الكاتبة الكردية درية عوني : رحلة الآلام والآمال

 

أجرى الحوار : لافا خالد

  درية عوني سليلة اسرة عريقة خدمت قضيتها على أتم وجه , ولدت في مصر من أب كردى ومن ام مصريه، درست في المدارس الفرنسية وأكملت دراستها الجامعية في فرنسا وعملت صحفيه في وكاله الأنباء الفرنسية فى باريس حيث كانت تكتب باللغة الفرنسية عن أخبار العالم العربي . راسلت باللغة العربية صحف مصريه وعربيه من باريس كما كانت على رأس نقابه الصحفيين الفرنسية في فرنسا، صدر لها المئات من المقالات بالفرنسية والعربية. كما صدر لها كتابات عن القضية الكردية مع الكاتبة الكردية درية عوني دخلنا عوالم التاريخ وانتقلنا لآفاق الحاضر وتكلمنا عن الطموحات والآلام والآمال عبر الحوار التالي  :

 س1:- لنبدأ من التاريخ لتناول حاضر العلاقات المصرية الكوردية، كانت مصر من أكثر البلدان العربية التي لها علاقات قديمة مع الأكراد، علاقة الميتانيين الكرد والملوك الفراعنة بدأت منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وبرزت من خلال زواج بعض الأميرات الميتانيات من الملوك المصريين أمثال الملكة نفرتيتي التي حكمت عرش مصر، هل نسى الطرفين تلك العلاقات التاريخية أم إن الحاضر يفرض علاقات جديدة ووفق أجندة مختلفة؟

ج: أغلب المصريين في العصر الحديث نسوا هذه العلاقات بسبب التعتيم التام للانظمة العربية على كل ما يخص الشعب الكوردي. بل اكثر من ذلك تعمدت ونجحت الشوفينية العربية في تشويه تاريخ الكورد والتغطية التامة على الاضطهاد والظلم الذي يمارس ضدهم في الدول التي تقاسمت اراضي كوردستان.لقد بدات مصر علاقات قليلة وحذرة مع إقليم كوردستان العراق، ولكن لا توجد اي علاقة بين مصر وأكراد تركيا وسوريا وإيران.

س2- الوثائق المصرية  وصفت الملك الميتاني ( توشرتا نحو 1390ق. م) بالصديق الموالي لمصر، وكانت بينه وبين ملوك مصر رابطة مصاهرة ونسب، وله مراسلات مطولة مع أمنحوتب الثالث هل يمكننا الحديث عن صداقات كوردية مصرية في وقتنا الراهن وهل هناك جمعية للصداقة بين الشعبين.؟

ج:  لا توجد جمعية صداقة مصرية كوردية بعد. وليس من السهل إقامتها في الوقت الحاضر. اكيد أن هناك صداقات بين مصريين وكورد بحكم الاحتكاك في داخل الدول العربية. 

س3- شكل الكورد دولتان عظيمتان في مصر، الأولى الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي أما الدولة الثانية فهي التي أنشاها مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا الكبير – أصله من أكراد ديار بكر –هل هناك آثار شاخصة لتلك الدولتين وما مدى تأثيرها في الذاكرة المصرية ؟

ج: هناك كثير من الآثار التي تركتها الدولتان الايوبية ودولة محمد على باشا الكبير، ولكن الشعب المصري لا يعرف إن قادة هاتين الدولتين من الكورد. وهذا ما نحاول التذكير به بمساعدة بعض المصريين الذين بدأوا يهتمون بالشعب الكوردي وتاريخه. وكذلك بدأ كثير من المصريين الذين لهم جذور كوردية الاعتراف والجهر بها اعتزازا.

س4:- يقول العلامة محمد أمين زكي إن الحركات الكردية حاولت الاستفادة من الخبرة المصرية في بناء جيش عصري بل و يؤكد البعض على أن مصر ساعدت الأكراد في إقامة صناعة للأسلحة في راتوز (كردستان إيران) هل هناك توجه مصري للتعامل الاقتصادي مع الكورد وبالذات مع حكومة إقليم كوردستان؟

ج: كما سبق وأن ذكرت بدأ نوع من التعامل المصري الاقتصادي مع اقليم كوردستان، وهناك قليل من الشركات المصرية والعمالة المصرية تعمل هناك، ولكن حجم هذه العلاقات لا يقارن بالوجود التركي في الاقليم. والسبب لا يرجع إلى رفض الاقليم للشركات المصرية، بل لتكاسل هذه الشركات للذهاب هناك، وأيضا بسبب الموقف العام العربي الشوفيني من الاقليم.

