  الناس وعن المنتجين الحقيقيين للثروة، وليس للتعبير عن وجهات نظر الطفيليين وسارقي أحلام الطفولة . لقد قادني هذا الأيمان لأن أعيش مغترباً بعيداً عن الأهل والوطن . لكنني وبجهودي الخاصة إستطعت أن أخوض غمار تجربة فنية وأدبية وأتواصل مسرحياً وإذاعياً  وأدبياً وأن تقدم أعمالي الأذاعية و المسرحية في دول الخليج العربي، وكذلك في مصر وتونس والأردن واليمن وبريطانيا والنرويج

 

سؤال : هل تشعر بأمكانية إزدهار الفن في ظل الواقع السياسي الحالي وأنتشار أفكار التشدد الديني ؟

***********************************************************

الجواب: إنها لبشاعة مابعدها بشاعة بل وكارثة أن يتحول الفن ويصبح  وسيلة وأداة بيد المتشددين والمتطرفين والشوفينيين . لقد قالها يوماً موسوليني : حينما أسمع كلمة ثقافة، أتحسس مسدسي .

 فهولاء لايخدمون الفن والثقافة بل يكرهونهما و يريدانهما أن يخدما أغراضهم ومصالحهم ودوافعهم المريضة ويخدمون أيديولوجياتهم اللاإنسانية والقذرة وتحت مختلف الذرائع والأسماء . ولدينا أمثلة تاريخية كثيرة كالأعلام النازي في زمن أدولف هتلرأو الأعلام البعثي، خاصة في زمن صدام حسين، لافرق، حيث الكذب والتضليل والخداع  والتحريف ومجانبة الواقع والحقيقة .

 

سؤال : ماهو حجم الضررالذي ألحقته الفاشية الصدامية بالفن والفنانين العراقيين ؟

*************************************************

الجواب : الفاشية الصدامية بشعاراتها وأدبياتها،  كرست الأفكار الشوفينية وأفكار التسلط والدكتاتورية والعشائرية والتجهيل وإثارة الفتن في جو العائلة الواحدة وتخوين الناس و زرعت اللاثقة بين العراقيين وإشاعت بينهم  ثقافة عبادة الذات ونفخت في نفوس الكثيرين من أبناء شعبنا  روح البطولة الكاذبة وإثارة الأحقاد وكيفية إزاحة الآخر وإشاعة روح التعصب وعدم إحترام الآخر وغيرها من الأفكار والتسلكات الظلامية والعدائية والعسكريتارية .   كما أغتالت الديمقراطية  والرأي الآخر وطبعت الفن بالطابع الدعائي الوحيد الجانب لخدمة الدكتاتور لا الشعب، ولا لقواه العاملة، وتبرير أفعاله العدائية ضد شعبنا العراقي المضلل والمخدوع، حتى جاءت نتاجات الفنانين والأدباء والمثقفين كسلع مدفوعة الثمن ومشروطة بأسلوب المدح الكاذب والتأليه لما سمي بالقائد الضرورة والقائد الرمز ومهندس الحكم الذاتي وبطل التحرير والسلام..و..و.. لخداع الرأي العام العراقي والعربي وخلق ثقافة كابونية بترودولارية لشرائح من المرتزقة والكتبة ومن يسمونهم بالشعراء والفنانين في داخل الوطن وخارجه .

 

سؤال : كيف وجدت حال الفن والثقافة العراقيين بعد تعرض وطننا للأحتلال وسقوط الطاغية صدام ؟  وماهي إنطباعات زيارتك الأخيرة لوطنك العراق ؟ هل إنتابتك لحظة فرح ؟ وأين ومتى ؟ لاشك أن لحظات الألم كانت أكثر وماهي ؟ مع الأعتذار على  إثارة المواجع ؟

****************************************************************

الجواب: لم تكن حالة الفن والثقافة بعد تعرض وطننا لللأحتلال بأحسن مما كان في زمن الطاغية على الرغم من بعض المحاولات التي عملت على الأنفلات من عين الرقيب أيام حكم الطاغية، خاصة الأعمال التي كانت تشارك في المهرجانات والتي كان يحسبها النظام آنذاك بأنها دعاية له على وجود فن ومسرح وثقافة ديمقراطية وثورية وتقدمية للكسب وإعطاء سمة الحرية للأعمال المقدمة والمعروضة وأمام الرأي العام العربي في الخارج خاصة، علماً أن النظام البعثي الصدامي كان بالمرصاد للكثير من الأعمال والعروض المسرحية والثقافية  وكذلك لجميع الفنانين الأحرار من الذين واجهوا الدكتاتورية ورفضوا الفكر الشوفيني القمعي الذي مارسه النظام ضد شعبنا العراقي  . لكنه شجع وسمح للكثير من الأقلام العراقية التي أنتجها ولبعض الفنانين التشكيليين وبعض المسرحيين والسينمائيين، لأن يتصدروا الساحات حيث أغدق عليهم النظام بالمال ومنحهم فرص العمل وتبوأوا المناصب، والسماح لهم بالعمل ما داموا يمجدون رأس النظام وأفعاله التي عادت على شعبنا بالويل جراء الحروب المجانية مثلاً . وفي زيارتي الأخيرة للعراق في مارس من هذا العام، يشكو المسرحيون وخاصة في مدينتي الناصرية من ضعف المعونات الحكومية لأستنهاض الأعمال المسرحية وتنشيطها ودعمها والتي يجب أن ترصد و تقدم من الميزانية العامة  وفي كل عام، حيث هنالك مقدرة على ذلك .

ولقد إنتابتني لحظات حزن عميقة وبعد سنين طوال من الغربة وفراق الوطن، أن أراه، أي الوطن،  كمريض في  غرفة الأنعاش . وحقيقة الوجع هنا لأننا نحب الوطن  أولاً، وثانياً نتمنى له أن يقف على قدميه من جديد وأن يحيى ويعيش  . ليكون مركز إشعاع حضاري ويفيض خيره على ضفافه وضفاف الأنسانية و بلا حدود، ويكون واحداً من دول العالم التي تشيع الحرية والديمقراطية والسلام، لما يتمتع به العراق من إمكانيات وطاقات بشرية ومصادر للثروة كثيرة وعمق حضاري وتاريخي وتقاليد برلمانية وديمقراطية على الرغم من المعوقات الكثيرة والأنتكاسات. 

 

في بنت الرافدينفي الويب