لقاءات

مرح البقاعي: المرأة تدفع ثمن تحالف الدين مع السلطة

 

مكتب الوارف الاعلامي  

· يعتقد البعض بأن المرأة تكون حرة فقط عندما تصل إلى مركز القرار أو قريبة منه، لكن في الشرق نرى معظم النظم السياسية تشارك المرأة في الحكم كأداة أو وسيلة لتجميل سلطتها. إذن ما هو تصوركم لمبدأ حرية المرأة؟ 

مرح البقاعي

إني أتساءل معكم أيضا، وأضيف فضولي إلى فضول سؤالكم: هل الرجل في الأنظمة الشرق أوسطية، مهما علا منصبه - باستثناء الرئيس وحاشيته طبعا - هل هو إلا كرسي من كراسي النظام يُملى عليه، ولا حول له ولا قوة؟! المشكلة هي في تحرير الفرد، بعيدا عن الجنس، ذكرا كان أم أنثى، وتفعيل طاقات المواطنين في المجتمع من خلال إقرار الحقوق والواجبات التي تترتب على المواطن في دولة الحق والقانون.

يضاف إلى هذا أن المرأة  العاملة تخضع إلى واجبات مضاعفة ؛ فالزوج في البيت لا يعفيها من واجباتها المنزلية ولا يشارك فيها ويتنازل قليلا عن مكتسباته كذكر اجتماعي بامتياز جنسه وحسب، ويساعد في إدارة شؤون المنزل والاهتمام بالأطفال. المطلوب من المرأة أن تعمل في الداخل والخارج.. أن تهتم بعملها وتطور نفسها مهنيا، وحين تعود إلى البيت ينتظرها عملها الانفرادي، كأم وزوجة ومدبرة منزل، ناهيك عن أنها مطالبة بالمشاركة اقتصاديا في ميزانية العائلة.

وفي ظل أسطورة التفوّق الرجالي التي يشبّ عليها الصبية في البيت والمدرسة والشارع ، تغدو حجة المرأة في الالتحاق بعالم صمّمه الرجال على مقاسهم ضرباً من الترف في مجتمع يتعمّد حشرها في زوايا ضيقة من شؤون حياتية، وهذه الزوايا أدنى إنجازا وأضعف اتصالا مع الآخر.

تضاف إلي تلك العوامل مجتمعة الردّات الدينية في المنطقة، حيث أن النص الإسلامي يختلف جداً عن القراءات له في الوقت الحاضر، فيمكن القول إننا نشهد اجتهادات من أشخاص "هشّين معرفياً" وهذه الاجتهادات المتسرّعة والمستهترة، هي في حقيقة الأمر أقرب إلى الجهل العلمي والديني، إذ لا يُقدم أي عالم دين مستنير على اجتهادات مماثلة.

طبعا أنا أرى أن المرأة في الغرب ليست أفضل حظا بكثير عنها في الشرق. وأفضل مثال سياسي هو التمييز على مستوى الجنس الذي تعرضت له كل من سيغولين روايال المرشحة السابقة لرئاسة الجمهورية الفرنسية ، وسارة بيلين المرشحة السابقة لنيابة رئاسة البيت الأبيض الأميركي، وأخيرا هيلاري كلينتون التي سُحب من تحت قدميها البساط في اللحظات الأخيرة حين فضلت أميركا أن يكون المرشح لرئاستها رجلا أقل خبرة سياسية عن امرأة  أعمق معرفة وخبرة لإدارة الدولة.

يفيد التاريخ أن المرأة الأميركية لم تحصل على حقها في التصويت حتى عام 1920، ولم تتقلد مناصب سياسية عُليا إلا في بداية الثلاثينات، وهي ما زالت حتى الساعة تعاني تمييزا إذا ما أبدت منافسة للرجل فيما يَعتبره ميدانا حكرا عليه وفي مقدمته الإبداع الفني ، ومعدل رواتب المديرات التنفيذيات في الولايات المتحدة هو أقل 40% للمرأة منه لرجل في نفس المنصب والخبرة المهنية.

