وداعاً رمضان ؟!

 

يستعد المسلمون في كل العالم لاستقبال شهر رمضان على اختلاف ثقافاتهم وعاداتهم ورؤاهم، ولكنهم يتفقون في قضية الاستعداد لهذا الشهر.

قديما - كما اخبرنا الماضون – يأتي شهر رمضان بالخير والبركة للناس، وخاصة البركة الاجتماعية، فهو شهر المودة والتراحم والتزاور واعادة ما انقطع من علاقات وما أفسده الدهر من خلافات.

فمأدبة الافطار تضم الاصدقاء وأهل الرحم والمودة، ويتبادل الجيران الاكلات قبيل ساعة الافطار، وبعدها يجتمع الرجال في المقاهي او احدى البيوت للعب المحبيس او المطاردة الشعرية او تلاوة القرآن ويتجاذبون اطراف الحديث في أمور الحياة المختلفة. أما النساء فيتزاورن فيما بينهن او يقمن مجالس الذكر والدعاء ويصلن الارحام ويعدن المريض في لحمة اجتماعية رائعة قل ان تجد لها نظيرا في الاشهر الاخر. أضف الى ذلك مساعدة المحتاج والفقير والبحث عن كل فضيلة يمكنها ان تقرب الى الله تعالى في هذا الشهر الفضيل. وهذه هي اعظم ما في فلسفة الصيام لدى المسلمين حيث ان الصوم من العبادات التي تربي الحس الاجتماعي لدى الانسان وتؤهله لمشاركة الآخرين في مشاعرهم واهتماماتهم.

ولكن - في الالفية الثالثة - تجرد الصوم من فلسفته العظيمة هذه، فالناس الان تستعد لتجهز بيوتها بما لذ وطاب من المأكولات وكأنهم لم يأكلوا شيئا طوال السنة ولا يفكرون الا في مدفع الافطار متى ينطلق لينطلقوا هم في سباق مع الزمن ويبدأوا في الاكل لتعويض ما فات منهم في النهار!

ومن ثم يحلقون حول شاشة التلفاز ليشاهدوا الكم الهائل من البرامج والمسلسلات التي استعد الموهبون خلال عام كامل لتقديمها في شهر الخير والفضيلة، وهم في سباق محموم لرؤية اكبر عدد ممكن من تلك البرامج والمسلسلات ولا حول ولا قوة الا بالله على مصابهم العظيم لانهم لن يستطيعوا ادراكها جميعها لكثرتها وكثرة فضائيات العرب المسلمين!

وهكذا تتحلق الاسرة كبيرها وصغيرها حول هذا الجهاز المدلل، فلا حوارات بين افرادها ولا أب يشارك ابنائه همومهم وتطلعاتهم وافكارهم ولا ام تتواصل مع ابنائها الا في نقاش حول البرنامج التالي او اختلاف حول المحطة التي تريد هي متابعتها ويختلف معها الاولاد في ذلك، وبالتالي تتحول الاسرة الى افراد يأكلون ويشاهدون ما يعرض لهم فاقدين لمعاني الترابط والتواصل فيما بينهم... هذا اذا لم يحتدم الخلاف بينهم والصراع حول المحطات الفضائية وينتصر الاقوى فيهم وعادة ما يكون الاب او الاخ الذكر.

وهذه الشاشة الساحرة أفرغت الساحة الاجتماعية ايضا من محتواها الانساني فنادرا ما نسمع الآن بمقهى يجتمع فيه الرجال للعب المحيبس او المطاردة الشعرية او مجلس للنساء يتبادلن فيه الثقافة والمعرفة والخبرات.

لذلك من استعدادات الاسر العراقية لشهر الفضيلة تجهيزهم بيوتهم اضافة الى المأكولات، براميل البنزين لتشغيل مولادتهم في حالة انقطاع التيار الكهربائي ومن لا يملك ثمن البنزين يستقرض لان الاولاد يريدون رؤية برامج رمضان ومسلسلاته وعليه كأب مسؤول ان يحقق لهم هذه الرغبة، فهي مريحة له وسهلة ولا تكلفه عناء كبيرا!!

ما اظنه ان فريضة الصيام التي كتبت علينا كما كتبت على الذين من قبلنا، منهج تربوي لاعداد الانسانية وتأهيلها في البشر لذلك فهي تحتاج الى قراءة واعية وجيدة وبما اننا شعوب لا نجيد القراءة فلذلك اخفقنا في هذا المنهج كما اخفقنا في قراءاتنا الاخرى.

لذلك اسمحوا لي ان اقول مع بداية شهر الصوم: وداعا رمضان!! اهلا وسهلا بموسم التسويف وتضييع الوقت والاسراف في الاكل والنوم، فيمكننا ان نقتل الساعات تلو الساعات لاننا نملك ليلة القدر، نبكي فيها ونستغفر فساعة من تلك الليلة تعادل ألف ساعة من غيرها، وما أكثر الالاف من الساعات التي ضاعت من أعمارنا دون ان يغمض لنا جفن.

ولكن يا ترى هل ليلة القدر تصنع انسان، أم الانسان هو الذي يصنع ليالي قدره؟

علياء الأنصاري

مديرة المنظمة

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org