لقاءات

 

      حوار مع القاص والروائي المغربي إدريس الجرماطي 

اجرى الحوار: حسين أحمد

إنهم يرسمون بلون الماء احاسيسا وشعورا صافيا كما الماء..؟!

 يمكن القول عن هذا الزمن بانه زمن الحداثة والعطاء والتغيير والاختلاف – لا خلاف- الذي ينبع منه كل ما هو خلاب وغير اعتيادي ,فقد برز فيه أسماء بارزة كان لها الأثر الكبير في اختصار المسافات للأجيال الآتية من بعدها ، فنحن نعتز ونفتخر بكتاباتهم الإنسانية العميقة أينما ظهرت .

فالأديب الحصيف القدير المبدع هو الذي يسخر جل ماحوله لأجل انفجار رغباته وأفكاره وأحلامه السجينة والمختفية داخل أغواره .

فهدف الأديب الحقيقي هو إطلاق سراح أفكاره الخصبة ، من الفضاء الداخلي إلى الفضاء الخارجي كيف ما كان الأسلوب المستخدم في التعبير وفي الطرح ، لان العمل الجاد هو الذي يبرر حضوره ويمضي  به إلى عوالم الخلود . لنبش بعض القضايا الثقافية .كانت لنا هذه الوقفة مع القاص والروائي المغربي إدريس الجرماطي...

يقول الكاتب إدريس الجرماطي :

- هناك من يقول لي أني شاعر ولست كاتباً.

- ليس هناك روائي رائد أو قاص رديء أو اقل شأنا.

-لم يسبق أن قررت أن اكتب الشعر دون القصة أو الخاطرة.

- لا يجب أن نضيع فرصة الحفظ في الأوراق لأن أصعب شيء هو الفناء

نص الحوار ...

 س 1- سؤال تقليدي كيف كانت بدايات إدريس الجرماطي .؟ وما هي التأثيرات التي جعلته يدخل عالم الكتابة والإبداع والشهرة والتعب ..؟

ج 1 ـ بدأت الكتابة ، حين أحسست بوخز الحياة العنيفة ينفد إلى فؤادي باتا فيه روحا تندد أن هناك خلقا آخر في دواخلي ، أخذت حينها أخربش في أوراقي واصنع منها مراكب تطفو فوق الماء واليابسة ، عندها رأيت من حولي يجمع أوراقي وينظم فيها أشعاره، أحس حينها  بما يقول يتناغم مع لوني، إذاك علمت أني قد اكتب، لذلك بدأت دون أن أتردد ..

س 2- في البدء كانت الكلمة في البدء كان الله فالكلمة التي لا تفضح جرائم القوي في حق الضعيف ليست كلمة طيبة ولا جميلة , فهل تظن بان الكلمة التي يدونها إدريس الجرماطي قد لامست بؤرة التوتر من جهة والمتحول من جهة ثانية وبالتالي أحدثت خلخلة في عالم الكتابة الإبداعية أم لا يزال يجتهد ..؟

ج 2 ـ الكاتب هو الذي يعيش مع الحدث، يلامس الجروح ، ويكتب لأنه ثورة آنية لما يجري في عوالم الساحة الغريبة، هو يعبر بطريقة أدبية عن آلامه وخلجانه ، لا ينتظر  أن يصنع غير ما يشعر به ككيان حقيقي وإنساني بعيد عن الضوء والشاشة والمزابل المعطرة الواجهة ، فهو في الحرب التي يحبها ويختارها للتعبير عن غيرة ما، أو رؤية لا تليق بالوضع الإنساني المحير في لحظة ما...  

س3- يظهر من بداياتك الكتابية إنها كانت مع خواطر شعرية, يبدو أن هذه التجربة قد وأدت قبل أن تنبلج إلى النور وتنطلق إلى الفضاءات الشعرية..!! لتبدأ بكتابة القصة القصيرة ومن ثم بكاتبة الرواية..؟! : هل لنا أن نفهم لماذا هذه القطيعة مع الخاطرة الشعرية أولا, ثم هل هذا يعني بانك لم تستطع أن تعبر عن كوامنك الداخلية بقوّة من خلال هذا النوع من الكتابة الإبداعية لتتحول إلى كتابة الرواية أم ما معنى هذا التحول...؟!

ج 3 ـ لم يسبق أن قررت أن اكتب الشعر دون القصة أو الخاطرة ، فالكاتب يجد نفسه في أحداث تصنع منه جنسا معينا، فهو ليس حبيس إطار معين ، فهو مبدع بطريقة خاصة ، لم يتبادر إلى دهني أني اصنع قطيعة مع نفسي لأن ما اكتب هو مني وسبق أن كتبت الخاطرة والشعر ، فهناك من يقول لي أني شاعر ولست كاتبا ، لكن هناك من يقول العكس ، إلى حد الآن اكتب لأني ملزم بجنوني ولا أفكر في معتقد مجانيني ، الأهم أن يولد ما اكتب  غير معاق ، بل هادف إلى الإنسانية بجميع الأجناس الأدبية...

س4- إن عالم القصة عالم محفوف بالتساؤلات وعصي على الكثيرين حتى بعض الذين توجهوا إلى الرواية التي تعمد الكثير التوجه نحوها ليظهر بحلة الأديب وكأن الروائي وحده أديب فكاتب القصة يعتقد بأنه اقل منزلة من الروائي إلى أي درجة أنت متفق مع هذا الرأي ...؟

ج 4 ـ ليس هناك روائي رائد أو قاص رديء أو اقل شأنا ، إنما لكل طبيعته في إيصال معناه الساكن في روحه ، فالكتابة جنون ، والجنون أطياف وألوان، كل منا ترقص أرجله على حساب ما خبرته قدماه من الأرض، فخيوط الإبداع متشابكة في أعماق كل إنسان ، فلكل طريقة فك طلاسيم الوجوه والتعبير عنها  بقرارة ما يراه في داخله سواء بالقصة أو بالرواية أو الشعر والخاطرة ، أو غيرهما من أساليب التعبير الروحي أو الجسدي..

س5- سطر الناقد المصري إبراهيم محمد حمزة على الغلاف الأخير لروايتك " عيون الفجر الزرقاء " قائلاً: يٌدهشك الروائي المغربي إدريس الجرماطي في هذه الرواية بعوالم غير معتادة، وبلغة غير معتادة، لغة هي روح القصة القصيرة، الجمل اللاهثة المتتابعة، التي لا تترك للقارئ حقه في الشعور بالطمأنينة التي تبثها الرواية عادة .هل هذا يعني بأن إدريس الجرماطي احدث تغيراً في راهن الرواية العربية التي تكتب اليوم , أم أنها كلمات تشجيعية من الأستاذ إبراهيم محمد حمزة ربما لا أكثر ولا اقل ...؟

ج 5 ـ فرصة جديدة في منبر آخر أن اشكر الصديق المميز إبراهيم محمد حمزة الذي أعطى لروايتي عيون الفجر الزرقاء بلون يده كلمة صافية كالماء ، أكد لي انه لم يكن قد تصفح الرواية بقدر ما سطر على الكلمات ونبش في أغوار المضمون ، كان الرجل يريد أن يعرف من هو إدريس الجرماطي في رواية عيون الفجر الزرقاء ، بل أكد أيضا أن إدريس كتب بطريقته التي لا يمكن أن يكتب بغيرها، بأسلوبه المعتاد المتواضع، فالناقد متمكن في سكن الآخر في كتاباته ، بحار في التجربة النقدية ، وإدريس الجرماطي يساير الكون يحاول أن يكون جادا في نصوصه وتعابيره لكي تصل إلى القارئ بحلة المفهوم دون التفكير في تغيير الكون أو ما شابه ذلك...

س6- تبين لي من خلال القصة التي يكتبها إدريس الجرماطي هي دائما في اكتناف شعري هل هي محض صدفة أم أنت مؤمن  بأن القصة السردية الحكائية الرتيبة لم تعد تمتع القارئ ولا تلفت انتباهه ..

ج  6 ـ الشيء الوحيد الذي يجب أن يضعه الكاتب نصب أعينه وهو يكتب ما يحس به من مشاعر داخلية ، هو أن يوصل رسالته بعفوية العطاء وان يحاول ممارسة ذلك الإحساس بسلاسة الأسلوب لكي لا يبتعد عن منظومته الإنسانية ، ولكي لا يرى المثقف العادي بأن كاتبه يكتب طلاسيما لا حل لها، وارى أن الشعر لا يختلف عن القصة ، فكلاهما نسيج وتعبير عما يروج من أحاسيس ساكنة في غابة الإنسان العميقة ، والهدف منهما أن يحس بهما القارئ كتابة ومعنا، وليس لماسك الطريق غير أن يشد بزمام الوصول قاصا كان، أم شاعرا يتقاطر أبياتا ...

س7- من خلال قراءتنا لقصصك ثمة إمالة وانحياز واضحين صوب لغة رمزية..؟؟ هل لأن إدريس الجرماطي لا يزال متأثرا بحالته الشعرية..؟؟أم انه أسلوب جديد في عالم الرواية كما أكد: الناقد إبراهيم محمد حمزة..؟! حبذا أن نعرف منك شخصياً هذا الأمر..!!

ج 7 ـ سؤال بسؤال: هل هناك كتابة بدون رمزية ، إذا قدر الله أن تكون ، فهي تقرير إداري يمكن أن يكتبه أيا كان، سئلت ذات اجتماع، لماذا لا يكتب إدريس ببساطة في أسلوبه؟ كان سؤالا محيرا ، أجبت عليه بسرعة لأني كنت أريد تجاوزه، قلت أن لي ابنا في السن العاشرة يكتب المواضيع الإنشائية جيدا ، يمكنه أن يكتب لكم ما تشاءون، أنني ليس لي سلطان على تغيير أسلوبي وإلا لن اكتب بعد اليوم شيئا...

س 8 – بماذا يعلق إدريس الجرماطي على ما تردد عنه في وسائل الإعلام الالكتروني من هذه العبارات(  :مرّ أنت حد اللذة.. خيالي حد الأفق.. واقعي حد الحقيقة - خيالك جميل والأجمل ربطته بالواقع - قدرة رفيعة لربط الواقع بالخيال والاستفادة من الخيال الخصب في تقريب الحقائق إلى الأذهان- قوة في الخيال وجمال في الإبداع - نصوصك دائما تتميز بالدقة والشفافية في نسج الأحداث وإدارتها دمت لنا وهاجا في سماء الإبداع يا إدريس الجرماطي . 

ج8 ـ إنهم يرسمون بلون الماء احاسيسا وشعورا صافيا كما الماء، قلوبهم في عذوبة الماء، هم ضرورة كما الماء ، إذا هم الحياة، الأصدقاء والأحباب هم الذين يصنعون طلعة الإنسان، بهم يستمر الوجود بهم يعانق أسراب الطيور، أحبهم كما هم يصنعون، ولكل منكم  وردة في بستان الكلمة...  

س 9- الم يراودك التفكير"  مرة " بأن الكتابة الالكترونية يضيع جزء كبير من إبداعات الكاتب داخل خلاياها وبالتالي ربما هي عابرة ايضاً ما بين مفهوم نقمة ونعمة ...؟؟ وخاصة هذه الكثرة في النشر في المواقع الالكترونية..؟

ج 9 ـ الكتابة الالكترونية اسمها" ضاع القلم" هي رسم في عوالم المجهول قد يسقط الجهاز ويتكسر ، وينتهي موضوع ما ، بالأوراق يمكن أن نحتفظ بقوة على ما نسطر للزمن الغريب الاختصار والغياب، كل شيء مختصر ولكن ليس هناك وقت للأخر، إنها متناقضات تسري عوالمنا الباهتة ، والعالم الافتراضي له مميزات أخرى على سبيل المثال ، ما كان ممكنا أن يتحقق التواصل السريع بهذه الطريقة لولا العالم الالكتروني، ولكن لا يجب أن نضيع فرصة الحفظ في الأوراق ، لأن أصعب شيء هو الفناء ، فناء الضوء ، وغياب الشموع... 

س10 – قصصك الموسومة بالعناوين: ( بداية أخرى – ملاك النوم – الجدار- الرعاة – الليلة العاصفة - الغاب ) تعطي رؤية إشكالية في تفسيراتها ولكن من يغوص في أعماق قصصك يلاحظ عكس ذلك تماماً وكأن هناك فخا للقارئ..فماذا تقول ..؟!

ج 10 ـ أولا اشكر لكم هذا النبش الكبير، والاهتمام البالغ، عن السؤال أقول، أي شيء في الوجود يبدأ بالإشكال من مجرد الرؤية الأولية، رغم إننا في زمن السرعة ولا وقت لإعادة القراءة ، ولكن الكتابة بدون ركوب عوالم الاغتراب ، وخلق متعة في الأسلوب وجعل القارئ يبحث عنك في دروب سطورك لكي يعرف في النهاية بأنك كاتب يمكن أن يعرفك بين آلاف السطور، بغير كل ذلك قد يكون الكاتب عاديا وباهتا...

س11 – كيف ينظر إدريس الجرماطي إلى القاصات والقاصين السوريين... ولمن قرأت بشكل خاص ..