وفي عودة إلى شأن المرأة في منطقة الشرق الأوسط بخاصة، والعالم الإسلامي بعامة،  نرى أن المطلوب هو تحرير الإنسان أولا ، تحرير مفهوم المواطن وإطلاقه حقا وواجبا للجميع، تتساوى تحت مظلته القوميات والأعراق والأديان والأجناس والثقافات كافة في البلد الواحد ، عندها فقط تبدأ مسيرة التنمية الحقيقة وتحقيق التوازن بين الرجل والمرأة في العمل والحياة في آن.

ونظرا إلى العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة كعنصرين مسؤولين بنفس الدرجة عن عملية البناء والتجديد المجتمعي فإنه يترتب، نتيجةً، ضمان حقوق إنسانية متساوية وموازية لحجم الواجبات المنوطة بالطرفين. 

 

· رغم أن مشاركة النساء في العمل السياسي والتنظيمي ضعيف في إقليم كوردستان حيث لم يتبوأن حتى الآن مناصب رئاسية أو أعضاء في المكاتب السياسية للأحزاب، إلا أن نسبة النساء في البرلمان الكردي قد وصلت إلى 33% وكن يطمحن أن تصل الى 40% مثل أحزاب الخضر الأوروبية. من هذا المنطلق نسأل هل أن ضعف مشاركة المرأة في الحكم والسياسة يعود إلى غياب الديمقراطية أم إلى ضعف الإرادة والوعي عندهن؟ 

المشكلة الحقيقية لدى المرأة في الشرق الأوسط حين تخوض غمار العمل العام هي "المرأة"! ودعيني أوضح ذلك:

في الانتخابات البرلمانية الكويتية ما قبل الأخيرة كانت غالبية النساء هن الذين يصوتن ضد النساء المرشحات للبرلمان ما أدى إلى عدم وصولهن إلى المجلس النيابي، الأمر الذي تم تعويضه في الدورة التالية حيث فازت أربع سيدات بمقاعد في مجلس الأمة ليصبحن بذلك أولى سيدات ينتخبن في البرلمان الكويتي وهن معصومة المبارك وأسيل العوضي ورولا دشتي وسلوى الجسار. وبذلك تكون النساء في الكويت حققن انتصارا تاريخيا غير مسبوق منذ الاستقلال.

أقف أحيانا عاجزة عن تحليل هذه الظاهرة النفسية ـ الاجتماعية التي تنطوي على مركب نفساني معقد من الغيرة والخوف والشعور بالمنافسة والرهاب الذكوري المرضي. وهذا العرض المستديم هو ثقافة تحصيلية لبيئة ذكورية بطرياركية!

ففي عالم يرسم قواعدَه الرجل بامتياز تصنيفه الفيزيولوجي ، ويخط قوانينه المدنية ، ويجتهد في تشريعاته رجال أيضا، لا ريب أن غياب المرأة عن خطوط المد التفاعلي ومكامن الإنجاز الإبداعي هو محصّلة لما هو وضعي أصلا، وهذا الأمر لا يقتصر على جغرافيا محددة أو ثقافة بعينها، بل يبدو جليا أنه شكل من نزوع عالمي وجنحة كونية لتقويض انهمار الأنوثة المبدع. ولا خيار أمام المرأة المجددة في مواجهة هذا الإجحاف السافر إلا أن تُقرِّر بذاتها شرط كينونتها وتُحدِّد مختارة موضع خطاها.

القضية ، إذن ، تتعلق بإرادات في التغيير الحقيقي والتنمية من طرف المرأة والرجل معا ؛ أعني "لا عزاء للسيدات" إلا بالأخذ بزمام أمرهن والالتحاق بركب المسيرة العامية. طبعا الحالة السياسية هي حجر الأساس من هذه المعضلة ؛ فكلما تراجعت الديمقراطية تقدم التمييز الجنسي ، وغابت الفرص ، وعادت المرأة إلى قمقمها المسحور الذي كانت تقبع فيه لعصور خلت في حقب الظلمات السياسة والاجتماعية.

