لقاءات

حوار مع الكاتب والمثقف الكردي المستقل حسين عيسو

 

اجرى الحوار: حسين أحمد

المتابع الانترنيتي العام لموضوعات الكاتب حسين عيسو ان كان كردياً أوعربياً سيكتشف بكل سهولة انه يخوض الفعل الكتابي في ميادين وحقول متنوعة أهمها : السياسية ،والثقافية ،والادبية، ومن الواضح أن هذه الموضوعات التي يطرحها الاستاذ حسين عيسو للنقاش فهي تحمل في طياتها تساؤلات مهمة كمفهوم الوطنية لدى الكردي السوري وأيضا دور المثقف وعلاقته بالشأن السياسي وقضايا أخرى منها واقعية وأخرى ربما متوترة  لتوضيح هذه القضايا أكثر كانت لنا هذه الوقفة السريعة مع الكاتب والشاعر حسين عيسو ...

نص الحوار

س1- لقد أثارت مقالاتك الثقافية والسياسية ضجيجا في أوساط المثقفين والسياسيين الكرد في سوريا .؟! فهل تظن بان هذه الكتابات التي تنشرها هي محاولة لاختراق عقل الآخر ومخاطبته بعيداً عن الشعارات والخطابات الجامدة أم هي إثارة لا أكثر ولا اقل ..؟

ج 1– بداية أود نقل عبارة كتبت على شاهد قبر الشاعر المتصوف اليوناني كزانتاكيس وقد نشرتها سابقا في احدى صوفياتي ، وهي " لا أطمع في شيء ...لا أخاف من شيء ...أنا حر " !

 فأنا إنسان أفكر بحرية ، ولم أقل يوما عكس قناعاتي ، قد يكون في مقالاتي الكثير من الاستفزاز وذلك تحفيزا للتفكير في الواقع الذي نحن فيه ، المستقبل غير واضح ، وقد يكون حالكاً ، اذا لم نفكر واقعيا بما نحن فيه ، الشعوب من حولنا تركت الشعارات منذ فترة والتفتت إلى الواقع ، العالم كله يتغير فلماذا لا ننظر إلى واقعنا كما هو ، ونحاول الاستفادة من أخطائنا الماضية ، 
س2- ذكرت في مقالتك (الكرد السوريون – ما الحل)  أن بعض الأحزاب الكردية تستفيد ماديا من تهجير الناس إلى خارج القطر .. هل لك أن توضح هذه القضية "الخطيرة" أكثر وهل يمتلك الأستاذ حسين عيسو أدلة دامغة تدين هذه الأحزاب التي أشار إليها في هذه القضية ...؟

ج2- ليست لدي أدلة، أنما أذكرك برد البطريرك الكلداني العراقي بعد المآسي التي تعرض لها المسيحيون في العراق مؤخراً وعرض كندا "على ما أعتقد" تأمين الملاذ لهم عندها ، هل تعلم أن رد البطريرك كان ، رفض ذلك ، وقوله ، لا أقبل تهجير شعبي من أرض أجداده برغم المآسي ! ، في المقابل ألست معي أن العديد من الأحزاب تسهل انتقال أعداد كبيرة من محازبيها وغيرهم للانتقال والإقامة في الغرب ، كم مرة شجبت أحزابنا أو وقفت ضد الهجرة ؟، ألا تراها تتبارى كل منها في اظهار روعة احتفالات فروعها في البلدان الأوربية ، هل يعرف حزب ما ، الأعداد الهائلة للكرد الذين يقيمون الآن في أوربا ، ثم هل تعلم أن تلك البلدان ، جاذبة للغرباء ، وسرعان ما تمنحهم الجنسية وتدمجهم في مجتمعاتها ، والجيل الثاني من المغتربين ينتهي أوروبياً !، أنا لا أخشى على من يقيمون في بلدان الخليج ، لأنها بلدان نابذة للغريب ولو عاش فيها عقودا ينظر إليه كغريب ، ولا بد له من العودة يوما ، أما من انتقل إلى الغرب فهو خسارة لنا .  

س3- كمثقف كردي سوري ما هي حدود الوطنية لديك أين تقف وأين تنتهي ...؟

ج3- بجملة واحدة ، ودون لعب بالألفاظ وشعارات براقة ، أنا قومي كردي ، لكنني واقعي أؤمن بأن حل قضية الكرد السوريين ، في دمشق ، وما أعمل في سبيله أو أتمناه وكذلك العديد من المثقفين الكرد والعرب وغيرهم من الوطنيين السوريين ، العمل من أجل بناء دولة وطنية ، تؤمِّن المساواة التامة بين كافة قومياتها في الحقوق الثقافية والقومية ، دولة الكل السوري ، دولة الحق والقانون ، وبعيدا عن أحلام اليقظة ، أقول أن هذه الآمال لن تتحقق غدا أو بعد غد ، وقد يطول العمل في بنائها عقودا ، ونرى كوطنيين سوريين عربا وكردا وآثوريين ، ان هذا هو الحل الأمثل ، أما غيره من الحلول فليست أكثر من استبدال استبداد باستبداد أخر ، أو الخلاص من معاناة إلى معاناة أمرّ وأقسى ، وإذا كان هنالك من لديه حل أفضل عمليا وليس شعاراتيا فليتقدم وأنا أسير خلفه .

س4- برأيك من الذي وضع حواجز بين الكردي والآخر السوري وكيف سيتم كسر هذه الحواجز ..؟

ج4- النظم الشمولية في كل دول العالم تقوم عل خلق الشك والريبة بين أبناء الوطن الواحد ، فكيف إذا كان ذلك في بلد مثل سوريا المتعددة الثقافات ، فهي تسهل مهمة السلطة في خلق الفرقة ، وبشكل مقصود تفضيل مكون على آخر ، ما يزيد من خلق الحساسيات داخل المجتمع ، وخاصة بعد الغاء دور المجتمع المدني وتسييسه لصالح السلطة وإنهائه ، هنا حصلت الانكفاءات وكل عاد إلى عشيرته أو قبيلته أو مذهبه أو قوميته ليحتمي بها ، أما كسر تلك الحواجز فيتم من خلال اللقاءات بين المكونات على أسس واضحة ، يعرف كل منا ماذا يريد الآخر ، ومن خلال الإيمان بأننا شركاء في هذا الوطن ، وأن ثقافاتنا المتعددة تثري حضارتنا السورية التي تمتد لآلاف السنين وهي ليست ملكا لمكون بعينه ، وإنما لنا جميعا ولأجيالنا القادمة .  

س5- ككاتب وكمثقف كيف تقرأ الحالة السياسية الكردية في سوريا وخاصة المتمثلة في الإطارين ( المجلس السياسي والمجلس العام للتحالف..؟ وهل لدى حسين عيسو رؤية واضحة حول المرجعية الكردية وهل ثمة آفاق قريبة لإعلانها برأيكم ..؟

ج5- المجلس السياسي حديث الولادة ، لذا لم نر منه شيئا بعد ، أما المجلس العام للتحالف ، أعتقد أنه مازال يعاني من تداعيات الانشقاق الأخير ، أمّا بخصوص كلمة "مرجعية" أنا شخصيا لا أحبذها لأنها تذكرني بالمرجعيات الدينية ،   لكن يمكن أن تسمى مجلسا وطنيا أو سياسيا ...، الأهم هو ، كيف يتم تشكيل هذا المجلس وممن ، باعتقادي يمكن أن تتشكل بداية من مجموعة من الشخصيات المعروفة التي تركت الأحزاب بسبب الانشقاقات وابتعدت عن سجالاتها ، يمكن الاستفادة من خبرتهم ، وتتشكل منهم لجنة تنتقي بدورها مجموعة من الوطنيين المعروفين بالموضوعية ، وأن لا يكون للأحزاب تدخل مباشر في انتقاء تلك الشخصيات ، وهذه أيضا مشكلة معقدة ، من الصعوبة تنفيذها بعيدا عن تدخلات الأحزاب ، وهذه المشكلة تذكرني بمقولة للسياسي السوري المرحوم الياس مرقص يقول : لو وافقت إسرائيل أن ترمي نفسها في البحر ، لرفض قادة الجبهات الفلسطينية ، لأن وجودهم مرتبط بوجود القضية الفلسطينية ، وأعتقد أن هذه مشكلة أحزابنا أيضا .

