لقاءات

تعالوا نتحاور من اجل الرقي بالثقافة العراقية بعيدا عن المحاصصة

حوار حول واقع الثقافة العراقية بالمرحلة الراهنة

وفاء الربيعي 

حاورت هذه المرة الدكتور عدنان الظاهر الذي بدأ حواره قائلا "الأسئلة كثيرة وبعضها على قدرٍ كبيرٍ من الجدّية فإني قد إرتأيتُ أنْ أتناولَ البعض منها وأعبّرُ عن قراءتي للمشهد الثقافي فهو يرى بصدد الاشكالية بين المثقف والسياسي انه

 لا من سبيلٍ لحل الإشكالية بين المثقف والسياسي إلاّ بالديمقراطية الأصيلة والعميقة والواسعة . نعمْ، في العراق اليوم ديمقراطية سياسية لكنها ديمقراطية هجينة مستوردة تشوبها شوائبُ كثيرة فانحرفت عن مسارها الطبيعي المتوقع والمأمول لأسباب كثيرة معروفة للجميع منها مبدأ المحاصصة وسيادة الطائفية والإثنية والتقسيمات القومية في تقاسم السلطتين التشريعية والتنفيذية ثم بدعة التوافق التي أسس لها إبتداءً وتزعم تيارها الرئيس جلال طالباني بدعم غير مشروط من سلطات الإحتلال الأمريكي . مع ذلك فليس في الوسع إنكار حقيقة أنَّ في عراق اليوم نوعاً من الدمقراطية مهما إعتراها من مثالب وعيوب ومطاعن .

ليس هذا الوضعُ غريباً على المنطقة فقد كان لبنانُ السبّاق في تقسيم السلطات السياسية بشقيها التنفيذي والتشريعي على أسس دينية ـ إثنية ـ طائفية .

وعليه فلا من ثقافة حقيقية ولا من مثقف مبدع خلاّق إلا في أجواء من حرية التفكير والتعبير والنشر في وسائل الإعلام السائدة بعيداً عن ضغوط وتأثيرات هذا الحزب أو ذاك وهذه الطائفةُ او تلك وهذه القومية أو غيرها . لا إبداع إلا في ظلال الحريات المطلقة أو حتى شبه المطلقة"

اما بصدد علاقة المثقف برجل الدين فقال "إشكالية المثقف مع رجل الدين المُسيّس مشكلة مضاعفة وأكثر تعقيداً ولا تُحلُّ بالديمقراطية وحدها، إنما بالديمقراطية وسيادة العلمانية التي يتكفلها دستور دائم . لماذا ؟ نجد الجواب عن هذا السؤال في تركيا. فتركيا بلد علماني منذ أوائل القرن الماضي زمان كمال أتاتورك الذي فصل الدين عن الدولة ولكنْ ... ما كانت تركيا بلداً ذا نظامٍ سياسيٍّ دمقراطي إلا في هذه الأيام . فأنظمة الحكم المتعاقبة هناك لم تحتملْ شاعراً معروفاً بوزن ناظم حكمت ومأساته معروفة حيث قضى نحبه بعيداً عن وطنه وتم دفنه في مدينة موسكو ". 

كيف يفسر الدكتور عدنان الظاهر تعريف المثقف بانه هو من يعي ذاته وذات مجتمعه وماهو دور المثقف في التغيير والتأثير

مَنْ هو المثقّف المقصود بهذا السؤال ؟ هل هو الشاعر، الكاتب، الصحافي، الطبيب، المهندس، المحامي، المعلم والمدرس والأستاذ الجامعي ؟ هؤلاء جميعاً مثقّفون على درجات ومستويات متفاوتة متباينة فعلى أيٍّ منهم يجري الكلام ؟ حلاً للإشكال أقترحُ أنَّ المثقف المقصود هو المحصِّلة والخلاصة الجمعية لهؤلاء جميعاً ورمزٌ لهم بصرف النظر عن إعداده العلمي او الأدبي أو المهني أو الثقافي . فإذا فرغنا من هذه المسالة ستواجهنا مسألة أخرى : الوعي ! ما هو هذا الوعي ؟ وما معنى أنَّ المثقفَ يعي ذاته ثم يعي ذات مجتمعه ؟ هناك بشكل عام وعي طبقي وآخر قومي ثم وعي طائفي ووعي أُممي فإلى اية جهة من هذه الجهات وأشكال الوعي ينتمي المثقف ؟ الجواب بسيط ومباشر : ينتمي لطبقته أو قوميته أو طائفته ولدينه أو إلى حسّه ألأممي العابر للقوميات والأديان . وعي المثقف المسلم المتديّن منحازٌ لطائفته [ شيعي أو سنّي ] والمثقف القومي ينصرف لقوميته [ عربي أو كردي ] . وكذلك الأمرث بالنسبة لمثقفي الإثنيات والأعراق والأقليات المعروفة في العراق . إذاً هو أمرٌ طبيعيٌّ وطبيعيٌّ جداً أنْ يهبَ المثقفُ القومي نفسه ومواهبه وحياته أحياناً دفاعاً عن حقوق ومصالح وقناعات ومبادئ أبناء قوميته . وكذا الأمرُ بالنسبة للمثقف الديني الطائفي . هناك بالطبع مثقفون ملتزمون بالدفاع عن مصالح وحقوق عمال العالم كافّةً حيث لا دين ولا قومية .

إذاً فوعي الذات بالنسبة للمثقف هو نوعٌ من الحلول في وعي الفئات التي يمثّلها وينتمي لها سياسياً أو طبقياً أو قومياً او دينياً . لا إنفصام البتّة !

والمثقفون صنفان : مثقفو السلطة الحاكمة والمثقفون المستقلون خارج سلطان السلطة الحاكمة . لكل مصالحه والتزاماته التي تتأثّرُ وتؤثّرُ على وعيه عمقاً وتفاوتاً في الدرجات.

لا يغرّبنَّ عن البال أنَّ وعي الإنسان ليس ثابتاً أبداً . فالقوميُّ قد يتحوّل إلى ديني أو شيوعي وهذا ربما يغدو ـ تحت ظروف وأحوال خاصة ـ قومياً أو رجلاً متديناً والعراق يعرف نماذجَ معاصرة كثيرة لهذه التحولات .

مصالحُ الناس تلعبُ أدواراً خطيرة في تكوين أو تكييف وعيهم .

 ليس بالوعي وحده تحصل التغيّرات التاريخية . التغيّر لا يقومُ به فردٌ واحدٌ بل تنهضُ به أحزابٌ أو تجمعات أو زعماء أحزاب أو قادة عسكريون . ما دور المثقف في ثورة 14 تموز 1958 في العراق ؟ فوج عسكري واحد إحتلَّ بغداد صبيحةَ الرابع عشر من تموز وسرية عسكرية واحدة حققت نصراً حاسماً إذْ سيطرت على حامية المسيب ولوائها الأول ووقفت مع الثورة وكان آمرُ هذه السَرية أصلاً جزءاً من تشكيلة الضباط ألأحرار

السِريّة .

نعم، المثقفون يمهّدون للثورات والتغييرات الجذرية في مجتمعاتهم ويتنبأون بها وبحتمية وقوعها . وهذا ما قيل عن كوكبة الكتّاب والشعراء والمثقفين الروس قبل قيام ثورة أكتوبر الإشتراكية عام 1917 . ولقد سبقتهم كوكبةٌ أخرى من أعلام ومفكّري الفلسفة والإجتماع والكتّاب في التمهيد والمساهمة الفعالة في الثورة الفرنسية من أمثال روبسبير ومونتسيكيو وتاليران وجان جاك روسّو وآخرون لا تحضرني أسماؤهم .

ما الذي يستطيع المثقف العراقي اليوم أنْ يغير وما هي قدراته المتاحة للقيام بمثل هذا التغيير وهل تسمح الحكومة العراقية الراهنة له أن يضطلعَ بأي دور فعّال من أجل إحداث تغييرٍ ما مهما كان ضئيلاً؟ إسألوا الصحافيين والأدباء وأطباء واساتذة الجامعات؟  

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com