لقاءات

باولو كاساكا: الشعب العراقي ضحية للقوى الثيوقراطية الخفية لجيرانه

حاوره: نزار جاف

باولو كاساكا, سكاس, برتغالي وعضو الدورة السابقة للبرلمان الاوروبي, واحد من تلك الوجوه الاوروبية التي تمنح اهتماما خاصا للملف العراقي وقد اكتسب من وراء احتكاكه المستمر بالشؤون العراقية نوعا من الخبرة حتى إنه ألف كتابا بخصوص العراق. كاساكا, يترأس الآن فريقا خاصا تابعا للجنة دراسة عملية السلام التي مقرها  نيويورك للعمل على إعداد تقرير خاص عن الاوضاع في العراق بعد انسحاب القوات الامريكية وقبل انتخابات كانون الثاني ,2010 التقيناه في مكتبه ببروكسل وطرحنا علىه بعض الاسئلة بخصوص التقرير.

- تريدون إعداد تقرير خاص عن الاوضاع في العراق بعد انسحاب القوات الامريكية, لماذا هذا التقرير؟

كاساكا: انا عضو سابق في البرلمان الاوروبي وناشط سياسي اوروبي في عملية السلام في العراق وانا جزء من فريق خاص ينوي قبل الانتخابات القادمة في العراق اقتراح مجموعة شاملة من الاقتراحات. لجنة دراسة عملية السلام (مقرها في نيويورك), شكلت تحديا لي لجمع مجموعة من الادلة والمسائل المنطقية بخصوص فيما يجب ان يقوم به المجتمع الدولي ازاء انتخابات كانون الثاني 2010 في العراق والتي ينتظر أن تكون حرة ونزيهة في ظل الانسحاب المبرمج للقوات الامريكية.وعلى الرغم من انني كتبت وأعددت الكثير من المقالات والتقارير وألفت كتابا عن العراق, فإنني وجدت من الضروري إنجاز تقييم جديد للوضع وكذلك الطلب الى خبراء آخرين بشأن أوضاع العراق او في مشاريع السلام مع حالات أخرى مشابهة مع الوضع العراقي كلبنان وفلسطين. 

كما تمكنا بعد ذلك من الحصول على دعم ومساندة المجلس الدولي للتعاون بين الاديان (بروكسل) وان فريقنا تمكن من تضمين تعاون البروفيسور(توماس

دينهيتو) رئيس المجلس الإقليمي لجمعية العلوم البرتغالىة وهو شخصية مرموقة في اوروبا والاوساط العلمية الدولية وكذلك مع السيد كمال البطل وهو ناشط لبناني في مجال حقوق الانسان والسيدة جميلة ابو شنب الصحفية الفلسطينية التي أعدت تقارير مفصلة عن الانتخابات في قطاع غزة والاحداث المأساوية التي صارت سببا في سيطرة حركة حماس بالقوة على مقالىد الامور, وكذلك هنالك العديد من العراقيين والايرانيين الذين يتعاونون معنا. وهذا ما قد يكون ما يسمى بقوس (تحالف لتجديد التعاون بين البشر) وبذل جهود واسعة تتركز أكثر في الشرق الاوسط لمواجهة التعصب والتطرف وكراهية الاجانب وجميع تلك القوى التي تحول دون تطور هذه المنطقة بطريقة سلمية وديمقراطية, وهو تنظيم اود انشاءه في العراق. وسيركز التقرير على مسألة التسامح تجاه المسائل الثقافية والاثنية والدينية والسياسية المختلفة او بين الجنسين وتحليل ما قد يمكن ان تكون العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ادوات أكثر جدوى في تشجيع التسامح والسلام والديمقراطية في العراق وكذلك بما يمكن ان يكون دور المجتمع الدولي بهذا الخصوص. وسيقدم هذا التقرير على أساس العمل والتقارير السابقة لكنها ستكون أيضا إجراء تحديث للمواقف ووجهات نظر مختلف الأطراف الفاعلة في هذه العملية وسوف تتم عملية إجراء تقييم جديد للوضع في العراق.

