|
مابين حب الخلود وخلود الحب
من الافكار التي شغلت الذهن البشري وسيطرت عليه منذ الازل فكرة الخلود. فقد جهد الانسان منذ القدم على ان يُخلد وجوده على الارض واحتار في ذلك كثيرا، فهو تارة يختار طريق الشهرة الاجتماعية او الوجاهة المالية او النجومية الفنية وما الى ذلك ليخلد اسمه في قائمة المشاهير الذين يدون التاريخ اسمائهم بحروف من ذهب. وما آثار القدماء كالاهرام ومثيلاتها الا دليل شاخص على سعي الانسان لتشييد صرح الخلود في ذاكرة الزمن. وتختزن ذاكرة كل امة كم هائل من الموروث الخالد لافرادها تدعم به حركة حاضرها مؤرخة تاريخها في تقويم مستقبلها، لاجل حياة فضلى يمكن ان تتسامى فيها لاجل خلود آخر يمكن ان يأتي به التاريخ لمستقبل اجيالها. ولا اظن ان هناك ظاهرة في التاريخ شغلت ذهن الخلود، كما هي ظاهرة الامام الحسين بن علي بن فاطمة بنت النبي الاكرم محمد صلوات الله عليه. فهل يا ترى كان خلود الحسين عليه السلام، عائد الى تلك المظاهر التي اهتم الشيعة بالقيام بها كلما حل شهر محرم الحرام في تقويمهم، أم هي الفكرة التي حملها الحسين في قلبه واوقدها ثورة كبرى على ارض كربلاء آنذاك؟ هل يبكي الشيعة على الحسين لاجل الرغبة في البكاء وتفريغ تلك الشحنات المكبوتة من قهر الطغاة واستبداد الحكام لهم على مر العصور في تلك المظاهر والشعائر؟ أم هي ظاهرة لاجل الاعلان عن الولاء لتلك الفكرة التي قهرت طغاة ذلك الزمن وحولتهم الى حزمة ورقية سرعان ما بعثرتها رياح الزمن العاتية؟ يا ترى لماذا يخاف الطغاة على مر العصور من الفكرة الرمز في خلود الحسين عليه السلام؟ فيقوم البعض بقطع ايدي زوار الحسين في حقبة ما ويفخخ اخرون زواره في حقبة اخرى!! لماذا يجهد المستبدون دوما في خنق ذكرى الحسين في كل فكرة يمكن ان يحملها الانسان، فيدقع المرء ثمن تلك الفكرة الرمز من حياته وشبابه سجنا وتعذيبا وتشريدا وقتلا، وليس تاريخ حزب البعث ببعيد من واقعنا المتعب، فقد كان لحب الحسين ثمنا باهضا يدفعه المرء ومع كل هذا لم يمت حبه في قلوب الملايين، ولم تزل الفكرة الرمز خالدة في قلوب الملايين من محبيبه وستظل هكذا لان خلود الانسان يكمن في اصالة الفكرة التي يحملها ومدى ارتباطها بواقع الانسان بعنوانه مخلوق متحرك ينشد الكمال. ولاننا نحب الحسين عليه السلام علينا ان نحمله ثقافة وسلوكا قبل ان نحتفل به كشعائر وطقوس، واول معلم من معالم ثقافة الحسين هو حبه للانسان، ذلك الحب الذي جعله يدفع حياته لكي يبني للانسان حضارة السلام والخير والمحبة والعطاء. الحسين رمز للحب الخالد الذي يسعى الى أنسنة البشر واخراجه من بودقة الشيئية المقيتة، الحسين رمز للحرية المطلقة التي حملت شعار (ان لم تكونوا مسلمين فكونوا احرارا في دنياكم). فالاجدر بنا – من ندعي محبته – ان نخرج ذكراه الخالدة من كل مظاهر الارهاب والتزييف، وان نطهر الفكرة الرمز من كل ما يدنسها من موروث يشين الى اصالة صاحبها واصالة فكرته، فقد خلد الحسين لانه رفض فكرة الخضوع الى ثقافة الطغاة وثقافة الباطل وثقافة التزويير. ما نحتاجه في زمننا اليوم، حب الحسين للناس، ذلك الحب الذي نقتقره في ايامنا الكالحة، فلتكن كل شعائرنا في احيائنا للفكرة الرمز تدور حول هذا الحب، لعلنا نتمكن من تجذيره في واقعنا ليحصده الاتي في مستقبلنا. فالحب هو الخلود، والخلود هو الحب. علياء الأنصاري مديرة الموقع
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |