لقاءات

الحداثة ذوق رفيع أرسى قواعدها اليسار العراقي .. بوصفه جايل الشعر السبعيني "حامد كعيد الجبوري"

 

حوار- علي الربيعي

على ضفاف شط الحلة، حيث هناك يتمايل الشعر، روجات قصائد (حليّة) تلامس طين الحرف السومري، هناك.. من مدينة لايمكن اختصارها بافذاذ الثقافة والعلوم والفن، .. قوافل ابداعية وقامات كبيرة يشهد لها الاجداد البابليون ابد العراق،.. سرب من الشعراء وطائر حّر، امضى معنا في هذا الحوار الذي لم يأت بالمصادفة،

فهودائم الحضور في الشعر والقراءات والانطباعات النقدية المواكبة لحركة الشعر الشعبي العراقي، وهواجسه الخائفة على مصيره من الطارئين،.. وجوانب اخرى كشفها لنا الشاعر والاعلامي (ابوعلي) كان منها:

*نبحث الآن عن دخول الحداثة للتجريب في قصيدة (النثر) الشعبية، برأيكم لماذا الآن، وهل كانت غائبة تلك التجربة عن المشهد الشعبي

- المتتبع للأدب عامة وللشعر الشعبي خاصة يخلص إلى ان القصيدة الحديثة الشعبية تواكبت سوية مع تجربة القصيدة الفصحى - الحديثة والشعر الحر - ورائدها الكبير السياب على رأي، ونازك الملائكة على رأيٍ اخر - الكوليرا -، والاجماع على ان السياب هوالمجدد للقصيدة الفصحى، وبرأيٍ متواضع أرى ان العراق آنذاك - جيل الاربعينيات والخمسينيات - كان متهيئاً للتغيير بكل شيء، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، فأتت الثورة الثقافية سابقةً للمجالات الأخرى، وهذه بديهية إذ ان المثقف يتلمس مكامن التغيير قبل غيره، لذلك فجرت الثورة الثقافية قبل التغيير السياسي والاجتماعي، وجاء التغيير ببناء القصيدة الشعبية وارساء قواعدها الحديثة وقائد ثورتها الرمز العراقي الكبير الشاعر مظفر النواب، ولان الحداثة ذوق رفيع لذا تقبلها الشاعر المثقف الواعي وارسى قواعدها ونهج بها وتبناها اليسار العراقي كمشروع تنويري ثقافي - شاكر السماوي وعزيز السماوي وناظم السماوي وعلي الشباني وطارق ياسين وابوسرحان وعذراً للاخرين - قبل الشعراء الشعبيين ممن يدعي الثقافة عموماً، وهذا جواب للشق الثاني من السؤال، وللشق الأول نبحث الآن عن دخول الحداثة في قصيدة النثر اقول، الثقافة الآن موجودة ومتاحة للجميع شبكة معلومات وكتب زهيدة الثمن وصحف يومية تعنى بالثقافة - الصباح والأديب والمدى والزمان وطريق الشعب واخريات -، ولكن أين هوالشاعر المثقف واجزم ان اغلب الشعراء الشعبيين لا يقرأ حتى صحيفة واحدة على مدار الاسبوع، فكيف يتسنى له كتابة القصيدة الحديثة المثقفة الواعية، ولكي لا اسهب بالموضوع طويلاً رغم احقية الإسهاب، لنأخذ مثلين من الشعراء الشعبيين الأول لم يغادر العراق وبقي محافظاً لقيمه الجمالية ومتابعاً ثقافياً واعياً -علي الشباني وريسان الخزعلي وعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الكاطع وفاضل السعيدي وكاظم غيلان ومن ثم حمزة الحلفي وعلي الربيعي واخرون - والمثال الثاني الذي استوعبته منافي العالم بحثاً عن الأمان ورسلاً للعراق كجمعة الحلفي ورياض النعماني وعذراً للاخرين أيضاً، والاثنان على درجة من الثقافة والوعي الكبيرين الا ان قصائدهما اقتربت كثيراً نحوالفصحى لانهما يخاطبان شعوباً عربية يصعب عليها ادراك المفردة العامية العراقية، ناهيك عن دخول مفردات بقصائدهما لا تمت للموروث العراقي بشيء، ولأنهما يخاطبان نخبة النخبة من المثقفين جاءت قصائدهما مؤطرةً برمزية مغرقة ولا اقول غير مفهومة، في حين ان الكبير النواب عاش الغربة واستوطنها اكثر منهما لكنه لم يغادر العامية العراقية ومثال ذلك (الجسر العتيج) التي نشرتها ثقافتنا الشعبية وارجوملاحظة (الجسر العتيج ولم يقل الجسر العتيك)، وعودة للمثل الأول مستثنين علي الشباني وريسان الخزعلي اللذين يحاكيان ولا اقول يقلدان رياض النعماني وجمعة الحلفي، نجد الاخرين كتبوا القصيدة الحديثة مبتعدين بنفس المسافة عن العامية الموغلة والفصيحة التي تحتاج لقاموس لغة، بمعنى انهم ادركوا الحاجة وكتبوا اللغة المحكية لايصال ما يكتبون لجمهرة واسعة، وبعد جيل السبعينات برز شعراء يكتبون قصيدة النثر والنص المفتوح مواكبين لحركة الشعر الفصيح (محمد الغريب ونوفل الصافي وعماد المطاريحي وهاشم العربي واخرون) وقصيدة النثر تحديداً تعتمد على الاصوات وموسقى كل حرف ليتواءم ويتلاءم مع الحرف الآخر مكوناً كلمة تتناغم مع الكلمة التي تليها والتي تسبقها ليشكلا جملة، ومجموع هذه الجمل تنتج لنا القصيدة، والعروض في قصيدة النثر يعتمد على تلك الاذن المطوقة بموسيقى رفيعة جداً لتنتج لنا قصيدة النثر، ولا غرابة بذلك لان العراق حاضنة ولود لكل ما هوجديد ومثال ذلك القصيدة (الرقمية) التي خرجت من هذه الحاضنة العراقية، ولاني لم اخرج عن منطوق السؤال فقد يتصور البعض اني أقف معارضاً للقصيدة الكلاسيكية، فما يقال عن ثقافة الشاعر اعني به الشاعر عموماً سواء تبنى المدرسة الكلاسيكية والحديثة، والسؤال الذي اطرحه للجميع كم شاعراً مثقفاً بهذه المواصفات يكتب قصيدة النثر ويحدثها لتتناغم مع التطور المعاش؟!..