- هل ان تقريركم المزمع إعداده, وكما جاء في بعض من تصريحاتكم, هدفه دعم ومساندة الحكومة العراقية الجديدة التي ستنتخب في كانون الثاني 2010؟

كاساكا: على الرغم من كل المشاكل القائمة, اعتقد بأن انتخابات 2009 المحلية والاقليمية في العراق كانت ناجحة جدا. للمرة الاولى كان لدينا تخطيط وتنظيم مناسب مع رصد للمناطق واتصور ان البعثة تستحق تهانينا الحارة للعمل الذي أنجزته. كما تابعت على الارض المشاركة في الانتخابات من جانب النازحين العراقيين في كركوك, ومع انها لم ترق للمستوى المتوقع لها, إلا انه مع ذلك يجب ان نفهم بأن هنالك الكثير من المسائل التي تم استثمارها بخصوص مدى جدية الشعب العراقي في الانتخابات. ولا يسعني إلا ان اتمنى بأن تتناسب الانتخابات الوطنية عام 2010 مع مستوى المصداقية التي حظيت بها انتخابات عام 2009 والتغلب على مشكلة تمثيل مناسب للاجئين والنازحين العراقيين. الديمقراطية لا تتحدد في مسألة الاصوات المدلى بها انما هي مسألة أبعد من ذلك. أحيانا اتساءل عما إذا كان يجب على قادتنا إعادة قراءة كتاب السياسة لأرسطو(ينبغي ان لا ننسى بأنه قد تمت إعادة عرضه في اوروبا من قبل فيلسوف عربي ويجب ان لا ننسى ذلك), حيث أن الديمقراطية الكبرى كانت في منطقة الشرق الاوسط مثلما كانت في أماكن أخرى في العالم واحيانا كانت أكبر من ذلك.

العراق, كان ضحية ليس فقط من جانب دكتاتورية وحشية ومدمرة تبعتها بشكل خاطئ العملية العسكرية الامريكية, وانما اساسا كان ضحية لما أسميته بكتابي الغزو"الخفي"للثيوقراطية المجاورة والتي صدرت الارهاب والتعصب للعراق. لقد كان من الصعب جدا بالنسبة للسلطات الحالىة العراقية مقاومة الضغوطات الهائلة من جانب جارتها الشرقية, وليس هناك من سبب يدعو للاعتقاد بأن الحكومة المنتخبة ديمقراطيا لا تتمكن من مقاومة تلك الضغوطات من دون دعم دولي قوي. لا يمكن للمجتمع الدولي ان يدير ظهره للعراق بعد الانتخابات. الملايين من العراقيين ما زالوا لاجئين ونازحين والغالبية العظمى منهم لا تزال بحاجة الى دعم واسع. بخلاف ذلك, يمكن أن لا يقتصر الدعم الدولي على الجانب السياسي, بل يجب ان يشمل أيضا وضع استراتيجية اقتصادية مستديمة. وفيما يتعلق بالمساعدة من اجل التنمية, فإنه لا بد من رقابة صارمة تستهدف الاستجابة للاحتياجات العاجلة للبنى غير التحتىة الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز فرص العمل في أنشطة كالزراعة مثلا. النفط, قد يكون عامل ضغط مهم جدا جدا في المالىة, لكن من المهم الان السيطرة على الاثار السلبية.

- انت تهدف الى معالجة الوضع في العراق كله بما فيه إقليم كوردستان, هل ستنجز ذلك على أساس إقليمي أم انك ستتبع نهجا عالميا؟

كاساكا: اعتزم أن يكون نهجا عالميا. لقد أنجز بعض الشيء في جميع أنحاء العراق خلال السنوات القليلة الماضية من الرمادي في الغرب الى الناصرية في الجنوب, ومن الشرق من بغداد, الى كوردستان في الشمال. صحيح انه لدي معرفة أفضل للمناطق التي تواجدت فيها لبعض من الوقت مثل أربيل وكركوك وديالى والاماكن التي تتواجد فيها السلطات الاقليمية, لكن هدفي هو التصدي لعموم التحديات المطروحة على كامل الساحة العراقية. وجود خمسة ملايين من اللاجئين والمشردين العراقيين القادمين من جميع الجهات تقريبا باستثناء إقليم كوردستان وحقيقة ان السلطات الوطنية فشلت في طرح حلول فعالة لتعزيز المصالحة والتعويض المناسب لاولئك الذين عانوا من اضطهاد بظروف جيدة لإعادة الاندماج, هو علامة تهدف الى إرساء دعائم أفق بعيد المدى هو العراق الحقيقي"دولة القانون". ويبقى في رأيي الرمز من أهم المشاكل التي يعاني منها العراق. والاسوأ من ذلك, هو حقيقة انه يمكننا أن نشعر أن هناك تزايدا في التوتر في المناطق التي لا يزال فيها مزيج قوي من مختلف الاعراق والجماعات الدينية وكركوك المثال الاكثر وضوحا بهذا الصدد. 

الانطباع الذي خرجت به من إقامتي في كركوك هو ان هناك قوى خارجية تعمل بدلا عن تعزيز التعاون والتسامح والاحترام بين مختلف الطوائف على تأجيج الخصومات.