ففي المجتمعات الديمقراطية هناك حركات سياسية ومدنية ناشطة من أجل تمكين المرأة وتفعيل دورها الاجتماعي والسياسي ومشاركتها في التنمية الاقتصادية كعاملة وصاحبة مشاريع تجارية رافدة.

ولا ننسى أن الاستقرار السياسي في بيئة ديمقراطية تحقق العدالة والمشاركة وتعلي من شأن الحريات  إنما هي بيئة مثالية لتنامي صوت المرأة السياسي ومشاركتها الفاعلة في التغيير المرتقب والمرتجى في الشرق الأوسط. 

 

· ما نلاحظه في كوردستان حتى الآن أن المرأة في العملية السياسية والقرارات الاجتماعية الحساسة مرتبطة بالرجال أو ظل للرجال. ما المطلوب لإعادة الهيبة إليهن ومشاركتهن في صنع القرارات السياسية والاجتماعية؟ 

المطلوب هو تغيير ذهنية الرجل أولا ، التغيير في نظرته إلى المرأة والاعتراف بها على أنها عقل وطاقة كامنة وليس جسدا أو أداة للمتعة  وحسب. المرأة شخصية إرادية مستقلة تماما كما الرجل، بإمكانها أن تقرر مصيرها وتشارك في تقرير مستقبل عائلتها ومجتمعها أيضا.  المرأة اليوم متعلّمة وناشطة ومساهمة في اقتصادات بلدها من خلال انخراطها في الأعمال والمهن ، وهي في نفس الوقت مربية أجيال وصانعة لرجال ونساء المستقبل من خلال رعايتها لأسرتها وتوجيهها المستنير لأبنائها وبناتها. لم يعد ممكنا في القرن الحادي والعشرين اختصار المرأة من خلال انتمائها لزوجا وحسب ، والحد من تحررها أو منعها من السفر بمفردها بوصفها "الضلع الناقص" الذي قد يتعرض للغواية والمتاعب. المرأة قادرة اليوم أن تدافع عن نفسها وتحميها بغض النظر عن وجود الرجل أو غيابه في حياتها.  المسألة هي في تغيير الثقافة الاجتماعية التي تحصر المرأة في دائرة الشكوك والهوس الجنسي عند الرجل من جهة، والمجتمع ككل من جهة أخرى! المطلوب رفع الحجاب عن ذهن الرجل أولا ورفع الوصاية عن المرأة ثانيا والتعامل معها كرافد إنساني مكمّل للرجل وليس "خيال مآتة" واهيا ويابسا!

هذا الأمر يتناسب طردا مع  تفعيل المجتمع المدني الذي عادة ما يكون  حافزا للمرأة والأقليات المغلوبة على أمرها، وقد يكون الأمر مضحكا ومثيرا للسخرية هنا عندما نقرن المرأة التي تشكل ما يعادل 60% من المجتمعات الشرق أوسطية ـ أي الأغلبية ـ مع الأقليات! لكن في حقيقة الأمر هي مغدورة الحقوق كأغلب الأقليات في شرقنا الأوسط. 

 

· في برلمان كوردستان هناك شخصيات عدة تساند وتدعم النساء من أجل نصرتهن وإصدار القرارات التي تخدم الحركة النسوية ومطالب النساء كيف تقيمون دور الرجال والمنظمات الدولية في هذا المجال؟ هل للمرأة في المجتمعات الشرقية أن تصل إلى أهدافها بدون مساندة إخوانها الأحرار من الرجال؟

