|
لقاءات
الشاعرة السعودية
هيلدا اسماعيل تتحدث لـ(الزمان) عن عودة جمهورية الحب الى الملكية
حوار- ابوطالب البوحيّة
لم يطل حواري هذا مع الشاعرة السعودية هيلدا اسماعيل اكثر من ثلاثة اشهر كي يكتمل، نعم، هكذا تم انتاج الموضوع، بين دمشق ولندن والظهران تنقلت الاحرف التي نقدمها للقارئ محاولة لاغناء تصوره لما تقدمه المرأة الشاعرة في ميدان اوراقها الرقيقة، هيلدا اسماعيل هي احدى أهم الشواعر الشباب، حيث تمتلك من السردية السحرية الواقعية ما يؤهلها لهذا الوصف والدخول بين ثنايا المتابعة الجادة للنقاد. شاعرة تتنقل بين الظهران ولندن، تتعامل اصابعها مع الورقة كي تنتج شعراً ثائراً تارة ومخدوعاً تارةً اخرى وهادئاً في أحيانٍ أخر. عملها مع (ذوي الاحتياجات الخاصة) له دلالة واضحة على انها مرهفة الحس انسانية التواجد عميقة التصور لدورها في الحياة وتفاصيها الدقيقة حوارنا لا يخرج من انه رؤية شبابية حرة لواقع متدرج العمرية.
* سيدتي هيلدا، هل تكتبين الشعر أم ان الشعر هو من يكتبك؟ بتواطؤ مشترك وفطري.. نشكِّل مع الشعر معادلة ثنائية، بحيث لا يمكن الادعاء أن طرفاً واحداً يملك رغبة السيطرة على الآخر، فغالباً ما نظن أننا ككائناتٍ لغوية ننتج اللغة ونسيطر عليها، ولكن في واقع الأمر نحن نتاجها، ببساطة الشعر بقدر ما نكتبه.. يكتبنا.
* ما قدر الشعر لدى هيلدا إسماعيل؟ هو قدَرٌ ليس له مقدار.. لا أتعاطاه كنص فقط أو صور ذهنية، بل يفترض أن يعاش عبر الحواس، كنمط من أنماط الحياة، كطريقة لنقل التعاطف.. التناغم.. المشاعر بين الناس، إنَّما لا يكفي أن يكون الشاعر مخضوضاً بالعاطفة حتى تأتي قصائده نوعية ومتميزة، لأن الشعر ليس مجرد عاطفة وانفعال هو صنعة ومهارة أيضاً. ليس الشعر في رائحة الأزهار، إنه نكهة الرغيف الذي نقتسمه ولا يباع، إنه هذا الفتات الذي تبقَّى من نهش التكنولوجيا والملتيميديا وعصر القلوب الإلكترونية، إنه جزء من عالم يحتوينا.. وهذا العالم هو أرواحنا ونحن من يحتويها.
* الكلمات ليست بحاجة الى الحرائق لكي تشتعل، متى تشتعل كلماتكِ؟ في قاموسي على الأقل.. الكلمات ليست قابلة للاشتعال، ولكنها تحرَِّض على ذلك. التجربة هي وقود وزاد الشعر، وهي الكفيلة بتوليد الكلمات التي تختزن الطاقة التعبيرية، هكذا أتعامل مع اللحظة الشعرية. ومن هنا أستولد مفرداتي لأتواءم بين ما أعيشه وما أتلفَّظه.
* ماهي الفوضى الشعرية التي تجدينها في تجارب الشعر الحديث؟ لستُ بذلك الحجم الذي يؤهلني للحكم على هذه التجارب، إنّما أجدُ أحياناً أن فوضى الشعر هي بعض من انتظامه. وأحياناً أخرى أوافق كغيري اتهاماتهم للنصوص الحديثة بأنها غير مستوية أو لم تنضج بعد حتى تنتج نصاً شعرياً متجاوزاً. بينما دائماً ما أؤكد على أن الشاعر الحقيقي يستطيع أن يحوِّل حتى الإعلانات التجارية إلى قصائد.