س5:- الدور الكوردي في الثقافة والإبداع المصري كان كبيرا والأسماء كثيرة أمثال محمد عبده،قاسم أمين، الأديب عباس محمود العقاد، أمير الشعراء احمد شوقي، الشاعرة عائشة التيمورية، القاص محمود تيمور، الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد،الباحث حسن ظاظ،الفنانة سعاد حسني،المخرج السينمائي احمد بدرخان وابنه علي،هناك تجاهل أو تعتيم على الهوية القومية لهؤلاء المبدعين، ترى ما هي الأسباب وهل ظهر في وقتنا الحاضر شعورا قوميا لتأكيد الهوية عند مبدعينا الكورد في مصر؟

ج: سبق وأن ذكرت أعلاه أنه كان هناك تعتيم ولكن بدأ يقل ببطئ.

س6:-  تأسست أول صحيفة كوردية ( صحيفة كردستان ) في القاهرة في الثاني والعشرين من ابريل 1898على يد مقداد مدحت بدرخان، هل يمكن أن ننطلق بعد كل المتغيرات التي عصفت بالمنطقة من اجل تأسيس حوار كوردي مصري ما هي المعوقات وما هي أهمية هكذا حوار؟

ج: المعوقات لا زالت كثيرة جد، فكورد العراق يحاولون بصعوبة التحاور مع عرب العراق. أما عن كورد سوريا وتركيا وإيران فأنت أعلم مني باستحالة الحوار معهم.والعائق الأكبر هو أنه يجب اولا على العرب أن يتحاوروا مع بعضهم قبل أن يبدؤوا بالحوار مع الأخرين. فالعرب تشرزموا وتفرقوا. فكيف يقيمون حوارا مع الشعب الكوردي الذي لا يعرفون عنه إلا القليل القليل، وأغلب معلوماتهم مشوهة ومغلوطة.

س7:- الزعيم المصري جمال عبد الناصر أتاح للأكراد أن يطلوا على العالم من خلال محطة إذاعية هي الأولى من نوعه، كما استقبل الرجل الذي أصبح لاحقا زعيما تاريخيا للأكراد وهو مصطفى بارزاني، هل يمكننا الحديث عن تراجع للموقف المصري تجاه القضية الكوردية؟

ج: نعم هناك تراجع تام مصري تجاه القضية الكوردية بعد جمال عبد الناصر. هل نسيتي خروج عبد الله أوجلان من سوريا بوساطة مصرية؟!بدأ تعامل مع إقليم كوردستان كأقليم عراقي وليس كمساندة للشعب الكوردي. وإذا طالب إقليم كوردستان بحق تقرير المصير سيكون النظام المصري اول من يعارض ذلك.    

س8:- بعد تجدد القتال بين الأكراد وحكومة بغداد 1963 أعلنت القاهرة معارضتها الحرب كأسلوب لحل القضية الكردية وعارضت بشدة اشتراك ضباط أتراك وإيرانيين في العمل ضد الأكراد، ودعا الرئيس ناصر إلى إيقاف القتال والشروع في محادثات سلمية لحل القضية الكردية، الم يحن الوقت لقيام مصر وبحكم ثقلها في المنطقة بطرح مشروع لحل القضية الكوردية وهي التي رعت الكثير من الحوارات لحل الإشكالات التي تعيشها المنطقة؟

ج: نعم حان الوقت. ولكن مصر تمر الآن بفترة انتقالية حرجة جدا ابعدتها عن الساحة العالمية والقيام بمثل هذه المبادرات. وهذا يشرح انتشار الدور التركي والايراني على الساحة العربية والعالمية.

س9:- أين موقع الأكراد في الشرق الحالي وهل سيكون لهم دور في الشرق الأوسط الكبير أم إن القضية الكوردية ستبقى رهينة واقعها الجغرافي المحاصر وورقة للمساومات الإقليمية والدولية؟

ج:إنْ استمر الكرد في انقسامهم وعدم تمكنهم حتى من إقامة رابطة تجمع بين الأحزاب أو الناشطين الكورد في أنحاء كوردستان المقسمة فسيكون من المستحيل ان يكون للاكراد موقع في الشرق الكبير ولا الصغير،وستبقى القضية الكوردية رهينة في واقعها الجغرافي وورقة مساومات إقليمة ودولية 

س:- هل يتحرر الكورد من واقع التجزئة، أي الأجزاء تمثل الحلقة الرئيسية ومن سيكون اللاعب الرئيسي (كورديا و إقليميا ودوليا ) لحل القضية الكوردية؟

ج: الشعب الكوردي  هو الوحيد القادر على حل قضيته إذا اتحد.