 

* ظاهرة (الكروبات) وتعدد الاتحادات، كيف ترونها من وجهة نظركم؟

- بعد سقوط الفاشية ورموزها السيئة لم يبادر الا المنتفعون والطبالون سابقاً لتشكيل اتحادات وجمعيات وتحت مسميات كثيرة للعودة لمكاسبهم المفقودة، منقسمين على انفسهم ممن يندد بممارسات الجمعية - سيئة الصيت - سابقاً، والتي لا تعدوكونها واجهة أمنية مدعومة، وممن لا يزال يتمسك بالحزب الواحد والقائد الواحد والأمة الواحدة، غير آبهين بما يدور حولهم من تغير اصبح واقعاً ملموساً، وهنا احمل الحكومة الوطنية الجديدة والمؤسسات الثقافية المعنية مسؤولية ذلك، رغم اعطائي الحق لها قبل فترة وجيزة، أما الآن وقد توضحت الصورة فلماذا لا تمد الحكومة يد العون لمن يمد لها يداً بيضاء، فلوافترضنا ان راتباً شهرياً واحداً لعضوبرلمان عراقي كفيل بتمويل اتحاد اصيل للشعر الشعبي ولسنة كاملة، ولا آمل خيراً منهم لان من لم يسن قانوناً للاحزاب ليومنا هذا حري به تهميش الثقافة والمثقفين، ولعل صوتنا يصل للساسة من خلال الصباح الغراء طالما ان هناك رموزاً وطنية اصيلة مهدت لتشكيل اتحاد جديد بخطوات خجولة يقابلها عدم اكتراث واضح من السياسيين..

 

*لديكم نبرة نقدية لا تعلنون عنها في تسمياتكم، خاصة في بعض محافل وسائل الاعلام المقروءة.. هل هي بسبب غياب المنجز النقدي الشخصي أم ماذا!..

- لا أدعي انني مستوعب للمدارس النقدية الحديثة ودراستها دراسة منهجية أكاديمية رغم قراءتي لها، وما اكثر هذه المدارس، ولاني احرر صفحة الأدب الشعبي في الفيحاء الحلية وجدت هناك ضرورة لتناول بعض النصوص ونقدها معتمداً بنية النص وتفكيكه واقعياً للكشف عن المسكوت عنه في هذه النصوص، اذن أنا لم اطرح نفسي كناقد متخصص وإنما هي انعكاسات وليدة لحاجة ما، سألت الدكتور عدنان العوادي عميد كلية الآداب / بابل يوماً وهوالتلميذ النجيب للدكتور علي جواد الطاهر (رحمه الله) هل توجد مدرسة واضحة للنقد العربي؟ فأجابني بما أجاب به الدكتور الطاهر له، سئل الإمام علي (ع) من أشعر العرب امرؤ القيس أم فلان فكانت اجابة الإمام علي (ع) أبواباً واضحة للنقد العربي، ولا اعرف لماذا لا يهتم النقاد كثيراً بهذه المدرسة واتباعها وبلورة مرتكزاتها حيث لم نجد مدرسة للنقد العراقي والعربي واضحة المعالم. وقديماً كان للنحومدرستان يعتد بهما البصرة والكوفة وثم ألحقت بغداد بهما واصبحتا حجة للناطقين بالعربية، اذن لم اطرح نفسي ناقداً رغم محاولاتي الجادة بذلك وما ينشر لي عبر الصباح وطريق الشعب والدستور وصفحة الأدب الشعبي في الفيحاء الحلية مبتعداً عن المقدمات الفجة التي لا تغني الموضوع بحثاً وإنما يراد بها الاشارة لكتاب قرأناه.