س6- تختلف السويات في فهم دور المثقف، وإدراك وظيفته المطلوبة والموضوعية ،فهو يمثل الشّطر المكمل لحياة السياسي . إذا كيف يفهم الأستاذ حسين عيسو هذه المعادلة ...؟

ج6- بجملة واحدة أقول : إن دور المثقف هو العمل على صياغة ضمير مجتمعه ليتجه اتجاها واقعياً وراشدا .

س7- كيف يمكن لحزب لا يمتلك سوى عشرات الأعضاء أن يقوم بأعمال للمطالبة بحقوق شعب يزيد تعداده على الثلاثة ملايين نسمة و هو لا يمثل منه سوى رقمآ فقيرآ ..؟برأيك  أليس هذا استهتارا واستخفافا بعقلية الإنسان الكردي أم لك تصور أخر  ..؟

ج7- لا أريد الدخول في سجالات جديدة مع أحزابنا ، لكن أقول يجب التمييز بين ما هو عملي واقعي وبين الشعاراتي ، حين قال الزعيم مسعود البارزاني بأن مصلحة شعبه هو في البقاء ضمن العراق ، أكد الزعيم الكبير على واقعيته ، كذلك القائد آبو عندما ينادي بالديمقراطية والمساواة في تركيا ؟ هل أضر ذلك بمفهوم الكردايتي ، كما أفهمها ، طبعا لا ، ونحن في سوريا أكثر حاجة للابتعاد عن تلك الشعارات البراقة ، وأحلام اليقظة التي لم تجلب لشعبنا غير المآسي والمصائب ، ونحن أكثر حاجة لأن نكون واقعيين ، مقارنة بأشقائنا في كل من العراق وتركيا وإيران . 

س8- يقال بان معظم منظمات الأحزاب الكردية في الخارج قد خرجت عن سيطرة الحزب الأم هذا من خلال البيانات والقرارات التي تصدرها بعيدة عن موافقة القيادة في الداخل .. إذا كيف تحلل هذه المعضلة وهل هو تمرد أم انشقاق أم ماذا   ..؟! يا أستاذ حسين عيسو

ج8- لماذا تكون لنا منظمات حزبية في الخارج ، اذا كان هنالك كوادر حزبية في الخارج فكان الواجب أن تكون مهامها ، حيث الحرية تسمح لهم ، تعريف الآخر على قضيتهم وبتوجيه من أحزابهم في الداخل، أما أن تتأسس أحزاب أو تنتقل قيادات حزبية إلى العمل في الخارج ، وخاصة البلدان الغربية ، فان نتائجها ستكون وبالا ، ليس على الحزب نفسه بل على الشعب الذي تمثله تلك الأحزاب والقيادات ، نعم وجود كوادر تخدم شعبها وتشرح معاناته أمام المحافل الدولية مهم جدا ، أما أن تتكلم باسم الناس المتشبثين بأرضهم ، وتنظّر لهم ، فهذه قد تكون مصيبة لأولئك الناس ، ولنا دروس من الشعب الأرميني حين تأسس حزبا الهنجاق عام 1887 في جنيف والطاشناق عام 1890 في تفليس ، واذا عدت الى الوثائق التاريخية ستتبين أن أغلب مصائب الأرمن جاءت من المغالاة في طروحاتهما ، بسبب بعدهما عن الواقع ، وخاصة الطاشناق وبشهادة المؤرخين الأرمن ، أن الطاشناق أول من تسبب بمعاداة الكرد اعتمادا على وعود أوربية بدعمهم ، فطالبوا حتى بضم ديار بكر نفسها للدولة الأرمينية ، لذلك حين وقعت الكارثة لم يجدوا صديقا لهم ، وتعرض الشعب الأرميني لمأساة قل نظيرها في التاريخ أما أعضاء الطاشناق ، حتى من شاركوا في احتلال البنك العثماني فقد عوملوا بكل تكريم وتم نقلهم إلى الخارج في يخت السفير البريطاني ، بينما عشرات الألوف من الشعب المغلوب قتلوا داخل بيوتهم ، إذاً من يتكلم باسم شعب مضطهد يتعرض كل يوم للمعاناة ، يجب أن يكون مقيما بينهم يتلمس معاناتهم اليومية ويعيش الواقع كما هو.       .  
 