 س10:- البعض يطالب بضرورة خطاب موحد للكورد في كافة الأجزاء، إلى أي مدى يمكن إبراز العام سياسيا على حساب الخاص الذي يتحكم بوضع الكورد في الدول التي يعيشون فيها الآن؟

ج: عندما يضع الساسة والقادة والأحزاب الكوردية مصلحة الشعب الكوردي قبل مصلحتهم الشخصية في حدود امكاناتهم في الدول التي يعيشون تحت أنظمتها.

س :-  كيف تقييمين تجربة كردستان العراق , هل هي افرازات شرق أوسط جديد أم إنها  الحالة الطبيعية في فرض الاعتراف بحقيقة الوجود الكردي وحضارتهم وعمق تاريخهم ومن ثم ما تأثيرات هذه التجربة على كرد الدول الأخرى

ج: إن تجربة كردستان العراق هي نتيجة حتمية لنضال طويل دامٍ وشجاع وتضحيات هائلة. إنها ليست إفرازات شرق جديد. هذا النضال فرض الاعتراف بحقيقة الوجود الكوردي. إنها تجربة ناجة جدا وسيكون لها من المؤكد تأثير ايجابي على كورد الدول الأخرى، كما قلت لو كثفوا وساعدوا على وحدة الشعب الكوردي وقللوا من تاثير تعدد اللهجات- وتبادل زيارات الجمعيات إلى اخره.

س:-  الكرد في الخارج كان لهم دورا بارزاً في أن يصبحوا لوبي قوي بإعداد ضخمة هل في مصر الجالية الكردية تلعب نفس الدور مستفيدة من عمقها ودورها التاريخي في مصر؟

ج: ليس هناك جالية كوردية في مصر. هناك مصريون لهم جذور كوردية لم ينسوه، ويفخرون به، وعددهم قليل. ولا يمكن أن يقيموا لوبي. نرجوا ان تصححوا لقرائكم ان مصر ليس بها جالية كوردية. مصر بها طلبة كورد ودبلوماسيون وسائحون أكراد غير مصرييين، يغادرون مصر عندما تنتهي مهتهم، ولا يسمح لهم بممارسة أي انشطة سياسية في مصر.

س:- بصفتك ناشطة وكاتبة كردية وصحفية وتعرفين إن الكورد كانوا ورقة رابحة للآخرين وصفقة خاسرة في منعطفات مهمة لا نفسهم , هل يمكن تغير المعادلة وكيف؟

ج: يمكن، ولكن ذلك بيد الكورد فقط، بتوحدهم واستغلال ملايين الكورد المهاجرين إلى اوربا وامريكا لعمل لوبي. فهذه الدول تستطيع تغيير وضع الكورد وحصولهم على حق تقرير المصير. شاهدي ماذا يحدث في السودان، وقد حصل جنوبه على هذا الحق.

س:-كثير من الكورد يسالون عن كلمة شائعة ومتداولة بين المصريين واقصد بكلمة تستكردني، هل هي موجهة للكورد  وما هي صورة الكوردي المرسومة في مخيلة المصريين ؟

ج: هذه الكلمة قد اختفت من اللهجة العامية المصرية، وحتى ولو استعملت لا يربطها اغلبية المصريين بالشعب الكوردي.منذ سقوط صدام تحسنت كثيرا صورة الكوردي في مخيلة المصريين وتقبلوا اقليم كوردستان ورئيس جمهورية العراق (الكوردي جلال طالباني) . إلخ .

س:- درية عوني امتداد لعائلة عرفت بإسهاماتها الثقافية ودورها في المجتمع المصري وفي الوقت ذاته تملك رصيدا جماهيريا عند الكورد.... بماذا تحلمين وهل هناك مشاريع في الطريق؟

ج: أحلم بأن يحقق الكورد في سوريا وتركيا وإيران ولو بعض احلامهم..

الاضافة الجديدة والمشاريع  ستكون: عمل موقع اليكتروني للوالد محمد على عوني، يحتوي على كل كتبه التي ألفها وترجمها عن تاريخ الشعب الكوردي وما كتب عن الوالد، بالاضافة إلى مساهمة الموقع نشر الثقافة الكردية على أوسع نطاق وفي كل مكان ... .

كذلك نحن نعد الآن لتوثيق تاريخ المصريين من اصول كوردية، والأماكن التي عاشوا فيه، وإسهاماتهم في الحضارة الاسلامية والعربية.