 

*اتاحة مساحة النشر في العديد من الصحف والمجلات العراقية، هل اسهمت في استقطاب المتلقي، وحفزت الآخر النقدي لاضاءة تلك المساحة بالنسبة للقصيدة الشعبية..

-نعم اتاحت مساحة النشر في الصحف والمجلات والفضائيات واسهمت في استقطاب المتلقي ولكن بدأت تدريجياً والفضائيات تحديداً تعيد هدم الذائقة الجمعية المهدومة اصلاً من خلال قصائد التهريج والقصائد التعبوية تصور اغنية تشجيعية لفريق كرة القدم "احنة في ساحة قتال" والامثال كثيرة، أما الناقد فقد نأى بنفسه عن هذه القصائد معتمداً النصوص الواعية ليقدمها للقارئ، واعتقد ان علينا جميعاً واجباً وطنياً للارتفاع بالذائقة الجمعية لان هذه الذائقة ثقافتها على "كد حالها" كما يقال.

 

*تجربة طبع المجاميع الشعرية من خلال بادرة (الصباح) .. ما هوانطباعكم الصريح عن تلك المحاولة الثقافية الفتية، بالنسبة لكسر الحاجز الذي شيده النظام المباد حول تلك التجربة..

-ارجوان لا اعد متزلفاً ان قلت ان المشروع الذي تبنته الصباح الغراء يستحق الاطراء الكبير، واعتقد ان رأي الاصدقاء كاظم غيلان وحمزة الحلفي وعلي الربيعي كانت تخطط خلف الكواليس لاقناع الاستاذ فلاح المشعل لتبني هذا المشروع الجميل كسراً للطوق الذي اقامته الدكتاتورية البغيضة صوب الشعر الشعبي وبالمناسبة أنا لا اعتقد ان هذا الطوق سوف يكسر بسهولة طالما ان هناك من تبنى هذه الفكرة وهم كثر، والغريب ان الدول الحية تفتخر بما لديها من لهجات شعبية وتحاول ان تجد لها القواعد الثابتة كالنحوفي اللغة العربية فشكراً للصباح لهذه البادرة التي اعادت للغة المحكية حقها الشرعي المسلوب.

 

*ساهمت الأغنية السبعينية العراقية بدور كبير في كشف المعاني الإنسانية والجمالية في حياة الفرد العراقي .. كيف تفسرون لنا هذا الإغراء الإنساني والجمالي لتلك الفترة دون غيرها من جيل الغناء الحالي ..

-ربما اجبت عن هذا التساؤل ضمن الاجوبة اعلاه ولكن الحديث عن الأغنية السبعينية حديث القلب وثق تماماً ان كل انفعالاتي هدأت بالوصول لهذا السؤال متذكراً "ابنادم" و"الكنطره بعيده" و"المكير" و"تانيني التمسج تانيني" و"حاصوده" و"الطيور الطايره" و"يا حريمه" والصوت الدافئ الذي لا يكرر "رياض احمد" والصديق الراحل كمال السيد والصديق كوكب حمزة وتفسير ذلك ان البحبوحة وفسحة الحرية المفتعلة من النظام المقبور اوجدت الجيل السبعيني الذي لم شتات الجيل الستيني الممزق فأنتج لنا هذا الكم من الاغاني العالقة بأذهان الناس، وبالمناسبة ان الهدم المتعمد للذائقة العامة جاء قبيل وبعد انهيار الجبهة الوطنية المزعومة، ودليلي على ذلك سن قانون سلامة اللغة العربية نهاية حقبة السبعينيات، اذن هوعمل مخطط ومدروس هكذا كما أراه، وعليَّ ان اعطي نفسي أملاً يخالف الجميع فلربما سيظهر جيل يعيد للاغنية العراقية روعتها وأصالتها بعيداً عن (بتل البتل، اشعل وانعل)، وأمل ان لا يكون حلمي بعيداً فلم لا!..

-مقطع من أمنيات مؤجلة

اتمنه ارجع طفل، موفكَر، ثوبي جديد

وصعد اسطوح العمر، وتشلبه عالنبكَات

والكَط بديه النجم ونشدهه خزامات

امن نوم اكَعد اخوتي، الجيران واهل الطرف

واوكَف بنص العكَد، وارسم كمر بالسمه..

يوميه ارسم كمر …

وصيح حد ينكطع صوتي .. اجانه العيد كعدوا ... اجانه العيد

واتمنه ارجع طفل …

باليمنه احط جنطتي واليسره يوميتي

ومن اطب صف الدرس ..

حافظ نشيد العلم والمدرسه بيتي

وبالليل اقره الدرس والضوه موفانوس

واكبر بحب الوطن، وينترس جيبي فلوس

اتمنه...

اتمنه اكتب شعر ما بيه ابوذيه …

ينكط ترافه وسعد، مليان حنيه

وكتب شعر للهجع، ونغني نايل فرح، وندكهه جوبيه)

واتمنه اصحه الصبح فيروز تندهني ... (نسم علينه الهوه) تارس شليله ورد، (يا عليه شوحلوين

واقره المظفر شعر...

السماك أول شطر والثاني قمر الدين...

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com