قيام .. وقوف؟!

 

من الالعاب الشائعة التي غذت طفولتنا بالحركة والمرح، لعبة (قيام .... جلوس)! فلا يكاد يمر يوم وآخر إلا واجتمعنا صبايا وفتيان ليترأس أحدنا اللعبة ويهتف فينا: (قيام) فنقوم، ثم يصرخ ثانية: (جلوس)، فنجلس بين ضحكات الفائزين وتأوهات الخاسرين، لتكبر اللعبة في بعض الاحيان الى حركات أخرى يتفنن قائد اللعبة في ابتكارها ليخرج أكبر عدد ممكن من اللعبة وسط موج من الضحك والتذمر والزعل أحيانا.

عندما كنا صغارا نلعب لعبة (القيام والجلوس) كنا نفرح عندما نفوز، ويمتلكنا الاحساس بالزهو لاننا اثبتنا لانفسنا ولاقراننا باننا نملك القدرة على التركيز والسيطرة على ادارة حركاتنا أكثر منهم، ولكن لا أدري لماذا فقدنا مع مرور الزمن، ذلك الزهو! وتلك الرغبة العارمة بالفوز!

فعندما تمدد الزمن في شرايننا وابتكرنا لانفسنا ألعابا أخرى، وألعابا فرضتها علينا الظروف فأصبح لكل واحد منا لعبة ينظم هو قيامها وجلوسها في حركته اليومية الدائبة لتأمين العيش، رضي الكثير لنفسه ان يكون لاعبا بسيطا في لعبة الحياة ينظم له الاخرون حركته ويحددون له مداراتها!! فيقومون ويجلسون ويذهبون ويأتون وفق تنظيمات الاخرين وانظمتهم دون ان يفكروا في الاعتراض او التغيير او حتى الرغبة في التفكير .. لماذا يحدث كل هذا؟ ولماذا لا أكون أنا قائدا للعبة الحركات ولو في حياتي الخاصة فقط؟! كما فقدوا الرغبة في الاحساس بالزهو بأنهم قادرين على ان يكونوا هم الافضل! فيما يأبى البعض إلا ان يكون قائدا للعبة يتحكم في حركات الاخرين ويعين لهم متى يقومون ومتى يجلسون، ويقرر هو من يخرج من اللعبة ومن يبقى فيها!

وتبقى فعالية هذه اللعبة في كل مفاصل حياتنا اليومية الخاصة منها والعامة، وتبقى حركة القيام هي الظاهرة الاكثر شيوعا في انظمة الحياة، فالكل في حالة من القيام والسبق والحركة لاجل تحقيق غاية ما أو هدفا معين مستصحبا تلك الظاهرة الى العالم الآخر الذي تسوده لغة السكون!

ومن أروع ما يختزن حركة الانسان القيامية، أنها عنونت أهم حدث في حياته، حدث القيامة!

ذلك اليوم العظيم الذي لا يمكن لاحد ان يتخطاه أو يتغافل عنه أو يسقطه سهوا من مفكرته!

فذلك اليوم سمي بـ (يوم القيامة)، لهرج الناس ومرجهم فيه وحركتهم القائمة على رأسها، كل في ذهول وسباق وقيام لهول المشهد وهول الحساب.

ولكن في وسط هذه الحركة الصاخبة الحائرة، هناك من تتوقف فيه ارادة الحركة لان النداء الرباني شل تلك الارادة فيه: (وقفوهم إنهم مسؤولون)!

فيا تري من سيقف في يوم القيام، يوم الجريان والسبق نحو المصير؟!

من الذي سينفرد بالوقوف؟!

اعتقد ان على هؤلاء ان يعيدوا النظر في تنظيم حركاتهم، في ادارة اللعبة التي استنزفوا الزمن المتاح لهم، في لعبها!!

ربما لاعبو الشطرنج أفضل من غيرهم يدركون قيمة الزمن المتاح لكل شوط ولكل لعبة، ويدركون أيضا ان حركة بسيطة ولكن دونما دقة وتفكير ودراسة ربما تضيِّع عليهم فرصة الفوز وللابد!!

فلماذا لا يستعين (الواقفون يوم القيامة) بخبرة هؤلاء بقيمة زمن اللعبة المنوط بدقة ساعة الحكم، قبل ان تدق ساعة الحكم الرباني معلنة انتهاء زمن لعبة الحياة؟!

مع فارق بسيط بين اللعبتين، فالخسارة في لعبة الشطرنج يمكن تعويضها في زمن آخر لمسابقة أخرى؛ ولكن الخسارة في لعبة الحياة لا يمكن تعويضها ابداً.

علياء الأنصاري

مديرة المنظمة

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org