 أنا لا أؤمن بحركات التحرر النسائية "المغلقة والحصرية". ورغم أني ناشطة في غير مجموعة دولية لتمكين المرأة ، لكنني لا أؤمن بالعزل وحياكة التاريخ البشري والإنساني بأيدي  جنس واحد ، امرأة أو رجلا. الأمور لا تصحّ بهذا الاتجاه! أنا أرى أن الحركات النسائية مطالبة أكثر من غيرها على الانفتاح على الرجل والتعاون معه لتحصل على الدعم  والفهم في آن. أنا ضد  أشكال العزل والإقصاء ورفض الآخر كافة لأي سبب كان عنصريا أو جنسيا أو طائفيا أو عقائديا. ومن هذا المبدأ أنطلق من هدمي لجدار العزل بين المرأة والرجل. كلاهما يشكلان قطبي المعادلة الحياتية في السياسة والمجتمع، كلاهما بحاجة إلى دعم المجتمع والدولة من أجل أن يشتركا ، يداً بيد، في بناء حياة أفضل للأجيال القادمة.

أتابع باهتمام بليغ دور المرأة السياسي في كردستان وأنا معجبة أشد الإعجاب بهذا الدور اللافت في المنطقة.  استطاعت نساء إقليم كردستان العراق أن يكون لهن حضور ودور فاعل في الحياة السياسية والمدنية، وفي وضع نظام التمثيل البرلماني للنساء، ليصبح عددهن في البرلمان الكردي 28 نائبة ، إضافة إلى ثلاث وزيرات داخل حكومة الإقليم. وقد أجرى معهد الوارف للدراسات الانسانية في واشنطن الذي أسسته حوارا مطولا مع إحدى البرلمانيات الكرديات وهي السيدة سوزان شهاب، إذ تحدثت عن هموم وشجون العمل السياسي للمرأة في الإقليم. واذكر أنها قالت "أنا أعتبر کل خطوة باتجاه تعزيز واقع المرأة الشرقیة وتمكين موقعها في المجتمع عملا إنسانيا عظيما ، ویعبّر عن إرادة قوية لتغيير واقع لانستطيع تغييره بالقوة ، ولکن بالعمل الجدي والفاعل".   

أما عن دور المنظمات الدولية فأرى أنها تغني وتدفع باتجاه تفعيل المجتمع المدني وتمكين المرأة في مجتمعاتها. هذا ما نفعله تماما في المنظمة التي أعمل فيها كمستشارة إعلامية وثقافية (رابطة سيدات الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا).  فدورنا ينحصر على تعزيز جهود منظمات سيدات الأعمال في المنطقة وزيادة فاعليتها من أجل تطوير دور النساء في المناصب القيادية ومراكز الأعمال. وهي تعمل مع السيدات من أجل تطوير دور المرأة في المجتمع، ومن أجل بناء ثقافة اجتماعية تمكن المرأة من لعب دور مهم في إدارة الأعمال وقيادة المجتمع. وأيضا من أجل فتح أبواب المستقبل للشابات من خلال بث روح المنافسة بينهن ومساعدتهن في التعرّف إلى إمكاناتهن، وتحقيق أقصى طموحاتهن. الهدف من تأسيس هذه المنظمة هو بناء شبكة لسيدات الأعمال في المنطقة من أجل زيادة عدد السيدات المنخرطات في مجالات الأعمال، ورفع وتحسين قيمة الاستثمار، وتطوير دور المرأة في المجتمع. وكذلك من أجل بناء ثقافة اجتماعية تشجع مشاركة المرأة في إدارة الأعمال وإنشائها.

 

· يقاس تطور الديمقراطية بتقدم العدالة. وأي حزب أو كيان أو نظام سياسي إذا أراد قيادة المجتمع فلا بد أن يراعي هذا المبدأ، من هنا نسأل كيف يمكن الوصول إلى تنمية سياسة للعدالة والمساواة؟ 

العدالة والمساواة لا يمكن تحقيقهما إلا في ظل دولة القانون. لا أحد فوق القانون. الجميع يخضع للقانون حقا وواجبا. هذا هو سر عظمة الدول الكبرى، فعظمتها لا تقاس نسبة إلى حجمها أو تعداد سكانها بل إلى ونزاهة القانون فيها واستقلالية ونزاهة سلطة القضاء ، ومبدأ العدل العام الذي يشمل كل المواطنين من أعلى الهرم إلى القاعدة. لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، والتقوى هنا أستعملها "مجازا" للدلالة على احترام القانون وعدم انتهاكه.