س9 – الأستاذ حسين عيسو هل لديك مشروعاً ثقافياً محدداً ترى فيه تطويراٍ وإنقاذا لحالة تردي الثقافة والمثقفين الكرد في سوريا  ..؟ 

ج9- لو عدت إلى مقالتي "الكرد السوريون – ما الحل" وقارنت عدد قراءها بقراء مَن رد عليها "عقدة القيادة" ستصاب بالإحباط حين ترى أن عدد قراء الرد ، أكثر من قراء المقالة نفسها !، فكيف سيحكم ذلك القارئ ، اذا لم يكن قد قرأ نص المقالة نفسها ، خاصة وأن الرد لا دخل له بما ذكرت في مقالتي ، وهذه المأساة تذكرني بقصة حصلت منذ أعوام في مصر ، بعد محاولة اغتيال الكاتب المصري الشهير "نجيب محفوظ" ، فخلال محاكمة المتهم سأل القاضي لماذا فعلت ذلك ، رد المتهم لأنو بيقولوا انه علماني ، سأله وماذا يعني علماني ، رد المتهم ، بيقولوا ،كفر . محاولة الاغتيال حصلت فقط اعتمادا على كلمة واحدة "بيقولوا" قالوا له فصدق وحاول تنفيذ جريمة نكراء ، وهذا ما حصل لمقالتي ، قالوا ، اقرأ الرد يكفي ، لا حاجة لقراءة المقالة وهذا ما حصل ، منذ فترة نشر أحد الكتاب مقالة فيه تهجم على الكرد فنشرت ردي عليه في العديد من المواقع ، بعد فترة نشر ردي في إحدى جرائد الأحزاب ، دون نشر المقالة نفسها التي انتقدتها في ردي ، فطالبتهم بتصحيح الوضع ونشر المقالة التي انتقدت ما ورد فيها ، حتى يفهم القارئ لماذا عقبت عليها ، فكيف يقرأ الرد دون قراءة الموضوع نفسه ، هذه مصيبتنا !!!، أما بخصوص مشروع ثقافي ، لا أعتقد أن بإمكاني وحدي فعل شيء لكن ما رأيته في العديد من المناطق السورية ، أعمال جيدة يمكن الوقوف عندها مثلا ، في احدى المدن قررت مجموعة من الشباب تأسيس جمعية ثقافية باسم أصدقاء الكتاب ، تجتمع دوريا لمناقشة كتاب ما بعد قراءته ، والاستفادة من هذه الطريقة كبيرة ، فمن جهة تجتمع مجموعات من الشباب وتتعارف ومن جهة أخرى حين يتم تحديد كتاب ما لقراءته ومناقشته ، يضطر الشخص إلى قراءة ذلك الكتاب بشكل جيد تمهيدا للمناقشة ، وفي ذلك تشجيع للعودة للقراءة ، وليس قراءة العناوين كما هو حاصل هذه الأيام مع الانترنت ، هذا الخزان الهائل من المعلومات التي لا أعتقد أننا حاولنا حتى الآن الاستفادة منها كما يجب .   

س 10 – كلمة أخيرة ...! 

ج10- في الفترة الأخيرة حاولت الهروب مؤقتا للراحة من الأقلام التي بدأت تلاحقني بالاساءات في كل مناسبة ، فقررت العودة إلى الشعر الذي تركته طويلا ، تلك الأقلام عادت لعادتها في النهش والاتهام ، وهذا مرض يوجب معالجته ، فهنالك أناس ليست لديهم امكانية فعل شيء ، والمصيبة أنهم يحاولون منع الآخر أيضا !، لو قرأت أشعار الجزيري والخاني وجكرخوين ، وكل شعراء الكرد والعالم ، تجد فيها الحبيبة ، والتغني بها ووصفها بأدق التفاصيل ومعاناة الفراق والغدر والخيانة والوصال ....، حتى لو لم تك تلك الحبيبة موجودة ، فخيال الشاعر يخترق كل الحواجز ، وأنا اخترعت لي حبيبة دون اسم ، وبثثت فيها معاناتي ، حتى هذه لم يتقبلها أهل الظلام وأتتني الاتهامات من كل صوب ، وهذا نبهني إلى أن الهروب لا يحل مشكلة ، وأن الحل في الاصرارا على المواجهة ، معتمدا على الحقيقة التي أؤمن بها .

يقول بوذا : لقد وصلت إلى الحقيقة التي كنت أبحث عنها ، وعلى كل إنسان البحث عن الحقيقة التي يريدها .أي أن الحقيقة نسبية ، ولا وجود للمطلق .

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com