- سوف يتناول التقرير الوضع في معسكر أشرف, المخيم الذي يعيش فيه أكثر من ثلاثة آلاف من الايرانيين الذين ينتمون الى أهم منظمة إيرانية معارضة, ما علاقة ذلك بالعراق؟

كاساكا: في نهاية تموز المنصرم, صدمت لرؤية مشاهد حية بثتها القنوات التلفزيونية في مجزرة وحشية ضد أناس عزل في معسكر أشرف من قبل زمرة عسكرية عراقية تحت إشراف مباشر من مكتب رئيس الوزراء العراقي. كانت هنالك عربات مدرعة وضرب وحشي حيث قتل نحو عشرة أشخاص وجرح المئات. في الواقع, ان بعض الاشخاص المسؤولين في العراق, كانوا واضحين جدا عندما قالوا بأنهم يريدون تحويل الحياة الى جحيم لا يطاق في أشرف. لقد كنت على اتصال وثيق مع الكثير من المشردين واللاجئين العراقيين, وانا اعترف هنا ان نفس العنف والهمجية المبالغ فيها والمستخدمة من قبل قطاعي الطرق وعصابات الارهاب السياسي لإرهاب قطاعات بأكملها من الشعب العراقي في المنفى, قد تم استخدامها في أشرف واتساءل; كيف يمكن أن يعمل أحدهم تحت راية إيجاد "دولة القانون" ويشجع مثل هذه الأعمال. في أعقاب الهجوم ضد سكان أشرف, سجنت قوات الشرطة العراقية 36 من السكان. ومع ذلك, فإن النظام القضائي العراقي, أولا ومن خلال قاض محلي في مدينة الخالص, وبعد ذلك من خلال الادعاء العام في وزارة العدل في بغداد عارضت هذا الاستغلال السياسي, وأمرت السلطات بالافراج عنهم. على الرغم من أن الشرطة قاومت أوامر قضائية لبعض الوقت, فإنها قررت في نهاية المطاف الانصياع, والإفراج عن السجناء. 

هذه هي علامة ملفتة للنظر لاستقلال السلطات القضائية في العراق, ويعطي الامل لجميع اولئك الذين يهدفون في الحقيقة الى إنشاء"دولة القانون"في العراق. بطبيعة الحال, لا اعتقد انه كان من قبيل المصادفة وبعد بضعة اسابيع من هذا القرار الشجاع الذي اتخذته السلطات القضائية في العراق, ان تتعرض وزارة العدل لهجوم كبير, ومرة أخرى يظهر كم هو مهدد اولئك الذين يسعون للعدالة في هذا البلد. لذلك, اعتقد ان اضطهاد اللاجئين العراقيين في مدينة أشرف هو جزء من نفس المسرحية التي وضعت في الآونة الاخيرة في العراق, ونتائج هذه الازمة سوف ترمز أكثر من أي شيء آخر الى ما يمكن أن نتوقعه لمستقبل العراق.

- قمتم بزيارات عديدة للعراق ولكم إطلاع بشأن الاوضاع في العراق, ما هي توقعاتك للاوضاع في العراق بعد انسحاب القوات الامريكية؟

كاساكا: اعتقد بأنه في إمكاننا ان نتصور سيناريوهات مختلفة والتي سوف تعتمد بطبيعة الحال على عوامل مختلفة بما فيها الاعتماد على قدرة العراقيين أنفسهم لإيجاد أفضل الحلول السياسية لأنفسهم.أكبر تهديد محتمل لمستقبل"دولة القانون"في العراق هو التزاوج الممكن بين النفط والغاز مع مصالح أيديولوجية التعصب وعدم التسامح. إذا ما سمح العراقيون لتلك القوى بإقناعهم بأن الاكراد أعداء العرب والسنة أعداء للشيعة وهؤلاء أيضا أعداء للأقليات والطوائف الدينية الاخرى, فإن العراقيين سوف يصبحون فريسة سهلة لأعداء العراق. أكبر رصيد للعراقيين هو شجاعتهم ومعنوياتهم والاستخبارات. 

لم يكن هناك في التأريخ الانساني الحديث أبدا ارهاب بهكذا طرق وحشية وقاسية وشعب شجاع جدا فقط بإمكانه مواجهة مثل هذا الوضع. وبخلاف ذلك, فإن الانسان هو الانسان والطفل هو الطفل وبالتالي فمن لا يحترم منهم بمثابة عدم احترام الانسانية جمعاء. وموقف المجتمع الدولي من الاحداث في العراق سيحدث فرقا سيما الاجراءات الدقيقة التي ستتخذ والمواقف التي سيتم تبنيها تبعا لذلك وهو ما آمل أن يكون قريبا. 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com