أما الوصول إلى العدالة والمساواة ودولة القانون فثمنه باهظ دائما. الولايات الأميركية دفعت ثمنا باهظا في حروب استقلالها وتحررها من الأفكار والممارسات العنصرية حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن ، وجعلت أول رئيس داكن البشرة يصل إلى الحكم في سابقة عالمية وليست أميركية وحسب. كما جعلت المكتب البيضاوي يعين مستشارتين من المهاجرات الأميركيات في البيت الأبيض: الأولى مستشارة للرئيس باراك أوباما، أميركية من أصل مصري، وهي داليا مجاهد، والثانية هيرو مصطفى، أميركية من أصول كردية، مستشارة لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن في شؤون الشرق الأوسط.

في العراق نشهد كل يوم ولادات جديدة في صلب الحركات السياسية. قد يترافق هذا المخاض السياسي العسير مع خروقات أمنية وانتهاكات إدارية، لكن الشعب العراقي الذي قرر أن يدفع ثمن تحرره من دمه وقوت أطفاله واستقرارهم لا بد أن يستجيب له القدر!

 

· الكثير من الحركات النسوية في الشرق ترى أن حرية المرأة في مساواتها بالرجل. آلا ترين أن الرجل أيضاً في هذه المجتمعات مغبون و مضطهد بشكل من الأشكال؟ هل مسألة حرية المرأة في الشرق ومساواتها بالرجل مسألة شمولية لها علاقة بالأوضاع السياسية والاقتصادية؟

إن مسألة الإصلاح السياسي والاقتصادي ترتبط ارتباطا عضويا بالتحديث الديمقراطي. ونحن نشهد انتشار الحراك الديمقراطي انتشاراً بطيئاً حول العالم. فمن الشرق الأوسط إلى أميركا اللاتينية وآسيا، يخطو العديد من النظم الاستبدادية خطوات تدريجية نحو أشكال من الحكم أكثر ديمقراطية وأقل شمولية. بل إن بعض تلك الأنظمة قد تحولت بالفعل إلى أنظمة حكم ديمقراطية ناضجة وعالية الأداء على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة.

تفيد دروس التاريخ أن احتمالات نجاح الإصلاحات السياسية تتعاظم إذا ما سبقتها الإصلاحات الاقتصادية هكذا أصبح العالم الغربي ديمقراطياً في القرنين التاسع عشر والعشرين ؛ حيث حدث التحرير الاقتصادي أولاً، ثم السياسي لاحقاً. غير أن الديمقراطيات الناشئة اليوم لا بد أن تتعجل في كل شيء، فهي لا تنعم بالترف السياسي ولا الاقتصادي الذي يسمح لها بتقديم إصلاح على آخر. يجب أن يتساوق الاصطلاحان معا ويسيران بسرعة متقاربة لرأب الصدع بين مجتمعات الشرق الأوسط والمجمعات الغربية المفتوحة على الفكر والاقتصاد العالميين. ومن أبرز وأنضر النماذج على الدول الإسلامية الديمقراطية والمتقدمة اقتصاديا وسياسيا ماليزيا.

 

·إرادة النساء في المجتمعات المنغلقة إرادة ضعيفة، إذا كان لهن إرادة داخل الأسرة إلا أنها لا تتحول إلى قوة أو سلطة في المجتمع، هل تعتقدين أن بوجود العدالة بين النساء والرجال وحدها يمكن الوصول إلى تقدم المجتمع أم أن المسألة مرتبط بالفرد وثقافة المجتمع؟ 

أنا أرى أن لبّ مسألة التحرر يكمن في ثقافة المجتمع. ونحن نعلم أن مجتمعات الشرق الأوسط هي مجتمعات مسلمة بعامة، حيث الإسلام يشكّل مكوّنا ثقافيا أساسا في تركيبة الثقافة العربية الجمعية. لكن ما هو الدور الذي يفترض أن يلعبه الإسلام في المجتمعات المعاصرة؟ وهل يمكن أن يستعدي هذا الدور حراكا فاعلا وواعيا في التجديد والإصلاح لـ"المفهوم" الديني؟ وهل يمكن الخروج بتوليفة معاصرة تحمل ديناميكية الحداثة العالمية، ومرجعية الثقافة العربية، وروحانية الدين الإسلامي؟

من البدهي القول إن الجدل الراهن القائم في مثلث (الإسلام ـ السياسة ـ المجتمع)، والذي تحول سريعا إلى مواجهات فكرية وسياسية - وأحيانا عنفية - تجلت في ممارسات الجماعات الدينية المتطرفة، إنما ينطوي على رهانات واستحقاقات لا بد من الاعتراف بها ومعالجتها من أصولها .. استحقاقات تتمحور حول رؤيتنا للإسلام، وقراءتنا لنصوصه في ظل المتغيرات والتحولات الكونية.

لا تكمن المعضلة هنا في النص الديني الإسلامي، فهو نص ثابت لم يتغير منذ تدوينه، بل تقبع المعضلة في الصلب من المجتمعات الإسلامية بوصفها امتدادا تاريخيا وثقافيا وجغرافيا للإسلام، مجتمعات نأت بنفسها عن قراءة الحالة المدنية في الشريعة الإسلامية، ودرجت على استحضارها كمفهوم عقائدي سياسي جامد غير قابل للعصرنة والتحديث.

ولنا في نموذج الأندلس مثال باهر على حالة التعددية الثقافية التي أدت إلى الرخاء الاقتصادي والمشاركة السياسية وتبوّء المرأة للمنابر.  ففي مدينة قرطبة، قامت ابنة الخليفة الأموي المستكفي بالله والأميرة العربية والشاعرة "ولاّدة" في الأندلس ، قامت بتنظيم "صالونات أدبية"  لتفسيرالقرآن وتلاوة الشعر. وكان رواد هذه الصالونات من الأعيان والشعراء يناقشون ما حرَّمه القرآن على الرجل والمرأة في آن. وقد اشتهرت ولادة ببيتين من الشعر قيل إنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها:

أنا والله أصلح للمعالي / وأمشي مشيتي وأتيه تيها

أُمكّنُ عاشقي من صحن خدي / وأمنحُ قبلتي من يشتهيها

أما اليوم فنحن نرتد وراء الى مجتمعات بطرياركية ذكورية تؤمن بالقوامة والهيمنة .. مجتمعات منغلقة أقرب إلى الممارسات البدوية الغرائزية القديمة. كما أن علاقة الدين مع السلطة في جدليتها اليوم  عامل مهم جدا في هذا الانغلاق، حيث أن الإسلاميين هم ظهير لآل الحكم، وآل الحكم ظهير لهم ، وشكلوا، معا، على مدى حقب طويلة علاقة وطيدة جدا هي علاقة مصالح مشتركة، فالبقاء في الحكم والسيطرة على المجتمعات العربية لا يتم إلا بتحالف بين السلطة والدين. والمرأة هي أول من يدفع ثمن هذا التحالف لأنها الجزء الأضعف في البنية الاجتماعية.

