عندما يستنكر العربي؟!

 

كلمة كانت تقولها جدتي (رحمها الله) دائما عندما يشتد الوجع ضاغطاً على الذكريات مفجراً اليأس في قلبها والدمع في عينيها: (أولادي .. مثل خبز العباس وزعتهم ما بين مسجون وغايب ومشرد)، لأن احد اعمامي كان في السجن والآخر مجهول المصير والبقية في اصقاع الأرض مطاردون من مطار الى مطار ومن منفى الى منفى .. لتموت جدتي غريبة في وطنها ويبقى رمسها يطلّ من وادي السلام يستنكر غياب الاحباب.

رحم الله جدتي الطيبة، ورحم الله كل الامهات اللواتي اغمضن العين بحسرة رؤية أولادهن .. ورحم الله تراب العراق الذي ضم في ثناياه شباب العراق بكل آمالهم وطموحاتهم ورؤاهم ولم يسمع يوماً استنكاراً لصوت عربي واحد.

رحم الله قراءتنا الجميلة في الابتدائية عندما قرأنا موضوع (وا معتصماه)، كيف انتشينا بهذا المعتصم وداعب مخيلتنا الصغيرة صورة الفارس العربي الهمام واستولى الاعتزاز بالعروبة علينا وطردنا الخوف ـ آنذاك ـ من صدورنا الصغيرة، فما أكثر معتصمي الأمة العربية!!

ولكن يبدو ان المعتصم قد ولى مع زمنه الغابر ... ولم يتعلم ابناء العروبة من تاريخهم شيئاً، فأطفال المسيب لم يتمكنوا حتى من اطلاق صرخة استنجاد عندما داهمتهم النيران لتأكل حياتهم المتعبة، واطفال بغداد الجديدة ضاع منهم الحلم في ليل طويل طويل كطول الاستبداد على ارضنا ... ولم نسمع صوتاً واحداً يستنكر وهو جالس خلف مكتبه او في غرفة نومه!!

نساء العراق كل يوم يأخذ منهن الارهاب، الحبيب والزوج والأخ والإبن، ويترك لهن اليأس والخوف والسخط على الحياة .. ولا تجد من ابناء عروبتها من يواسيها بدمعة او كلمة وما أرخص الكلمات!!

فيا ترى ماذا حدث للعربي ـ رحمه الله ـ، أراه يجيد فن الصراخ الاستنكاري ويعرف كيف يغضب ايضاً...

العروبة تستنكر موت الإنسان في شرم الشيخ، ولا تستنكر استشهاد العراقي على ارضه ..

رحم الله تاريخنا، لم نقرأه ولن نجيد قراءته يوماً ما.

 

علياء الأنصاري

مديرة الموقع

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com