* برأيك هل تستطيع الكلمة في شعرنا العربي ان تتملص من ضغوط الأسلاك المجتمعية والدينية التي تحتدم في بعض المواقف والأماكن؟ المشكلة.. تكمن في القوانين و الأعراف الاجتماعية ومفهومنا الخاص للاحترام وما يقوله الناس حولنا، ولهذا أفكر مرَّات أنه من الأفضل أن ننهي علاقتنا بالكتابة مهما كانت درجة الفقد على أن نكتب شيئاً مزيفاً. أؤمن بأنه لا يوجد شعر بلا مجازفات، تضحيات، انقسامات، واحتدام، لأن الأمان ليس من طبيعة القصائد، فهو أبداً لن يجعلها جذابة ومثيرة وحقيقية. فإذا أردنا أن ننتج شعراً آمناً، علينا أن نلد قصيدة ميتة، لا روح.. ولا حياة فيها.
*هل تجدين أن سلوك المرأة العربية خلال حقبات التاريخ المختلفة فيه نوع من الكسل أم أنها حاولت أن تُوجد نفسها لكن ظروف البيئة العربية وعاداتها فقعت عين هذه المحاولات؟ المرأة العربية تجاوزت الكثير من العقد التي كانت تحلم بتجاوزها، والذاكرة العربية تحتفظ بسلالة من النساء العربيات المناضلات المسطرة سيرهن في الكتب حتى لو كان ذلك بعد وفاتهن بعقود طويلة. وشخصياً أستلهم من تلك البطولات ما يعزز موقعي ككائن ثم كأنثى. ولكنني لستُ في المقام الذي يؤهلني للحديث بعمقٍ عن نضالات و إنجازات تلك الذوات المشرفة. إلاَّ أنني يمكنني القول بأن السقف الأعلى لتحقيق الأحلام لم يزل بعيداً..بعيداً جداً للجميع. * كما افهم انك تشتكين من اللغة الذكورية السائدة في كل الخطابات، هل تستطيعين بمفردك تكوين لغة انثوية قادرة على امتصاص الزيادة الكمية والنوعية في هذه اللغة الذكورية السائدة كي نصل على الاقل الى توازن في الخطاب الانساني القائم على وجود المرأة والرجل عند خط البداية في كل شيء؟ لست من يشتكي من هذا ياسيدي.. لأني ممن لا يؤمن بتجنيس اللغة. التجنيس الحاصل هو بعض سذاجة تربط الكلمات بنوع مصدرها. ربما وقفتُ يوماً في لحظة ظرفية، أو في لقطة شعرية ضد الحيف الذكوري، وذلك من منطلق البحث عن صيغة تعادلية بمعنى أن تتأنسن اللغة بدلا أن نقوم بتجنيسها. فالأصل في اللغة إنسانيٌ وليس تصنيفياً، واستعادة الأنثى للسانها بكل ما تحمله من دلالة فكرية وشعورية.. هي مهمَّة شعرية، وإن كنتُ لا أميل إلى أن فرداً واحداً يمكنُه إنجاز هذه المهمة.
* هل لي ان اقول انكِ تحاولين ادخال لغة (الجسد) "النازف – الهائج – المقتول – المتشظي – الجامح – المغصوب" في تجاربك الشعرية؟ صدِّقني..هذا الشعر لا يقبل فكرة الإدخال، لأنها افتعال لا يتفق مع مواثيقه. جميع الأفكار المُعبّر عنها شعرياً مهما أوغلت في الرمزية.. التجريد.. و المواربة.. لابد من استعانتها بمناخ موسوم بالالتقاطات الحسية، الطبيعة، الآهات، الجمادات. والجسد الذي هو مختصر الكيان الإنساني إذا ما عرفنا التعامل معه. ولهذا أحاول أن أؤكد عليه من خلال نصوصي، أن أرفع من منسوب آدميتي، وأن أنتشل جسدي من ما علق به من رواسب وأكاذيب بشرية وامتهانات أو حتى نظرات لا يستحقها، وأعلو به إلى مرتبة سامية تستحقه فيما يشبه القصيدة. فإن خشينا أن نتحدث عنَّا سيصل بنا الأمر لأن نخترع شعراً يتحدث عن كل شيء إلاّ ذلك الـ"يتعلق" بنا.. عن مخلوقات فضائية مثلا ببنيَة فراغية، وعين واحدة في منتصف القلب، لم نرها، لم نلمسها، ولم نولد بها!. * (الأوطان) هل ان الشعر مساهم جدي في تحررها؟ نعم.. حين كان الشعر بحجم الوطن. * حين ينتصف الليل ويسود، ما الذي يمكن أن تقوله هيلدا اسماعيل؟ لا أنتظر تلك اللحظة حتى أقول.. قد أنتظرها لأقرأ.