هناك حالة مدنية في الإسلام، لو تم استشرافها يمكن الخروج من مطب التطرف الديني الذي لم يقتصر على الجناح الراديكالي في الإسلام فحسب، بل وقع فيه الإسلاميون المعتدلون أيضا. فاستشراف الحالة المدنية للإسلام قد تعيد للإسلام زمنه الذهبي الذي عدّ الأندلس نموذجا له. وقد تعيد هذه الحالة المدنية حركة الاجتهاد إلى الخطاب الديني ، وأقصد هنا اجتهادات العلماء، وليس اجتهادات الفتاوى على القنوات الفضائية ، لأن الاجتهاد نفسه وقع الآن في أيدي قناصة العمل الاجتهادي في الخطاب الإسلامي، وصار هؤلاء القناصة نجوم فضائيات. وهؤلاء هم الذين يحددون فكر الشارع العربي الإسلامي، ويرسمونه رسما كاملا للأسف الشديد! فعندما تحدثنا عن الاجتهاد وقعنا في مطب الفتاوى الفضائية مثل فتوى إرضاع الكبير إلى فتاوى زواج القاصر إلى تحليل جرائم الشرف وفرض الختان وجلد المرأة التي لا ترتدي لباسا "شرعيا" ... إلخ من الأفكار والظلاميات التي تشكل عقول ومستقبل الشباب الشرقي اليوم. والاجتهاد فقط ليس كافيا لأنه ليس من السهولة الخروج من هذه الأزمة العميقة جدا. فالأزمة عمرها مئات السنين، وهي أزمة تراكمية تمتد من مقتل عثمان إلى هذا اليوم. والاجتهاد ليس هو الحل السحري ولكنه حل من الحلول. وحتى لا يقع الاجتهاد فريسة للتطرف لابد من طرح الأسئلة الآتية:

من يقوم على الاجتهاد؟ هل هم رجال الدين أم هم رجال الفكر الديني أم هم أصحاب العلم؟ ما هو الهدف من الاجتهاد؟ والاجتهاد على ماذا؟ وفي أي اتجاه؟ وما هي حدود الاجتهاد؟ ومن يرسمها؟!
فالإسلام ليس دينا فقط بل هو نسيج اجتماعي متلازم، ولا يمكن فصل المجتمعات الإسلامية عن الحالة الدينية. فما العمل في هذه الحالة طالما كان الدين متداخلا في اللحمة الاجتماعية للمجتمعات العربية والإسلامية؟

لابد من إعادة قراءة الخطاب الديني بما يتناسب وروح العصر، هكذا بكل بساطة، بعيدا عن وجبات " التيك أويه"  لفتاوى الفضائيات ، لأن هذه الفتاوى تذهب بنا إلى المزيد من الإسفاف والابتعاد عن السبب الأساس للجوء إلى الاجتهاد. وهذا تحديدا ما أقصده من الاجتهاد. 

 

· في الدول الغربية نلاحظ أن المرأة تشارك بشكل كبير في الحياة الاقتصادية ولها مردود مالي مستقل، من هذا المنطلق هل تعتقدين بأن لهذه الاستقلالية الاقتصادية دور في تحرر المرأة ونيل حريتها؟

 نعم، من أبرز عوامل تحرر المرأة هو خروجها للعمل وتحقيق دخل يسمح بتحررها الاقتصادي من النير الذي تفرضه عليها حاجتها للاعتماد في سبل معاشها على المعيل الرجل، زوجا كان أو أبا أو ابنا. هذا  بشرط ألا تقع ضحية ظروف العمل غير العادلة وتقديمها يدا عاملة رخيصة وأكثر تحملا لظروف عمل قد لا يراعى فيها حماية العاملين وتأمينهم صحيا ، أو تعرضها في أسوأ الأحوال للتحرش الجنسي أثناء العمل دون أن تجد من يدفع عنها هذا الاعتداء البغيض.

لقد أقر الإسلام للمرأة الحق في الاستقلال الاقتصادي بهدف تأمين متطلباتها ومواصلة حياتها إذا ما تعرضت لمشاكل كافتقادها للمعيل سواء كان زوجا أو أبا فتستطيع أن تقف أمام التحديات الاقتصادية التي تواجهها في استكمال مسيرتها بكرامة وحرية واستقلال.

حتى أن الإسلام لم يحرم الإمامة للمرأة بل أن الأدبيات الإسلامية تأتلق بأسماء ملكات ورياديات تركن بصماتهن في عصرهن من أمثال الملكة أروى بنت أحمد الصويلحي وفاطمة الزهراء وخديجة بنت خويلد ومريم ابنة عمران وشجرة الدرّ وغيرهن من الرياديات في العلم والتجارة والسياسة والفكر ممن أغنين تاريخنا، فالأحرى بنا أن نغني حاضرنا بمعول إراداتهن أيضا!. 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com