ج 11 ـ يقال لي زرت القاهرة ، لي شرف الزيارة إلى ذلك المقام الطيب الطاهر ، ونيتي الآن أن أزور دمشق، وهمي أن ارسم شيئا عن سوريا الجميلة ، سوريا التي تحمل بين جناحيها أعمدة في القصة العربية والسينمائية ، إلى ذلك الشعب الذي يؤمن بأن العبث هو أن لا يكون الإنسان ، وان يكون يعني أن يكتب على حد تعبير "كافكا"،  الأدب السوري متميز جدا بالحبكة والقوة ، فالكاتب السوري أكثر تأملا وخيالا مقارنة مع الكتاب الآخرين في مواقع أخرى وهي معروفة بزخم الكتاب الذين لهم صيت كبير في الساحة العربية ، ولما نسمع في المغرب مثلا أن كاتبا سوريا في مقام ما، نعتز به ونفتخر بان هناك أدبا عربيا رفيعا قد حل المكان ومن المؤكد انه صوت وكلمة فوق كل اعتبار، قرأت الكثير للناشئة البهية ، أمثال الكاتبة الرائعة وزنة حامد ، فكلما رأيت أشياءها التفت إليها بقوة لأنها رزينة الأسلوب في الحياة، واقرأ للمغربية الأصل التي ترفع قامة المغرب في سوريا الكاتبة المميزة سمية البوغافري

س 12 - مجموعتك القصصية " رحلة في السراب )( 2008 ) كيف كانت الرؤية النقدية لها وهل هناك أقلام بارزة تناولها بعمق وحيادية ولمن كانت..؟

ج 12 ـ اعتقد أن رحلة في السراب أتت في لحظة حيرة أيامي التي لم أكن اعرف فيها النشر والطبع بعد ، لكن لما خرجت إلى الوجود أحسست بعمق أن هناك من يساير كتاباتي من أقلام وازنة وهادفة لم تكن تدافع عني لمجرد أن الرواية وصلت بطريقة معينة إلى أياديها العامرة بالخير، فتلقيت دراسات ممن يقام لهم اعتبار كبير في المغرب وفي الساحة العربية بشكل عام، فهنا الأستاذ الكبير الناقد سامي دقاقي الذي سماها برحلة في السراب الحق في الجنون وقهر الاغتراب وسماه بسراب الموقف المعلن ، ودراسة للكاتب الكبير والناقد لحسن ملواني الذي كتب بعنوان راحلة في السراب من المكان نحو الممكن ونشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي دراسة أخرى تناولها الدكتور محمد الكباص ، وتناولتها جريدة الشمال بالمغرب تحت إشراف الدكتور خالد مشبال ، وغيرهم من الكتاب الذين كتبوا عنها ومنهم من لا زال يفك سطورها ولم ينته بعد...

س 13 - حصلت على جوائز و شهادات تقدير وتكريمات كثيرة من خلال أعمالك الأدبية .كيف كان وقع ذلك على ذاتك ,و هل أضافت شيئا جديدا من الناحية الإبداعية لما يكتبه إدريس الجرماطي أم لا ...

ج 13 ـ الشواهد والجوائز هي تكليف آخر ودعوة إلى المزيد من الاشتغال ، فكلما وقع اعتبار للشخص في محفل ما فإنه مطالب لمحافل أخرى في أماكن غير تلك بطريقة جديدة في عمل يعكس وعده ونضاله الأبدي الذي لا يجب أن ينقطع ، فما زادته الشواهد مني إلا قياما لليال بيضاءلم أر فيها نوما لأني ملزم بالكثير تجاه الأرواح التي كرمتني يوما ما وتنتظر مني الكثير

س14 – بعد " رحلة في السراب و عيون الفجر الزرقاء " هل هناك جديد سنقرئه للأديب إدريس الجرماطي في المستقبل القريب ...

ج 14 ـ لقد أخذت مني المجموعة القصصية التي بصدد تدوينها عبر سطور شاشة الحاسوب الكثير ، لقد كانت عناء ثلاث سنوات من الاشتغال عليها ومازلت أنقح فيها ولكنها والحمد لله على أبواب النهاية وعندها سأخرج بحلة أخرى اسمها القصة القصيرة والقصيرة جدا، ومما يميز هذه المجموعة هو ذلك العنوان الذي أريد أن اسطره قبل أن يتناوله غيري من حملة الأزرار ، اللهم فاشهد أني قد بلغت.... 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com