* هل تعتبرين تكرار مفردات معينة او صور شعرية عند اي شاعر هو اضافة بمنطق (الاسلوب، المدرسة، الطريقة) ام انه نقص بمنطق (مخاطبة الجمهور، الربح، الاستهلاك)؟ لا يمكن الحكم بعمومية كهذه.. والسياق هو الحكَم، فكثرةُ الطرق على مفردة ما قد لا تكون في بعض المرات مجرد ترف لفظي، إنما إحساس داخلي يستشعره الشاعر بعمق ويغترف من جوهره، أو يكون بمثابة الأنين أو التوق إلى جهةٍ أو أحدٍ ما، مما يعني أن الشاعر قد اهتدى بالفعل ليس إلى قاموسه أو أسلوبه وحسب.. وإنما إلى جزء كبير من حياته، أما في المرات التي يتخذ فيها التكرار اللفظي الطابع الشكلي فإنه يكون مجرد تقليد لأوجاع الآخرين وعويل ساذج لا محلَّ له من الشعر.
* لجمهورية الحب ماذا تقولين؟ عودي إلى المَلكية. * الروح المتحررة لديكِ هل ستتقبل حرفاً يعد التاسع والعشرون في الابجدية العربية، ولو كان ذلك فإلى ايّ (تكوين) ستستهلين قصيدتك الشعرية فيه؟ أفترض أن سؤالك فيه الكثير من المجازية، فحروف أي لغة تدل على عبقرية بشرية هائلة لا يمكن أن تخذلنا. لهذا يقولون إن الشعر هو لعبة الشاعر يمكنه تركيب عالم خلاَّق من خلال إعادة تركيب تلك الحروف في صيغة صادمة شعورياً، ولكن هذه اللعبة الشعرية ليست مجرد عبث إنما هي محاولة من الشاعر لإلباس الوجود حلَّة من القصائد تعبِّر عنه، وهو مطمح لا أظنني حتى على حافته. إنَّما أحمل إعجاباً للشعراء الذين يستطيعون بالفعل اللعب باللغة إلى هذا الحد المذهل لكأنهم يعيدون خلق الكون مرَّة أخرى بنفس الحروف التي يتداولها الناس العاديون بطريقة استعمالية.
* هل يمكنني وصف هيلدا اسماعيل بإنها شاعرة التمرُّد (الابيض) في الجزيرة العربية؟ أحاول أن لا أنتمي إلاَّ إلى الشعر، لأنه موطن بحدِّ ذاته. أما الإقليم الجغرافي فقد يهب الإنسان ممكنات كثيرة لكنه مهما كان واسعاً ومعطاءً يظل أضيق من رحابة الشعر. بالنسبة للتمرد فهو ليس ظاهرة شعرية فقط.. بل هو حاجة يبديها كثيرون وفي السعودية وبلدان الخليج و العالم العربي شاعراتٌ كتبن من منطلقاتٍ صارت تصنَّف علي أنها حالات تحرُّر وتمرُّد. وما أكتبه لا أدَّعي من خلاله الارتباط بهذا العنوان العريض، بقدر ما أحاول أن أحضر كما أنا.. بدون ادِّعاءات ولا مزايدات ولا رتوش.
*هل ستعتذرين يوماً لقارئ لم يفهم شعركِ أم أنهكِ ستكتفين بالصمت ونقل الإشكال إلى المتلقي عن ساحتكِ؟ بين قول ما يُفهم وفهم ما يقال.. مساحة واسعة للاعتذار.
* سؤالي الاخير، بكم اصبع تكتب هيلدا اسماعيل؟ أشير بإصبعي إلى ما أكتب، ولكني في القصائد.. عادة ما أستخدم قلبي.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |